منذ أيام والصحف والقنوات الفضائية العربية تنشر المقالات والأحاديث وتقدم البرامج الوثائقية عن ثورة تموز يوليو المصرية، وتعيد الأحاديث والمواضيع ذاتها التي يجري تكرارها وتداولها منذ نصف قرن عن الثورة التي غيرت تاريخ مصر، وتدخلت في صوغ دورها السياسي في العالم العربي وشكلت علاقتها بالقوى الدولية. ثورة "يوليو" مناسبة قومية مصرية، يحتفل بذكراها كل سنة منذ قيامها عام 1952، لكن هذه الاحتفالات لا تقتصر على مصر بل تمتد إلى وسائل إعلام عربية، ويجري استقبالها والحديث عنها وحولها وكأنها ثورة عامة غيّرت وجه العالم العربي، وأخرجت الاستعمار من كل دولة ووضعته على الخريطة الدولية. والسؤال الذي يطرحه بعضهم هو: ما سر هذا الاحتفاء العام بالمناسبة، وهل صحيح أن الثورة المصرية غيرت التاريخ العربي الحديث؟ لا أحد ينكر أهمية ثورة "يوليو" في تاريخ مصر الحديث، أو يستكثر على الإعلام المصري الاحتفال بها كل سنة، أو يستغرب امتداد هذا الاهتمام إلى بعض وسائل الإعلام العربية لأنها مناسبة تهم دولة عربية كبيرة هي مصر. لكن الاستغراب يتأتى من طريقة اهتمام الإعلام العربي وكأن تاريخ العرب خلا من أي إنجازات أو شخصيات تاريخية أخرى غير هذه الثورة وقائدها. إن توحيد المملكة العربية السعودية حدث تاريخي لا يقل أهمية إن لم يفق في أهميته ثورة "يوليو"، وعلى رغم ذلك تمر هذه المناسبة ولا أحد يسأل "كيف سيكون شكل منطقة الشرق الأوسط لو لم تكن قوة إقليمية مثل السعودية موجودة في الصورة". والسؤال ذاته يمكن طرحه في ذكرى مناسبات وأحداث أخرى شهدها مشرق الوطن العربي ومغربه، لكن هيمنة الإعلام في حقبة جمال عبدالناصر كرست هذه المناسبة وغيبت الإنجازات التاريخية الأخرى. إن الاستمرار في تناول الثورة المصرية وكأنها تاريخ بداية العرب قضية تحتاج إلى معاودة نظر، فضلاً عن أن سجننا في قصص خلاف محمد نجيب مع عبدالناصر، وانتحار أو "نحر" عبدالحكيم عامر، وبقية حكايات ليالي الحلمية، تقليل من أهمية ما جرى على أرض مصر بعد هذه الثورة، وتهميش لرجال مصر الآخرين الذين صنعوا التاريخ بعد الرئيس عبدالناصر.