قبل سنتين كنت مع الرئيس ياسر عرفات في عشاء الشرق الأوسط ضمن مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. وانتهى العشاء، وبدأت جلسة خاصة مع "المريدين"، وهم ناس من الشرق والغرب، خصوصاً الولاياتالمتحدة، من انصار القضية الفلسطينية. ووقف حاخام قال اسمه واسم بلدته، ثم تقدم وصافح ابو عمار وقال إنه يريد ان يعود ليقول لأولاده انه صافح اول رجل سلام في العالم. ولا بد ان بين القراء من تابع دخول جماعة من انصار السلام مقر الرئيس الفلسطيني في رام الله الأسبوع الماضي على رغم انف الدبابات الإسرائيلية لإعلان التضامن معه. وقرأت بعد ذلك عن واحد من هؤلاء اسمه آدم شابيرو، هاتف اسرته في نيويورك ليقول انه تناول الطعام مع الرئيس الفلسطيني، ثم هاتفها ليقول انه خرج سالماً. امس تحدثت عن كلاب الحرب من صحافيين وغيرهم، في الولاياتالمتحدة وإسرائيل، خصوصاً الأولى، ولن أنجس هذه الزاوية مرتين بذكر اسمائهم مرة اخرى، ولكن اقول إنه في مقابل هؤلاء الاعتذاريين لإسرائيل، من شركائها في الجريمة، هناك دعاة سلام كثيرون، وحركة سلام نشطة في إسرائيل، وصحافيون عادلون معتدلون، وصحف موضوعية. "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" جريدتان يملكهما يهود، إلا انهما ليبراليتان ومنصفتان جداً في التعامل مع الموضوع الفلسطيني. ومثلهما انصافاً في لندن "الغارديان" و"الأندبندنت". وكان لي هوكستادر غطى اخبار الانتفاضة والمواجهة من القدس ل"واشنطن بوست" وكتب بموضوعية ومهنية. وقرأت له قبل الهجوم الإسرائيلي الأخير خبراً عن هجوم إسرائيلي شامل ووشيك، ثم قرأت له بعد الهجوم خبراً يقول ان "انتصار" شارون غير واضح. وهناك في مقابلة في "نيويورك تايمز" مراسلون ومراسلات لم أقرأ لهم على مدى سنوات خبراً من إسرائيل والأراضي الفلسطينية يمكن ان أعترض على شيء فيه. وعلى جانبنا من المحيط الأطلسي هناك روبرت فيسك في "الأندبندنت" وشهرته المهنية تغني عن اي تعريف، ومثله سوزان غولدنبرغ في "الغارديان" وقد كتبت عنها غير مرة، وهي تستحق ان تذكر فتغطيتها اخبار الانتفاضة تتراوح بين الموضوعية والتعاطف الحقيقي مع مأساة الفلسطينيين. وكما اعترفت امس بأنني قدمت بالاعتذاريين لإسرائيل، لأنتقد توماس فريدمان مرة نادرة، فإنني أعترف اليوم بأنني بدأت بما سبق لأكمل بصحافية اسرائيلية هي اميرة هاس التي تكتب في جريدة "هاآرتز". وأقدم بكلمة قصيرة فالصحف الإسرائيلية الكبرى الثلاث "هاآرتز" و"معاريف" و"يديعوت احرونوت" صحف إسرائيلية تعتبر كل عمل فدائي ارهابياً، إلا انها ليبرالية تمارس الموضوعية الى حد كبير، وتتسع صفحاتها لانتقاد، حاد احياناً، لممارسات الحكومة الإسرائيلية. وأهم من ذلك انها اقل اسرائيلية من بعض الصحف في الخارج مثل "واشنطن تايمز" و"الديلي تلغراف" اللندنية. غير انني أبقى مع اميرة هاس، مراسلة "هاآرتز" في الأراضي الفلسطينية التي اختارت سنة 1993 ان تنتقل الى غزة للإقامة فيها ونقل اخبار "الاحتلال" كما تسميه، ما يجعلها ضمير اسرائيل في نظر بعض، وخائنة في نظر آخرين، إلا انها مقروءة دائماً. هاس تعترف بأنها ضد الاحتلال إلا انها تصر على ان هذا الموقف لا يلغي موضوعيتها كمراسلة، وهي تقول ان مهمة الصحافي ليست ان يكتب ما يرضي القراء، وإنما ان يراقب توجهات القوة، وهي اسرائيل في موضوع المواجهة الحالية. وكشفت هاس قبل اشهر ان الجيش الإسرائيلي يمنع قتل الأطفال، إلا ان جندياً اجرت معه مقابلة قال ان قيادة الجيش تصنف الأطفال على انهم دون الثانية عشرة، ما يعني ان كل طفل فوق 12 سنة هدف لأي قناص في الجيش الإسرائيلي. وهاس ليست وحدها في "هاآرتز" فهناك ايضاً جدعون ليفي الذي يكتب مقالاً اسبوعياً عن الأراضي المحتلة. وقرأت انه وهاس مسؤولان عن إلغاء عدد من الاشتراكات في جريدتهما. أقول ان ليس كل اسرائيلي شارون، كما ان ليس كل عربي ابو عمار، وفي حين ان هناك عصابة من انصار اسرائيل في الولاياتالمتحدة، فإن هناك في مقابلهم عدداً من الناس الذين يسعون للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومرة اخيرة، فبعض اليهود الأميركيين اكثر تطرفاً وأحقاداً وعقداً من اليهود في إسرائيل، وهم مسؤولون قبل غيرهم عن استمرار القتال والقتل في اسرائيل والأراضي المحتلة.