تسلّم الجنرال موشيه بوجي يعالون الثلثاء رئاسة هيئة الأركان العامة الإسرائيلية خلفاً للجنرال شاؤول موفاز. ويبلغ يعالون ال51 من العمر وهو من جيل "الصابرا" الذي ولد في إسرائيل مستوطنة كريات حاييم. وجند في الجيش الإسرائيلي عام 1968 كمظلي في كتيبة "ناحال" منظمة الشباب العامل والمتعلم، ويعتبر من ابناء مستوطنة غارفيت. وخدم اثناء حرب تشرين الاول اكتوبر 1973 كجندي احتياط في الجيش، ثم قائداً لوحدة استطلاع تتبع هيئة الاركان العامة في الفترة التي نفذت فيها الوحدة السرية عملية تصفية ابو جهاد في تونس، وقائداً للواء المسؤول عن الضفة الغربية وغزة، ثم قائداً للمنطقة العسكرية المركزية، ورئيساً لجهاز الاستخبارات العسكرية أمان، ثم نائبا لرئيس الاركان. جاء تعيين يعالون بقرار من وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر الذي أراد ان يفّوت على رئيس الحكومة آرييل شارون فرصة تعيين الجنرال دان حالوتسي قائد سلاح الجو المحسوب عليه منذ عمل معه اثناء الحرب في لبنان عام 1982 والذي يحظى باعجاب رئيس الوزراء، وابنه عمري. وكان الخلاف تفاقم بين بن اليعيزر من جهة وشارون ورئيس الاركان السابق موفاز من جهة اخرى، بسبب تلقي الاخير تعليماته مباشرة في حملة "السور الوقائي" من رئيس الوزراء، والتنسيق بينهما متجاهلين وزير الدفاع. وبرر بن اليعيزر قراره بالقول ان يعالون "هو الوحيد الذي لم يستخدم اي شخص لمصلحته، ولم يخبر الصحافيين بأي شيء، ولم يقم بإعداد زيارات ووجبات عشاء للوزراء وزوجاتهم، وكل ما فعله هو انه واصل عمله بكل اخلاص، وأنا أعلم ما فعله الباقون، لذلك جاء قراري موضوعياً للغاية". ويتردد في دوائر وزارة الدفاع ورئاسة الاركان العامة ان الميزة الكبرى التي يحظى بها يعالون هي عدم وجود معارضين له، إذ ان آراءه منذ بداية المواجهات الحالية واضحة ومحددة، وهي نابعة من معلومات مؤكدة تصل اليه وليس مما يسمعه في الداخل. وعلى رغم المواجهات التي وقعت بينه وبين وزير الخارجية شيمون بيريز بسبب ممارساته العنيفة في الضفة، الا ان يعالون لم يظهر ابداً توجهه اليميني المتطرف الذي يعرفه شارون جيداً ويجهله بن اليعيزر، اذ يقدّر رئيس الحكومة يعالون ويثق فيه، ويعلم انه ليس رجل سياسة يرتدي الملابس العسكرية، إنما هو رجل متخصص ومحترف، ولأن شارون يعلم أنه اذا أعلن ترشيحه ليعالون رئيساً للأركان، فإن ذلك سيفتح عليه ابواب الهجوم من الاحزاب اليسارية، اخفى هذه الرغبة وجعلها تأتي من وزير الدفاع العمالي. ويقول مؤيدو رئيس الاركان الجديد ان آراءه وتصرفاته تنبع من قراءة جيدة للوضع من دون تجميل أو تزيين، وتجتمع فيه مميزات رؤساء الاركان السابقين: موفاز، باراك، شاحاك، وانه متواضع ويحرص على الابتعاد دائماً عن الاعلام والصحافة. معايير تعيين رئيس الأركان ضمت القائمة التي كانت معروضة امام بن اليعيزر اربعة من قادة الجيش الإسرائيلي. فإلى جانب يعالون كان في القائمة دان حالوتسي قائد سلاح الجو، والجنرال عاموس ملكا المسؤول عن الشؤون الاستخباراتية في وزارة الدفاع، والجنرال عوزي دايان رئيس مجلس الأمن القومي. ولأن بن اليعيزر لا يريد لرئيس الاركان الجديد ان يتخطاه ويعمل مباشرة مع رئيس الوزراء، كما يفعل موفاز، جاء اختياره ليعالون كونه