سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عشية نظر القضاء البلجيكي بعد غد في صلاحيته لمحاكمة رئيس الوزراء الاسرائيلي . شبلي ملاط : شارون أصبح مهووساً بالدعوى ... وحججنا الدامغة عن المجزرة تقلقه
تستعد الغرفة الاتهامية التابعة لمحكمة الاستئناف في بروكسيل لعقد جلسة لها بعد غد الأربعاء للنظر في صلاحية القضاء البلجيكي في نظر الدعوى المقامة ضد رئيس الحكومة الاسرائيلية آرييل شارون من جانب فريق الادعاء المؤلف من البروفسور اللبناني شبلي وجدي ملاط والمحاميين البلجيكيين مايكل فيرهاغي ولوك والين في حزيران يونيو الماضي بوكالتهم عن 23 مدنياً فلسطينياً ولبنانياً نجوا من مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا التي ارتكبت إبان الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 عندما كان شارون وزيراً للدفاع. عشية انعقاد الجلسة وجه القضاء البلجيكي مذكرة استدعاء الى شارون للمثول أمامه والادلاء بأقواله في 28 تشرين الثاني نوفمبر الجاري، وتسلمها نيابة عنه محاميه البلجيكي، فيما سلم سفير بلجيكا في اسرائيل والفريد جينز مذكرة مماثلة صدرت ايضاً في حق الجنرال عاموس يارون الذي يشغل حالياً منصب المدير العام لوزارة الدفاع. والذي كان قائداً للقوات الاسرائيلية التي حاصرت مخيمي صبرا وشاتيلا في ضاحية بيروت الجنوبية عند حدوث المجزرة. تسلم يارون المذكرة وتقضي بمثوله شخصياً أمام الغرفة الاتهامية علماً ان هذا الأخير لم يوكل محامياً عنه. ويمنح قانون بلجيكي صدر عام 1993 وعدل عام 1999 المحاكم البجليكية صلاحية النظر في جرائم الحرب وأعمال الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية أياً كان مكان حدوثها وجنسيات الضحايا والمتهمين وأماكن اقامتهم، وبموجب هذا القانون اتيح تقديم هذه الشكوى ضد شارون بسبب دوره في هذه المجازر التي ذهب ضحيتها مئات المدنيين من اطفال ونساء وشيوخ. وأحدث الاجراء القضائي الأخير صدمة في الوسط الرسمي الاسرائيلي اذ تزامن مع وصول وفد الاتحاد الأوروبي الى اسرائيل الأسبوع الماضي برئاسة رئيس الوزراء البلجيكي غي فيرهوشتاد. وجرت الزيارة في جو بالغ التوتر عكسه الاستقبال الفاتر من جانب شارون للوفد والذي ترافق مع سيل من التعليقات على الملاحقات القضائية، مما دعا المسؤول البلجيكي الى التذكير بمبدأ فصل السلطات في بلاده. وفي مواقف تعكس الضيق الرسمي الاسرائيلي من استدعاء شارون للتحقيق وصف ارييه ميكيل الناطق باسم الحكومة الاسرائيلية القرار بأنه "غريب جداً ويصعب علينا فهم لماذا تريد بلجيكا ملاحقة رئيس وزرائنا قضائياً". لكنه عقب قائلاً: "اننا ملزمون بأخذ هذه القضية على محمل الجد بحكم البدء بهذا الاجراء واستدعينا محامين للدفاع عن مصالحنا في بلجيكا". وذهب رئيس بلدية القدس ايهود اولمرت الى أبعد من ذلك عندما وصف رئيس الحكومة البلجيكية ب"القذر" ودعا شارون الى رفض استقباله. وقال: "تحت ستار الانسانية والعدالة تجري حالياً في بلجيكا