أصدرت محكمة العدل العليا الفلسطينية قراراً يقضي بالإفراج فوراً عن الأمين العام ل"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أحمد سعدات المعتقل في أحد سجون السلطة الفلسطينية في مدينة أريحا حالياً. وقررت هيئة المحكمة المشكلة من ثلاثة قضاة، في اعقاب جلسة دامت نحو ساعة واحدة في مقر المحكمة في مدينة غزة أمس، الافراج الفوري عن سعدات لعدم وجود أي اتهامات موجهة ضده. وفيما رحبت "الشعبية" بالقرار وطالبت السلطة بتنفيذه من دون ابطاء، اعتبرت اسرائيل ان من حقها الرد واتخاذ الاجراءات الملائمة اذا اطلق سعدات. وحذر مسؤولون فلسطينيون من ان اسرائيل تنوي اغتيال سعدات في حال اطلاقه، ولاحظوا ان الرئيس ياسر عرفات في موقف "حرج"، لانه اذا نفذ قرار المحكمة، فان اسرائيل قد تعمل الى قتله. خرج القضاة الثلاثة الذين كانوا ينظرون في قضية اعتقال الامين العام ل"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" احمد سعدات من قاعة المحكمة الصغيرة المكتظة بالمحامين ومسؤولي القوى الوطنية والاسلامية وممثلي وسائل الاعلام المحلية والاجنبية، للتداول في شأن قرارهم، قبل ان يعودوا بعد ربع ساعة ليعلن القاضي حمدان العبادلة ان المحكمة "حكمت بالإفراج عن أحمد سعدات فوراً". وعلا التصفيق والهتاف في القاعة الصغيرة، فيما ابتسم المحامون الاربعة الذين يمثلون سعدات ومعهم كل الموجودين في القاعة، قبل ان يغادرها القضاة على عجل. وكانت المحكمة عقدت جلستها للنظر في قضية اعتقال سعدات منذ 15 كانون الثاني يناير الماضي من فندق "سيتي ان" في رام الله اثناء اجتماعه مع مدير الاستخبارات العامة في الضفة الغربية العميد توفيق طيراوي. ولم يشر أي من المحامين الاربعة ممثلي سعدات الى ان القضية سياسية، بل اكتفوا في الطعن في عدم صحة اجراءات احتجازه الذي اعتبروه غير قانوني، رغم ان سعدات كان اعتبر في مقابلة مطولة مع "الحياة" ان اعتقاله سياسي، رافضاً ان يكون متهماً أو توجه اليه أي تهمة من أي جهة. وحاول ممثل النيابة العامة التي تمثل جهاز الاستخبارات العامة الذي يحتجز سعدات، ان يطعن في شكل المحكمة قائلاً "انه ليس من اختصاص المحكمة العليا في غزة النظر في القضية، بل من اختصاص المحكمة نفسها في رام الله"، الأمر الذي نفذه المحامون، ويبدو انهم نجحوا في اقناع القضاة فقرروا اطلاقه. وجاء فشل ممثل النائب العام زاهر السقا تتويجاً لفشل النيابة العامة في تقديم أي لائحة اتهام ضد سعدات، قبل ان يلجأ السقا بعد مداولة القضاة الأولى الى "حيلة" قانونية مفادها ان "سعدات موقوف على ذمة نائب عام محكمة أمن الدولة العليا"، الأمر الذي لم ينطل بدوره على القضاة ولم يعيروه أي اهتمام، ولم يوردوه في قرارهم القاضي بالافراج عن سعدات، كما لم يرفقوا عبارة "ما لم يكن موقوفا على ذمة قضية اخرى" ضمن القرار. وتعقيباً على القرار، قال المحامي راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، أحد محامي سعدات ل"الحياة" ان "القرار جاء وفق توقعاتنا وتطبيقاً لسيادة القانون، ويعزز قناعتنا بأن القضاء الفلسطيني مستقل ويستطيع ان يلعب دوراً حاسماً ومهماً في الكثير من القضايا". واضاف ان "القرار دليل على ان الشعب اختار سيادة القانون لا شريعة الغاب". "الشعبية" ترحب بالقرار وتدعو الى تنفيذه ورفض جميل مجدلاوي عضو المكتب السياسي ل"الشعبية" الاجابة على سؤال "الحياة" ان كان يتوقع ان تفرج السلطة عن سعدات فوراً التزاماً بالقرار، مكتفياً بالقول: "يجب على السلطة ان تفرج عنه فوراً ... لم يعد هناك أي مرر لاستمرار احتجازه ولو لثانية واحدة، واذا كانت هناك عقبات، فعلى قيادة السلطة ان تواجه الجماهير" في اشارة الى الشارع الفلسطيني المحتقن وينتظر الاصلاحات في هياكل السلطة المدنية والأمنية بفارغ الصبر. ويضع قرار المحكمة الافراج عن سعدات السلطة الفلسطينية أمام اختبار حقيقي وجدي لجهة خطواتها نحو التغيير والاصلاح، خصوصاً ان احدى أولويات الاصلاح تتمثل في سيادة القانون الغائبة والمغيبة منذ قيام السلطة عام 1994، علما ان عرفات