يبدى الديبلوماسيون الغربيون في دمشق انشغالاً كبيراً باحتمالات المواجهة العسكرية بين سورية واسرائيل، ويتساءلون: هل يمكن ان يجر رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الشرق الاوسط الى حرب اقليمية للخروج من ازمته الداخلية؟ ما هي "قواعد اللعبة" في لبنان بين سورية واسرائيل؟ ما هو مدى "سيطرة" دمشق على قرارات "حزب الله"؟ يعتقد مسؤولون سوريون ان شارون "لا يحمل اي برنامج سياسي وان برنامجه الوحيد امني-عسكري" سواء في ما يتعلق بالوضع في الاراضي الفلسطينية المحتلة او في جنوبلبنان. وهم يعتقدون بأن عدم قدرته على "القضاء على الانتفاضة في مئة يوم كما وعد" سيدفعه الى تصعيد الوضع في جنوبلبنان. ومنذ وصوله الى الحكم، حاول شارون "امتحان" رد فعل الرئيس بشار الاسد وتغيير "قواعد اللعبة" حيث انه شن في نيسان ابريل هجوماً على موقع للرادار السوري. لكن اعتقاد السوريين ان ذلك استهدف جرهم الى مواجهة جعلهم يعتمدون سياسة "الردع السياسي" من دون الانجرار الى "لعبة شارون". وتمثل ذلك في عدد من الخطوات بينها: اولا، ارسال "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" بقيادة احمد جبريل اسلحة الى الاراضي الفلسطينية عبر لبنان ما يعني امكان تحويل سورية الدعم السياسي للانتفاضة الى دعم عسكري. ثانيا، تفجير عبوة ناسفة في مطعم يرتاده جنود اسرائيليون في الجولان للمرة الاولى منذ عقود. ثالثا، زيارة وزير الدفاع السوري العماد الاول مصطفى طلاس لموسكو للبحث في ابرام صفقات اسلحة لتجديد القدرة الدفاعية السورية مع تسريبات عن تجربة السوريين لصاروخ طويل المدى يطال تل ابيب، بالتزامن مع حديث كبار المسؤولين انهم سيردون في "الوقت المناسب والطريق المناسبة". في ضوء ذلك فإن الديبلوماسيين كانوا يرون احتمال اندلاع شرارة الحرب عبر واحد من ثلاثة احتمالات: اعتداء اسرائيل على موقع عسكري سوري في لبنان وسقوط عدد كبير من الضحايا، الاعتداء على موقع مدني - اقتصادي او موقع عسكري في عمق الاراضي السورية، وبالتالي قيام دمشق بالرد اما عن طريق "حزب الله" بقصف شمال اسرائيل او في العمق الاسرائيلي...او بالرد المباشر بضربة صاروخية. دفعت هذه الاحتمالات الاوروبيين والاميركيين الى تعزيز اتصالاتهم بدمشق وتل ابيب لعدم جر المنطقة الى المواجهة وتوسيع رقعة التوتر، وأدى هذا الى تأكيد المسؤولين السوريين عدم رغبتهم في "اعطاء هدية التصعيد" الى شارون، واعلان الرئيس الاسد ان بلاده ملتزمة القوانين الدولية في اشارة الى عدم الرغبة في خرق بنود اتفاق فك الاشتباك الموقع بين سورية واسرائيل في العام 1974. وكانت هذه "الرسالة" التي ابلغها الرئيس السوري الى كبار المسؤولين الاوروبيين في اسبانيا وفرنسا والمانيا. اي ان دمشق لن تعطي مبرراً لشارون للقيام بحرب لكن لديها الوسائل التي تجعله يدفع ثمن اي مغامرة عسكرية، لكنه قال: "ان اسرائيل تستطيع التحكم ببداية الحرب، لكنها لن تستطيع التحكم في خاتمتها". وزاد: "قرارنا واضح هو اننا سنصمد وسنرد العدوان حتى لو قدرنا ان العدو سيدمر الكثير من مرافقنا"، بعدما قدّر ان اسرائيل تخلت عن المواجهة المباشرة وبدأت تعتمد على التدمير الشامل عن بعد بواسطة الطيران والصواريخ. في مقابل الديبلوماسية السورية، قامت اسرائيل بحملة تمثلت بزيارة رئيس الاركان شاؤول موفاز الى واشنطن ووزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر الى انقرة وشارون الى برلينوباريس، بهدف تحميل دمشق مسؤولية اي تصعيد عسكري مقبل واتهامها بدعم "حزب الله". وقال ديبلوماسيون ان موفاز ابلغ واشنطن ان اسرائيل "لن تضرب العمق السوري ولا البنية التحتية، لكنها ستعزز قواعد اللعبة الجديدة: كلما ضرب حزب الله في مزارع شبعا فإن اسرائيل سترد بضرب موقع سوري في لبنان". لذلك فإن "حزب الله" اراد امتحان ذلك عندما هاجم في شبعا بعد زيارة الاسد الى باريس، اذ ردت عناصر الحزب على قصف اسرائيل الموقع السوري خلال اقل من عشرين دقيقة بقصفها موقع رادار اسرائيلي في شبعا، ما جعل واشنطن تعتقد بأن الحزب "اصبح اكثر استقلالية في قراراته". كما ان السفير اللبناني في واشنطن فريد عبود ابلغ وزارة الخارجية الاميركية ان "التصعيد هو عند هذه الحدود". لكن الديبلوماسيين يؤكدون ان "التوتر لا يزال موجوداً على الارض"، ويشيرون الى ان قوات اسرائيلية اطلقت النار الاسبوع الماضي على "القوات الدولية لفك الاشتباك" يوندوف في الجولان كما ان اسرائيل عززت مواقعها في مزارع شبعا بالتزامن مع تسريبات اسرائيلية عن تجربة سورية لصاروخ طويل المدى برأس كيماوي، ومع قيام شارون بزيارة الجولان لتوسيع الاستيطان فيه وتأكيدات لوجود سبعة الآف صاروخ لدى "حزب الله" واستعداده للمواجهة. وبين هذا التوازن الدقيق في "قواعد اللعبة" وتصعيد الخطاب السياسي وقيام المسؤولين الاسرائيليين بزيارات الى دول حليفة في المنطقة والعالم، فان تقديرات الديبلوماسيين الغربيين في دمشق تشير الى ان المواجهة العسكرية "ربما تحصل فجأة نتيجة الخطأ في الحسابات".