حملة عنيفة مناهضة لاسرائيل وذات خلفيات مناهضة للسامية". وما أثار عاصفة المواقف والتصريحات لمسؤولين اسرائيليين كثر شكوى فلسطينية جديدة بالحق المدني قدمتها المحامية البلجيكية ماري كريستين وارلوب الى المحكمة الابتدائية في بروكسيل ضد شارون و14 مسؤولاً آخرين من بينهم سلفه ايهود باراك بوكالتها عن ستة فلسطينيين قتل اطفالهم اثناء الانتفاضة. ومما زاد في الاستياء الاسرائيلي إقدام المحطة التلفزيونية البلجيكية "آر تي بي اف" على بث برنامج وثائقي حول تورط شارون في مجزرة صبرا وشاتيلا كانت ال"بي بي سي" البريطانية انتجته وبثته في حزيران يونيو الماضي ما أدى الى احتجاجات اسرائيلية قوية. وقال ايمانويل ناخشون الناطق باسم الخارجية الاسرائيلية: "نشعر بالصدمة وخيبة الأمل حيال عرض هذا البرنامج المنحاز الذي يأتي قبل اسبوع من جلسة مهمة تتعلق بالعملية القضائية التي يواجهها شارون في بلجيكا". وفي محاولة للالتفاف على هاتين الدعويين توجه محامون اسرائيليون يمثلون 30 شخصاً من مجموعة اسرائيلية تطلق على نفسها اسم "رابطة ضحايا الارهاب" الى بروكسيل لتقديم دعوى ضد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ومسؤولين آخرين بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة ضد البشرية. وعلى رغم ادعاء المحامين اليهود البلجيكيين ان لا صلة بين الدعوى التي يسعون الى اقامتها وتلك المقامة ضد شارون وإعلان ناطق باسم وزارة العدل الاسرائيلية ان دولة اسرائيل ليست طرفاً في هذه الدعوى، الا ان المدعي العام الاسرائيلي الياكيم روبنشتاين قرر دعم هذه المجموعة وطلب الاطلاع على وثائق في وزارة الدفاع الاسرائيلية لدعم هذا الملف. وتعمل هذه المجموعة على جمع أدلة عن الدور المفترض لعرفات في قتل 11 رياضياً اسرائيلياً خلال الألعاب الأولمبية في ميونيخ في ألمانيا عام 1972 ومسافر يهودي أميركي خلال خطف سفينة "اكيلي لاورو" في المتوسط عام 1985 اضافة الى قتل اسرائيليين آخرين خلال الانتفاضة الحالية. لكن هذه المحاولة لم تفلح في حجب الانظار التي بقيت مشدودة الى الدعوى الأساسية المقامة ضد شارون في مجزرة صبرا وشاتيلا بعدما سلكت طريقها القانوني، اضافة الى مساندة واسعة على امتداد العالم. وفي هذا الاطار التقت "الحياة" رئيس فريق الادعاء المحامي شبلي ملاط الذي عكف وزميليه على اعداد مرافعاتهم بعد تلقيهم دعوة من محكمة استئناف بروكسيل للحضور الى بلجيكا والادلاء بوجهات نظرهم أمامها بعد غد الأربعاء. فأشار في قراءة لمذكرة الاستدعاء التي اصدرها القضاء البلجيكي الى ان هناك لغطاً له طرف اجرائي بسبب التعقيدات المتصلة بالأصول الجزائية في القانون البلجيكي من جهة، ومنحى سياسي اتخذته القضية بسبب الهوس المتنامي لشارون والمحيطين به بسبب هذه الدعوى. واعتبر ان "انتصاراً كبيراً احرز منذ اكثر من شهرين تمثل في اقناع القضاء البلجيكي بأنه ليس كافياً ان يعين شارون محامياً عن دولة اسرائيل او عن حكومة اسرائىل لأن الدعوى جزائية