صادق في 14 من الشهر الماضي على قانون استقلال القضاء، في اشارة الى نية السلطة احترام استقلالية القضاء وسيادته. ورحبت المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان بالقرار واعتبرته انتصاراً للقضاء المستقل والعدالة. وقالت مؤسسة "الضمير" لحقوق الانسان في بيان لها أمس ان "القرار جاء منسجماً مع مبدأ سيادة القانون، خصوصا أن سعدات لم توجه اليه أي تهمة". ودعت السلطة الى "تنفيذ قرار المحكمة بالافراج الفوري عن سعدات". وفور صدور القرار هتف اعضاء ومناصرو الجبهة فرحاً. وتحولت الجموع المحتشدة في شارع الوحدة المزدحم الذي يقع فيه مجمع المحاكم الى محكمة شعبية لسياسات السلطة تجاه العمل الفدائي والكفاحي الفلسطيني. وهتف أنصار "الشعبية" "يا سعدات هات سلاح ... هات سلاح وخذ أرواح"، في اشارة الى الاستعداد العالي لتنفيذ عمليات استشهادية ضد الاحتلال الاسرائيلي. وبُح صوت الدكتور رباح مهنا عضو المكتب السياسي للجبهة اثناء حديثه أمام الجمع المحتشد قبالة مقر مجمع المحاكم، و"عزف" على وتر الاصلاحات، مشددا على "اننا سنخوض معركة لاصلاح الفساد ... سنستمر في المعركة حتى الافراج عن سعدات والأبطال الأربعة لعملية زئيفي"، في اشارة الى اعضاء الجبهة الأربعة المحتجزين في سجن اريجا مع سعدات والمسؤول المالي في قوات الأمن الوطني فؤاد الشوبكي. وأكد مهنا أن "معركتنا الداخلية لن تلهينا عن معركتنا مع العدو الذي لن نجعله يستريح وسنذيقه مر الأسى وسنواجهه بكل الوسائل. فمقاومته شرعية وليست ارهاباً ... سنستشهد ... سنقاوم ... سنقاتل". وكان مهنا قال ل"الحياة" تعقيباً على قرار المحكمة ان المحاكمة هي محاكمة للرئيس عرفات والسلطة الفلسطينية". ورحب مسؤول قيادة الخارج في "الشعبية" الدكتور ماهر الطاهر بقرار المحكمة، وطالب الرئيس الفلسطيني ب"التنفيذ الفوري"، وقال ل"الحياة": "نطالب باطلاق رفاقنا المعتقلين الاربعة وكل معتقلي سجون السلطة"، مؤكداً "ضرورة التزام ميثاق الشرف الوطني القاضي بعدم محاكمة المناضلين من اجل الحرية". زوجة سعدات من جانبها، قالت عبلة الريماوي زوجة سعدات ل"الحياة" انها تأمل من السلطة في "تنفيذ القرار فوراً ... فهذه فرصة للسلطة ان تثبت حسن نيتها وأن تغلق ملف الاعتقال السياسي، خصوصاً انها تدعي انها تريد أن تدخل الاصلاحات اللازمة". ووصفت القرار بأنه "خطوة ايجابية على الطريق يملي على السلطة ان تعطي مساحة الى سيادة القانون وتقوم بتطبيقه". واضافة الى السلطة، فان قرار المحكمة سيضع ثلاث جهات اخرى في وضع حرج هي الولاياتالمتحدة الاتحاد الاوروبي واسرائيل. فلا احد يعرف كيف ستتصرف هذه الدول في اعقاب صدور القرار وهي التي تنادي صباح مساء وتطالب السلطة باجراء اصلاحات على هيكلها ومؤسساتها الامنية والمدنية، بما فيها سلك القضاء الذي عانى من الاجحاف. ويتوقع المراقبون ان تلتزم هذه الدول الصمت تجاه القرار، في حين ستهاجمه اسرائيل رغم ادعاءتها الدائمة بانها واحة الديموقراطية في الشرق الاوسط. الا ان اكثرهم حرجاً بلا شك سيكون الاتحاد الاوروبي الذي سعى وبقوة الى الضغط على عرفات للمصادقة على قانون استقلال القضاء الشهر الماضي، وخصص جزءاً من دعمه المادي لمرفق سيادة القانون في السلطة التي تنتهك تحت المسميات القانونية والسياسية المختلفة. كما ان عدم تنفيذ عرفات قرار المحكمة سيضعه في موقف حرج امام الشعب الفلسطيني، خصوصاً ان الزاد اليومي اصبح منذ اكثر من شهر قضية الاصلاحات. وكما كان اعتقال سعدات سابقة خطيرة في العلاقات الفلسطينية خصوصاً داخل منظمة التحرير الفلسطينية، فان استمرار احتجازه تحت حراسة اميركية وبريطانية في سجن اريحا سيلقي بظلال كثيرة ليس فقط على علاقة الجبهة بالسلطة وعرفات فقط بل على مجمل العلاقات الفلسطينية الداخلية في الوقت الذي بدأ الرئيس الفلسطيني منذ اسابيع درس اقتراحات بالاصلاحات ومشاورات مع القوى والفصائل المختلفة للمشاركة في الحكومة الجديدة بما فيها "الشعبية" التي رفضت العرض لاسباب موضوعية اضافة الى استمرار احتجاز امينها العام داخل السجن.