ملتزماً بقواعد الانضباط العسكري في التعامل مباشرة مع وزير الدفاع، خصوصاً أن رئيس الاركان اثناء الحرب يصبح الرجل الثاني في اسرائيل بعد رئيس الوزراء. واشتملت المعايير التي وضعتها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالاتفاق مع الاحزاب الرئيسية و"الموساد" ومجمع الصناعات الحربية - باعتبار هذه المؤسسات هي المسيطرة فعلاً على القرار السياسي في إسرائيل - على جملة اعتبارات ينبغي توافرها في المرشح لرئاسة الاركان، في مقدمها قدرته على توفير الخيارات العسكرية المتعددة لرئيس الوزراء عند نشوب الازمات السياسية والامنية، وأن تكون لديه خبرات ميدانية في قيادات اللواءات المدرعة والمظلات والمناطق العسكرية، وفي اعمال الاستخبارات العسكرية والعمليات الخاصة، وان يكون اشترك في حروب الصراع العربي - الإسرائيلي، وعمل في رئاسة الاركان، وشارك في وضع خطط تطوير القوات المسلحة، اضافة الى ما ينبغي ان يتمتع به من صلات قوية بالمؤسسات العسكرية في الدول الصديقة لإسرائيل وفي مقدمها الولاياتالمتحدة، الى جانب الخلفية الثقافية والمعلوماتية، والصدق امام المحققين والاعلام والجمهور، ووجوب توافر الاستقامة والبراعة في العمل، وتأييد مبدأ سيطرة الحكم المدني على الجيش. نظرية يعالون العسكرية يعتبر رئيس الاركان الجديد احد المسؤولين عن نظرية "المصالح الامنية" للدفاع عن المستوطنات، ويعتبر السلطة الفلسطينية "كياناً ارهابياً". وتتلخص نظريته السياسية - الأمنية في فكرة "السور الوقائي"، وفي ذلك يقول لصحيفة "يديعوت احرونوت": "يجب اقامة سور أمام الفلسطينيين، محكم الإغلاق من الجهات كافة، ولا يمكن التسلل عبره". وعندما يشرح الهدف من هذا السور، والعوامل التي تهدد مناعته، يتضح أن رئيس هيئة الاركان المقبل يبني هذا السور من الحجارة الاساسية لليمين الايديولوجي. فالهدف الاساسي للسور الوقائي الذي يريد بناءه أن يوضح في شكل قاطع للفلسطينيين "أنهم لن يحققوا اي انجاز بالعنف". ولكن المصطلح يعني ان إسرائيل تملك وحدها حق الاستخدام الشرعي لقوة الذراع، وأن جنود الجيش الإسرائيلي يملكون الحق الطبيعي في إقامة الحواجز، ولا يملك المواطن الفلسطيني حق الاحتماء منها، وأن المستوطن يملك حقاً مقدساً في مصادرة الارض، فيما يملك الفلاح الفلسطيني، في شكل مقيد، حق التوجه الى المحكمة العليا فقط! أما اذا اضطرت إسرائيل بموجب اعتبارات الأمن الى ترحيل الفلسطينيين الى خارج المناطق المحتلة والترانسفير، فإن على الجيش الإسرائيلي أن ينهض بهذه المهمة من دون وضع العوامل الانسانية في الاعتبار، ولا يحق لرب العائلة الفلسطينية، بحسب نظرية يعالون، حق الدفاع عن عائلته وأرضه، وهو بذلك، كما تصفه صحيفة "يديعوت احرونوت" في عددها بتاريخ 17/3/2002 "يسلب الفلسطينيين بشكل تام حق الدفاع عن أنفسهم. ان هذا ليس سوراً دفاعياً، وانما قوة فولاذية هدفها ضرب الطرف الثاني الفلسطيني حتى يستسلم من دون قيد أو شرط". وما يقلق يعالون هو أن دولة إسرائيل "تروي روايتين مختلفتين، ما يلحق الضرر بسورنا الفكري امام الفلسطينيين"، ويعني بذلك الحديث عن الحرب في وقت يجرى الحديث عن المفاوضات، اذ يرفض اي تسوية سياسية تحت طائلة النار، ويقول انه يتعين على الفلسطينيين ان يدركوا