ومتصلة بشخصه مباشرة، وعندما اقتنع القضاء بهذا الموقف كان امام شارون احد خيارين بالنسبة لجلسة 28 الجاري، فإما ان يكون غائباً عن الجلسة تماماً فتكون الحجج الوحيدة هي حججنا وإما ان يعين محامياً شخصياً عنه ليقدم حججه في هذه الجلسة. وقد اختار الطريق الثاني وعين محامياً شخصياً له هو ادريان ماسيه. هذا كان انتصاراً كبيراً اولاً لأن حجتنا كانت قاضية امام القضاء الذي اقتنع بأن مسؤولية شارون الفردية تحتم عليه تعيين محامٍ ويجبره هذا ايضاً وهذا من طرائف الامور ان يدفع شخصياً بدلات المحامي للدفاع عنه". وأكد ملاط "اننا قطعنا شوطاً كبيراً بالنسبة الى التبليغ، اذ ان اصول التبليغ الدولي كانت تواجه صعوبة دائماً، خصوصاً من الناحية الجنائية ومن هنا لم تعد هناك حاجة الى تبليغ دولي لشارون. ويكفي ان يبلغ في مكتب محاميه في بروكسيل. مصدر اللغط ان المتهم الثاني عاموس يارون الذي كان لم يعين محامياً بحسب ما علمنا رسمياً، ومن هنا كان التبليغ ضرورياً لحفظ حقه في الدفاع". واعتبر اللغط الاجرائي "لا تفسره سوى العجرفة والحس بالتفوق الذي يبديه شارون في تصرفاته ورأينا ما صدر عنه من كلام غير لائق في حق الحكومة البلجيكية التي حاول بعض اقطابها تعديل القانون لمصلحته ولم ينجحوا بسبب الضغوط وقوة القانون في دولة تحترم نفسها اذ لا يتم تغيير اي قانون لمصلحة شخص. ورأينا السجال الذي دار اثناء زيارة وفد الاتحاد الاوروبي لاسرائىل برئاسة رئيس الوزراء البلجيكي والطريقة الفظة التي استقبل بها شارون الوفد. من الواضح ان الرجل اصبح مهووساً بالدعوى التي اخذت تقلقه خصوصاً انها جدية والحجج دامغة اضافة الى ان القانون واضح". وقال ملاط: "ان ارجاء الجلسة الى 28 الجاري كان بطلب من محامي شارون". واعتبر ملاط "ان التحقيق الذي اجرته لجنة حكومية اسرائىلية عقب مجازر صبرا ليس كافياً لأنهم لم يسمعوا الاطراف كافة". وقال: "الجديد بالنسبة الى القضية هو ان القضاء في بلجيكا مستقل عن الطرفين العربي والاسرائىلي". وأوضح "ان الجلسة المقبلة لن يصدر عنها قرار وستكون للمرافعة، لكن اهميتها تكمن في ان صوت الضحايا سيسمع للمرة الاولى في صرح قضائي غربي وهذا امر متميز عما سبق اذ كانت الاصوات سياسية وهي لم تسمع اصلاً. اليوم هناك قضية حق واضحة يستمع فيها العالم في هذا الصرح القضائي الى صوت الضحية. ولكن من الناحية الاجرائية علينا ألاّ ننتظر من الجلسة شيئاً اساسياً لأن القرار من المنتظر ان يصدر نهاية السنة الجارية او مطلع السنة المقبلة. وقد قرر القضاة الاستماع الى افادات قانونية مفصلة اكثر وقد يطلبون منا العودة مرة ثانية الى جلسة لايضاح الأمور". ولفت الى "اهمية الانتقال من التعبير عن الحق الى اقرار مسؤولية قانونية اذ ان الدعوى قضية عالمية لأن ما حصل في صبرا وشاتيلا جريمة ضد الانسانية ومن هنا يشعر كل انسان انه مسؤول عن ضرورة معاقبة من ارتكب مثل هذه الجريمة، لكن هذه المعاقبة لم تتم حتى الآن، ومن الممكن لأسباب اجرائية ان تتوقف