اليوم موعدنا مع صراع الجبابرة في "مجموعة الموت" التي يطلق عليها مجازاً المجموعة السادسة... وسيتحدد بعد ساعات قليلة مصير اثنين من أكبر المنتخبات الكروية في الكون لجهة الاستمرار أو الخروج من نهائيات كأس العالم السابعة عشرة لكرة القدم المقامة حالياً في كوريا الجنوبيةواليابان: الأرجنتين وانكلترا. والسؤال المطروح هو: هل سيصعد المنتخبان الكبيران معاً على حساب السويد، أم سيتخلف أحدهما عن ركب الكبار ويعود الى دياره محسوراً مهموماً. على أي حال تواجه الأرجنتين منتخباً أثبت كفايته وقدرته وأحقيته على أن يكون هو الآخر ضمن الكبار وهو السويد... ومن هنا يتضح كم هي صعبة مهمة هذين المنتخبين عندما يتواجهان في مدينة مياغي اليابانية في مباراة يجب ان تنتهي بفوز أرجنتيني، إذا ما أراد هذا المنتخب العملاق ان يحافظ على سمعته وهيبته والترشيحات التي وضعته في المرتبة الأولى قبل أن تبدأ المنافسات بوقت طويل. وقد بُنيت هذه الترشيحات على النتائج المميزة التي حققها الأرجنتينيون في التصفيات حين صالوا وجالوا ولم يقف أحد أمامهم، فضمنوا التأهل قبل أن تنتهي هذه التصفيات بأربع مراحل وبفارق شاسع بينهم وبين غيرهم. ومع بداية مسيرتهم في المونديال قدموا عرضاً جيداً أمام نيجيريا على رغم الفوز بهدف واحد فقط... ثم جاءت المباراة المعضلة التي جمعتهم مع الانكليز، فقلب لهم فتى الكرة الانكليزية المدلل ديفيد بيكهام حالهم رأساً على عقب بعد أن أحرز هدف انتصار بلاده الذي انهت به هيمنة الكرة الأرجنتينية عليها في نهائيات كأس العالم منذ عام 1966. وبهذه الخسارة، زاد موقف الأرجنتينيين تعقيداً، لأن السويد واصلت عروضها الجيدة وحصدت النقاط الثلاث في مباراتها مع نيجيريا بعد ان كانت قد حصدت نقطة أخرى ثمينة جداً من المنتخب الانكليزي. وتعاني الكرة الأرجنتينية، الفائزة باللقب العالمي في دورتي 1978 و1986، في هذا المونديال تحديداً، من عجز خط الوسط في فرض سيطرته على منطقة المناورات في منتصف الملعب خصوصاً بعد الهبوط الحاد الذي شهده أداء القائد الجديد للمنتخب خوان سيباستيان فيرون. وعلى رغم ان من أهم ما يميز المنتخب الأرجنتيني حالياً هو ان بدلاءه لا يقلون كفاية عن أساسييه، فإن المدرب مارسيلو بييلسا لم يتمكن من استثمار هذه النقطة في مصلحته حتى الآن وان كان ينتظر ان يلجأ اليها اليوم... فقد يبدأ بهجوم ثنائي مكون من كلاوديو لوبيز وهرنان كريسبو على ان يبقي غابرييل باتيستوتا صاحب الهدف الأرجنتيني الوحيد في هذه النهائيات، وكيلي غونزاليز الى جانبه الى حين وقت الحاجة. لكن الأكيد ان خط الوسط سيشهد تغييرات عدة في مقدمها مشاركة اللاعب العائد من الاصابة بابلو ايمار محل فيرون، ومعه دييغو سيميوني وماتياس الميدا وخافيير زانيتي على اعتبار ان المنتخب يحتاج الى أصحاب الخبرة في مثل هذه المواقف... أما عناصر الدفاع فلا خلاف عليها وكذلك الحارس بابلو كافالييرو، فهم أدوا ما عليهم في المباراتين السابقتين وتحملوا أخطاء خط الوسط في لقاء انكلترا تحديداً... وهم نجحوا في الامتحان على رغم الخسارة التي كان يمكن ان تكون أثقل كثيراً لو لم يحسنوا إفساد الهجمات الانكليزية المتتالية. وقد شهد المران الأخير للإرجنتينيين حماسة غير مسبوقة، وقال ايمار ان المنتخب صار في حال أفضل "ولا أعتقد اننا سنستسلم بسهولة. لقد ودعتنا الأرجنتين كلها على أمل العودة باللقب، ولا يمكننا ان نرجع لهم بخفي حنين. سنبذل قصارى جهدنا من أجل تحقيق الفوز، ونحن قادرون على ذلك". وعلى رغم ان التعادل يكفي السويد لتتأهل، فأن معالم التدريبات الأخيرة أوضحت في شكل لا يدع مجالاً للشك انها لن تعتمد على الأداء الدفاعي البحت بل على أداء دفاعي - هجومي متوازن يسمح لها بتخفيف العبء عن المدافعين أمام الهجمات الأرجنتينية الكثيفة المتوقعة، ويتيح لها أيضاً تهديد مرمى منافستها بكرات عدة قد تثمر أهدافاً. وما أكد هذه الوضعية أن