رحبت اسرائيل بقرار محكمة الاستئناف البلجيكية رفض الدعوى على رئيس وزرائها اريل شارون "لتمتعه بالحصانة"، فيما اثار القرار غضباً لدى الفلسطينيين، خصوصاً مقدمي الدعوى من الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا. وقالت احداهن انه كان أسهل عليها ان تموت من سماع القرار، وتعهد آخرون بمواصلة مساعيهم لمحاكمة شارون عن جرائمه السابقة والحالية. وتعهد محامو الادعاء بأن يلجأوا الى محكمة التمييز للطعن بالقرار. خيب القضاء البلجيكي آمال سعاد سرور و12 آخرين من الناجين من مجازر صبرا وشاتيلا برفضها امس فتح تحقيق في جرائم شارون وقائده العسكري ياموس يارون. واستند القرار الى عدم وجود المتهمين في بلجيكا. وبكت سعاد سرور المرعي، بعد سماعها تلاوة القرار لأنها "كانت تعتقد بعدالة القضاء البلجيكي وظنت أنها دخلت البلاد التي تسترد فيها حقوقها من ارييل شارون". وقال الناطق باسم المحكمة ديلفوا ان القرار لا يبطل قانون الصلاحيات الشاملة الذي يسمح بالتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم الإبادة أينما حدثت "إلا انه القرار يستند الى المادة الثانية عشرة من القانون الجنائي التي تقضي بوجود المتهم في بلجيكا". وأعلن محامو الادعاء انهم سيلجأون الى محكمة التمييز للطعن بالقرار. ويعتقد المحامي لوك والين ان القرار الأخير يفرغ قانون الصلاحيات الشاملة من أبعاده الانسانية، لأن المتهمين بجرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية لا يوجدون في بلجيكا. لذلك فإن الجدل سينقل الى البرلمان. وتحدث عضو مجلس الشيوخ فانسون كوي كينبورن الحزب الليبرالي الفلمنكي عن وجود غالبية داخل مجلس الشيوخ تطالب بتعديل القانون لاستبعاد المادة 12 من القانون الجنائي. وكان 23 من ضحايا صبرا وشاتيلا قدموا في حزيران يونيو العام الماضي شكاوى الى المحكمة في بروكسيل بمقتضى قانون الصلاحيات الشاملة الذي يمنح القضاء البلجيكي صلاحيات التحقيق في جرائم ضد الانسانية وجرائم الإبادة اينما حدثت ومهما كانت صفة المتهم. وأثار قبول القضاء في حينه تسلم الشكاوى تفاؤلاً كبيراً لدى سرور المرعي التي تحولت الى رمز المواجهة القانونية مع ارييل شارون. إلا أن الشكوك برزت في الأشهر الأخيرة بعد تدخل محكمة العدل الدولية التي طلبت من بلجيكا إلغاء مذكرة اعتقال كانت اصدرتها في حق وزير خارجية الكونغو الأسبق عبدولاي اريدويا لاتهامه بجرائم الإبادة. ورأت محكمة العدل الدولية بأن الوزير الكونغولي يتمتع بالحصانة في الخارج الأمر الذي جعل النيابة العامة البلجيكية تطلب معاودة فتح النقاشات في شأن قضية ارييل شارون. وأشادت اسرائيل بقرار المحكمة البلجيكية، وقال شمعون بيريز وزير الخارجية: "اعتقد انه ما كان يتعين ان يحاولوا رفع الدعوى، لا يمكن لدولة محاكمة دولة اخرى. الدولة التي لحسن حظها لا تكافح الارهاب والحرب سيكون من الصعب عليها تفهم وضع دولة يتعين عليها القيام بذلك". وقال اريت كاهان، رئيس القسم الدولي في وزارة العدل الاسرائيلية: "دمعت أعيننا. كلنا تأثرنا بشدة لأننا كنا نعتبر هذه الدعوى ذات دوافع سياسية ضد دولة اسرائيل". وعبر الفلسطينيون عن صدمتهم لما أسموه هروب العالم من وجه العدالة، معربين في الوقت نفسه عن أملهم في محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية التي ستبدأ أعمالها في الأول من الشهر المقبل. ووصف الأب مانويل مسلم رئيس الهيئة الفلسطينية المستقلة لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين حكم ، القرار البلجيكي بأنه "هروب العالم من وجه العدالة... العالم الذي جعل من العدالة حارسة لأخطاء القوة". ودعا رئيس لجنة شؤون اللاجئين في المجلس التشريعي النائب جمال الشاتي الناجين إلى "عدم الشعور بالإحباط نتيجة عدم قبول الدعوى ضد شارون". وقال من منزله الخاضع لنظام حظر التجول في مدينة جنين عبر الهاتف ل"الحياة"، إن "ما جرى في بلجيكا اليوم أمس لا يختلف عن موقف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الذي حل لجنة تقصي الحقائق الدولية المكلفة تقصي الحقائق حول جرائم الحرب، والمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مخيم ومدينة جنين" قبل أسابيع عدة. واعتبر أنه "طالما هناك هيمنة أميركية سواء في مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة، وطالما سار الأوروبيون في الفلك الأميركي فنحن لا نستبعد حدوث مثل هذا الأمر في بلجيكا أو غيرها من الدول". وقال إن "القرار البلجيكي سياسي وليس قضائيا"، خصوصاً أن "شارون دين من قبل لجان إسرائيلية كاهان بغض النظر عن مستوى هذه الإدانة"، مشدداً على أنه "كان من المفترض أن يتابع هذا الأمر من قبل القضاء البلجيكي كمدخل لهذه القضية". وقال الناجي الوحيد في قطاع غزة من مجازر صبرا وشاتيلا وليد العوض، أمين سر لجنة شؤون اللاجئين في المجلس الوطني الفلسطيني إن "القرار كان متوقعاً خصوصاً أن أميركا تحاول أن تفرض وصاية على العالم أجمع، كما عبر الرئيس الأميركي جورج بوش عن ذلك". من جهة اخرى، أكد المحامي اللبناني شبلي ملاط في بيان تلقته "الحياة" وحمل أيضاًً توقيعي المحاميين البلجيكيين مايكل فرغاهي ولوك والين ان قرار القضاء البلجيكي يشكل "انتكاسة". واعتبر البيان ان "قرار المحكمة نكسة سواء بالنسبة إلى القانون الإنساني الدولي أو بالنسبة إلى ضحايا الباحثين عن محاسبة المسؤولين عن أعمال قتل وتعذيب واغتصاب مورست ضدهم وضد ذويهم". وأضاف: "ان افلات المجرمين من العقاب أمر غير مقبول، لا سيما بالنسبة إلى ارييل شارون الذي وجدته لجنة كاهان الإسرائيلية مسؤولاً شخصياً عن المجازر بسبب دوره بعملية نفذت تحت اشرافه".