الدعوى في بلجيكا، علماً ان حججنا قوية جداً ولذلك فإن الرجل شارون في وضع قلق". وتحدث عن احتمالين ستؤول اليهما القضية: الاول هو "ان تقرر محكمة بلجيكا لمصلحتنا، وفي هذه الحال من المؤكد ان شارون سيميز القرار. هناك مدة زمنية اخرى تفصلنا من قرار لمحكمة التمييز محتم. وهذه هي ايضاً الحال في حال خسرنا هذه المرحلة من الدعوى. وهي مرحلة الاستئناف. لا شك في اننا سنميز القرار الاستئنافي. فالقضية ستستمر على وتيرة قضائية خاصة". وتابع "السؤال الذي يطرح نفسه وهو كيف يمكن اليوم بعدما صارت هذه القضية عالمية بأهمية حججها وضخامة الفصل الانساني المؤسف الذي سجله التاريخ في ايلول سبتمبر عام 1982، ومدى امكان انتشار فكرة المساءلة القانونية لا سيما في المحافل الغربية القضائىة والمتعلقة ايضاً بالمحافل المتاحة في الاممالمتحدة لمساءلة المسؤولين الاسرائىليين الضالعين في جرائم مخالفة للقانون الدولي. وما شجعنا في المضي في الدعوى نشوء لجان في العالم في شكل تلقائي لنصرة هذه الدعوى في عدد كبير من البلدان الغربية والعربية". وكشف ملاط عن ثلاث مناسبات "مهمة جداً" تسبق هذه الجلسة وتعقبها وهي كلها مواكبة للدعوى. وقال: "ان المناسبة الاولى هي اجتماع في القاهرة دعا اليه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في 26 و27 الجاري ودعانا للمشاركة في منتدى حوار الحضارات "تواصل لا صراع" والادلاء بما توصلنا اليه وبما نترقبه من فكرة هذه الدعوى ليكون القانون صلة الوصل بين الحضارات، اذ ان المشكلة التي يعانيها العالم اليوم هي ازدواجية المعايير. وهذا الاجتماع هو لجمع الطاقات في العالم العربي والتفكير في محاولة كسر فكرة صراع الحضارات وأنا كقانوني من واجبي وقناعتي ان اعمق لدى الاصدقاء العرب الاهتمام بهذه القضية والتواصل مع الحال السائدة حالياً في العالم حول المساءلة القانونية للمجرم أياً كان وان القانون هو المرتكز الطبيعي للتواصل بين الحضارات". وأشار الى ان المناسبة الثانية "هي الاهتمام الكبير وعلى مستوى رفيع جداً في اوروبا عموماً وفي فرنسا تحديداً بهذه الدعوى وتوسيع اطارها لتشمل نواحي عدة لا نزال نجهل معالمها. وهنالك جمع مهم في فرنسا في 30 من الشهر الجاري ليترأسه باتريك بودوان وهي اهم مجموعة حقوق انسان في فرنسا لمساندة الدعوى وللبحث في هذه المساءلة القانونية العالمية". اما المناسبة الثالثة "فهي العمل على نقل المساءلة القانونية من الفضائين العربي والاوروبي الى قلب الولاياتالمتحدة. وبعد اسبوع من الجلسة ستعقد لقاءات داخل الولاياتالمتحدة ليتم اختراق الصمت الاميركي الذي واكب هذه الدعوى منذ ان رفعت". ويعلق ملاط آمالاً كبيرة على وجود لجنة وهيكلية في شمال اميركا لمواكبة الدعوى ما يساعد كثيراً في هذه القضية. كما يعلق آمالاً على منسقة اعمال هذه اللجان الدكتورة لوري كينغ في الولاياتالمتحدة، اضافة الى امور اخرى ستكتشف لاحقاً "وهذا ما سيؤدي الى اختراق حضاري للقانون في الولاياتالمتحدة".