ماذا فعل العرب لافريقيا بعدما خذلتها قمة الدول الثماني الكبرى في كندا الأسبوع الماضي؟ وماذا قدموا في مؤتمر القمة الافريقي في دوربان لكي يكسبوا القارة البكر إلى جانبهم؟ الثابت أن الزعماء الغربيين، الذين وعدوا بأن تكون قمة كاناناسكيس في كندا "قمة افريقيا" لمساعدتها على مجابهة صعوباتها في مجال المديونية والإدارة الجيدة والديموقراطية، انشغلوا بمنح روسيا العضوية الكاملة في المجموعة واسدال الستار على الحرب الباردة، وسيطرت عليهم قضية الإرهاب فخصصوا 20 بليون دولار لمكافحته ولم يرصدوا لمساعدة افريقيا سوى بليون دولار. معنى ذلك ان الدول الثماني الكبرى أخفقت في بناء "الشراكة الجديدة لتنمية افريقيا" التي كانت تبشر بإطلاقها. لكن ماذا كان موقف العرب ازاء الأفارقة وهم جزء منهم عندما كانوا في حاجة ماسة إلى محامين للترافع عنهم في كاناناسيكس؟ حضر زعيم عربي واحد إلى كندا من أصل أربعة زعماء مثلوا القارة في القمة، وهو حضور لم يعكس حجم العرب السكاني والاقتصادي والثقافي، فضلاً عن كونه لم يحمل رؤية مغايرة للموقف الغربي القائم على منطق العطايا والهبات. وكان مفترضاً أن القمة الافريقية في دوربان شكلت فرصة تاريخية للعرب لمخاطبة افريقيا مباشرة وطرح عقد جديد للشراكة عليها يحقق ما عجز عنه الثمانية الكبار، إلا أنها كانت فرصة أخرى مهدورة... واعتباراً لهزال ما قدمته الدول الغنية، يبدو ما يستطيع العرب تقديمه كبيراً بالنظر إلى إمكاناتهم، خصوصاً في ظل ارتفاع الايرادات النفطية. وإذا ما باشروا اليوم وضع خطة لمساعدة افريقيا تتوج بإقامة شراكة قوية تضعف النفوذ الإسرائيلي المتزايد في القارة، يكونوا وضعوا إلى جانبهم قوة صاعدة مرشحة لتكون منطقة مستقبلية مهمة خلال العقود المقبلة. ما تطلبه افريقيا ليس مستحيلاً وفي مقدمه تخفيف عبء المديونية وتمويل مشاريع التنمية، خصوصاً بعدما اكتسحت الأنظمة المنتخبة ديموقراطياً معاقل الديكتاتوريات السابقة. إلا أن الدول الثماني المسكونة بهاجس الإرهاب دللت على أن أزمات افريقيا هي آخر ما يشغل بالها، على رغم أن التقارير التي وضعها خبراؤها حذرت من تفاقم أزمة التعليم في القارة، إذ أن 75 مليون طفل افريقي يمثلون أربعين في المئة من اجمالي أطفال القارة، لم تتح لهم فرصة دخول المدرسة على الاطلاق، فيما يصل متوسط عدد السنوات الدراسية للتلاميذ إلى ثلاث سنوات ونصف السنة فقط، وينزل هذا المتوسط إلى أقل من سنة في بعض الدول مثل مالي وموزامبيق واثيوبيا. مع ذلك، لم تعتمد الدول الغنية مبادرات حقيقية لمعالجة هذا الوضع، فكل ما جاء به الرئيس جورج بوش، مثلاً، لم يتجاوز عشرين مليون دولار سنوياً بعنوان معونة إضافية للتعليم في افريقيا. وبعملية حسابية بسيطة أظهر خبراء البنك الدولي أن نصيب كل طفل افريقي من هذه المعونة يعادل 26 سنتاً، وهو مبلغ لا يكفي لشراء كيس فول سوداني. أكثر من تأمين كميات أكبر من الفول السوداني، يستطيع العرب الذين لديهم وفرة من المدرسين وإمكانات مالية محترمة، أن يجعلوا من دعم التعليم قطب الرحى في شراكة جديدة مع افريقيا، مع ما في هذا المجال من منافع تتجاوز الأبعاد التنموية إلى تعزيز الأواصر الثقافية والروحية، واستطراداً السياسية. وفي ثمانية عشر بلداً افريقياً اعتبر البنك الدولي أنها تنفذ سياسات سليمة للتعليم، يحتاج الناس إلى مدرسة ومعلمين وطريق ومستشفى، وهذا أهم لديهم من الخطابات التي يقدمها لهم بعض العرب والأموال التي يذهب القسم الأكبر منها إلى جيوب الحكام الافارقة وأفراد حاشيتهم. في مقابل التعاطي الغربي مع افريقيا والذي يستند على أهداف أمنية ترمي لتثبيت السكان في مواطنهم حتى لا يهاجروا إلى أوروبا أو يثوروا على حكامهم، يمكن للعرب أن يقدموا أكثر من الكلام الجميل ويجعلوا من افريقيا الحبلى بالتغييرات، شريكاً ومجالاً لتعاون استراتيجي عجز الغرب عن اجتراحه بغير وسائل الهيمنة التقليدية.