المدرب طومي سودربرغ أكد أمس للصحافيين "لن نلعب مدافعين، ولن نلجأ الى تحقيق التعادل بأي وسيلة. سلوكنا معروف، وهو اننا ندخل كل مباراة واضعين في اعتبارنا ضرورة تحقيق الفوز... والموقعة مع الأرجنتين لا تختلف كثيراً". أما انكلترا المنتخب العريق الثاني، فهو في موقف لا يقل حرجاً عن الأرجنتين على رغم ان وضعيته أفضل نسبياً. اذ سيلتقي نيجيريا التي لم يعد لها لا ناقة ولا جمل في هذا المونديال بعد أن خسرت مرتين، ولذا لن يكون لاعبوها تحت وقع أي ضغط عصبي كبير ما قد يساعدهم على تحقيق آمالهم المتبقية بترك انطباع جيد قبل مغادرة اليابان عائدين الى ديارهم... وليس هناك أفضل من الفوز على انكلترا لتحقيق ذلك طبعاً، وهذا ما أكده النجم النيجيري ولاعب نادي ارسنال الانكليزي نوانكو كانو "أنا حزين جداً لأن الاصابة ستحرمني من خوض هذه المباراة المهمة جداً بالنسبة الينا على رغم انها لن تقدم أو تؤخر في موقفنا المحسوم، لكن أبناء بلدي كانوا ينتظرون منا هدية كبيرة من هذا المونديال ولم يعد أمامنا شيئاً نقدمه سوى الفوز على انكلترا... لكني مسرور جداً في الوقت ذاته لأني أرى الاصرار على تحقيق هذا الهدف مرسوماً على وجوه زملائي". وكانت نيجيريا خسرت أمام الأرجنتين صفر-1، والسويد 1-2. وفي المعسكر الانكليزي، لا تهدأ التصريحات ولا أحد يتكلم أكثر من بيكهام الذي قال: "مررت بأجمل لحظات حياتي عندما سجلت هدف الفوز في مرمى الأرجنتين، لكن هذا لم يعد يكفيني ولا بد أن أقود بلادي الى الدور الثاني والى ما هو أبعد من ذلك. لقد عرفت معنى أن أكون قائداً بحق في هذا المونديال من خلال طاعة زملائي لي داخل الملعب، ولذا عليّ ان أكون عند حسن الظن وأن أفعل المستحيل كي نحقق الفوز على نيجيريا مبدئياً". وتملك انكلترا أربع نقاط ويكفيها التعادل في حال تعادلت السويد أو خسرت أمام الأرجنتين، وحتى الخسارة تؤهلها في حال فوز السويد على الأرجنتين لأن فوز الأخيرة يجعل الانكليز مطالبين أما بتحقيق الفوز أو التعادل، وأما الدخول في حسابات فارق الأهداف بينهم وبين السويد. وينتظر ان يخوض السويدي زفن غوران اريكسون المباراة بالتشكيلة التي أنهت اللقاء الأخير مع الأرجنتين خصوصاً ان لاعب خط الوسط أوين هاغريفز الذي استبدل باكراً وحل محله تريفور سينكلير لم يتعافَ تماماً. وأكد اريكسون ان منتخبه سيعمل على تحقيق الفوز "لأننا لا نريد ان ننتظر نتيجة المباراة الأخرى. أملك لاعبين جيدين ومهاجماً على أعلى مستوى هو الشاب مايكل أوين على رغم أنه لم يوفق في التسجيل في هذه البطولة حتى الآن، لكن الأمر لا يقلقني لأنه اقترب من ذلك جداً ولم يحالفه التوفيق... وآمل بأن يتمكن من التسجيل اليوم". صراع ثنائي على مقعد واحد وتقل وطأة الصراع نسبياً في المجموعة الثانية التي تقام جولتها الأخيرة اليوم أيضاً، فتلتقي اسبانيا التي ضمنت التأهل منذ الجولة الثانية مع جنوب أفريقيا الطامحة لتحقيق حلمها الأول لجهة الصعود الى الدور الثاني... وهي في الواقع تملك كل الأوراق اللازمة لذلك. ويكفي الأفارقة اقتناص نقطة واحدة للتأهل، لكن تحقيق ذلك لن يكون سهلاً في مواجهة منتخب قوي كشّر عن أنيابه منذ اللحظة الأولى لظهوره على ساحة هذا المونديال. والأكيد ان الاسبان، وعلى رغم تصريحات مدربهم خوسيه أنطونيو كاماتشو بأنه سيلعب بمجموعة من البدلاء اليوم، لا يريدون ان يخسروا حتى يصلوا الى الدور الثاني وهم في موقف يهاب منه الجميع ويرفع معنوياتهم كثيراً لأنه سيمثل المرة الأولى التي تحصل فيها اسبانيا على نقاط مبارياتها كاملة في الدور الأول عبر تاريخ مشاركتها الطويل في المونديال. وفي المباراة الثانية، تلعب باراغواي مع سلوفينيا التي فقدت كل آمالها... والكفة راجحة في مصلحة المنتخب الجنوب أميركي، لكن حتى الفوز لن يفيده ان لم تخسر جنوب افريقيا مع ملاحظة ان حساب فارق الأهداف في هذه الحال هو الذي سيحدد الصاعد الثاني الى جانب اسبانيا.