جيداً انهم "لن يجنوا شيئاً من اعمال العنف". ويعتقد يعالون "أن هذا الحديث المزدوج في إسرائيل انما يشكك في قوة الصمود الإسرائيلية، وان من يطالبون بالمفاوضات الآن انمظا يمنعون الجيش من تحقيق الانتصار". أما العمل الثاني الذي يهدد "سور يعالون" فهم اولئك الذين يطلبون عدم تحديد الحدود الدفاعية لدولة إسرائيل بحسب نظرية إسرائيل الكبرى. وفي ذلك يعترف يعالون بأنه لو كانت إسرائيل "استسلمت وخرجت من المناطق من جانب واحد، لكانت المواجهات توقفت، ولكنها ستبدأ فوراً عند الحدود الجديدة". ان حقيقة الاحتمال المطلق والمعقول استراتيجياً بأن الحدود الجديدة ستكون قابلة للحماية اكثر من الحدود الحالية، لا تمنع يعالون من تشبيه فكرة الانسحاب بمن يسمح للمصارع ان يغرز سيوفه في ظهر الثور. وبحسب تصورات رئيس الاركان فإن الفرصة الوحيدة لوقف المواجهات هي "ان نثبت للفلسطينيين ان كل ما يمكنهم عمله هو تحطيم رؤوسهم على سور إسرائيل، وليكلف ذلك مهما كلف من تحطيم الرؤوس في الجانبين". حذاء موفاز الواسع من الواضح أن رئيس الأركان الجديد ينتعل حذاءً واسعاً جداً تركه موفاز، ويعتقد الكثيرون في إسرائيل ان مصلحتها تقتضي تصغير هذا الحذاء. اذ أن على رئيس الاركان ان يقدم تقديرات وتوصيات عسكرية، ولا ينبغي له أن يرسم السياسة، فهو ليس مطالباً بأن يصنف نفسه مع اي خط سياسي، ولا أن يزيغ ببصره نحو اي منصب حزبي فور اعتزاله. وان كان الكثير من رؤساء اركان إسرائيل السابقين حادوا عن هذا المبدأ وكسروه، امثال دايان، وباراك، الا أن موفاز كسر كل هذه القواعد عندما لم يلتزم بتنفيذ السياسة، بل اراد تحديدها والمشاركة في رسمها عندما صرح بأنه "لا ينبغي التخاذل امام عرفات"، وعندما كان يكرر في وسائل الاعلام انتقاداته لقرارات وزير الدفاع، وأنه لو كان الامر بيده لبقي في رام الله، وان لا شأن له بالاعتبارات السياسية ولا بالضغوط الاميركية، وأنه لا يعرف سوى لغة واحدة فقط هي استخدام القوة، والمزيد من القوة. ولأن هذه التصريحات الواردة على لسان موفاز ليس لها تفسير سوى المزايدة على الخط اليميني المتشدد لشارون، ولأن موفاز يسيطر على الاحداث ميدانياً، فإن تصريحاته هذه تحمل مغزى خطيراً، لا سيما أنها لم تحقق انجازاً ما، كما لم تؤدِ الى هدوء ما. إذ انتقلت العمليات الاستشهادية الى قلب إسرائيل للمرة الأولى في تاريخها منذ قيامها عام 1948، الأمر الذي كشف عن وجود ثغرات عدة في التخطيط الامني الإسرائيلي، وما الهدوء الحالي بعد عمليات اجتياح المدن الفلسطينية سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة، والتي ستكون أشد عنفاً وتأثيراًَ في الكيان الإسرائيلي بأكثر مما فعلت العمليات الاستشهادية الماضية. واذا كانت عجلة القيادة انتقلت من موفاز الى يعالون، فإن الاخير ينبغي ألا ينتعل حذاء موفاز، لأنه بذلك سيقود إسرائيل من فشل الى فشل. وعرف التاريخ سوابق حاول فيها رجال جيش اقوياء جداً السيطرة على المستوى السياسي، ودائما يخيل اليهم انهم يعرفون الافضل، ويرون الطرف الثاني فقط عبر فوهة البندقية، ودائما يوصون باستخدام الاداة الوحيدة التي قد يجعل استخدامها منهم نجوماً، ولكن دائماً ما ينتهي الامر بكارثة. * لواء أركان حرب متقاعد وخبير استراتيجي مصري