توماس فريدمان صحافي قدير، وسطي أو ليبرالي، يستطيع ان ينصف الفلسطينيين والعرب كلهم، إلا انه قبل كل هذا يهودي اميركي على ارتباط عضوي بإسرائيل، لذلك فهو قال بحسب رواية جريدتنا هذه لمضيفيه السعوديين "لا أريد ان أسمع اي شيء عن العلاقة بين إسرائيل وأميركا. أريد أن أسمع تفسيراً لأحداث ايلول سبتمبر". غير ان مضيفيه اصروا على انه لا يمكن الفصل بين الموضوعين، وغضب مما اعتبر انه انتقاد لدينه وانسحب. اليهود حول العالم حساسون كثيراً هذه الأيام لمسألة اللاسامية الجديدة، وهي موجودة أربطها بالهمجية الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين، وبوجود مجرم حرب على رأس الحكومة الإسرائيلية. وكان السؤال بعد 11 ايلول: لماذا يكرهوننا؟ وجاء الجواب واحداً: لأنكم تؤيدون إسرائيل. وطوي السؤال ولم نعد نسمعه يتردد، لأن الجواب لا يعجب السائلين. شخصياً، لا اعتراض لي على اي شيء يكتبه فريدمان، أو أي موقف يبديه، فهو معتدل يحاول ان يكون عادلاً، وهو على الأقل ليس وليام سافاير او ا.م. روزنتال. وإن كانت لي من ملاحظة فهي ان قادة الفكر من اليهود، امثال فريدمان، والرؤساء الدينيين، مثل كبير حاخامات بريطانيا الدكتور جوناثان ساكس، يتحدثون عن اللاسامية الجديدة، وهي موجودة كما أسلفت، من دون ان يحاولوا ربطها بالممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، فهم يركزون على الأسباب الأخرى، وهذه قائمة، ويهملون السبب الأهم في إسرائيل. ما سبق مقدمة لموضوع اللاسامية الجديدة، ورجائي ان يبتعد العرب عنها، كما لو انها وباء توراتي، فهي تلطخ من يمارسها اكثر مما تصيب اليهود المستهدفين بها. "الديلي تلغراف" اللندنية تتحدث عن اللاسامية بين الإنكليز، لا العرب، خصوصاً في "صالونات لندن"، غير ان الجريدة وناشرها كونراد بلاك وزوجته الصهيونية بربارا امييل من اسباب اللاسامية، فكل من يدافع عن شارون شريكه في الجريمة، ومسؤول عن تغذية مشاعر الكره لليهود. ليس هذا رأيي وحدي فجريدة "الغارديان" الرصينة نشرت مقالاً افتتاحياً رئيسياً الشهر الماضي بعنوان "لاسامية جديدة؟ يجب عدم الخلط مع اللاشارونية"، وأتبعت الجريدة مقالها الافتتاحي بتحقيق كتبه بيتر بومونت هذا الشهر وعنوانه "اللاسامية الجديدة: بعضهم يقول انه تحت سطح انتقاد اسرائيل آرييل شارون هناك اجندة شريرة". "بعضهم"، كما يوضح المقال هو "التلغراف" وبلاك وأمييل، وأيضاً "جيروزاليم بوست" ومجلة "سبكتاتور" اللتان يملكهما بلاك. غير انني لن أدخل جدلاً مع هؤلاء الشارونيين، فأنا من الفريق الآخر ومتهم "على الهوية"، لذلك أفضل ان يكون الكلام الفصل في الموضوع من طرف اسرائيلي، وعلى طريقة "من فمك أدينك يا إسرائيل"، فمؤسسة ستيفن روس في جامعة تل أبيب جمعت معلومات وإحصاءات اظهرت ان زيادة اللاسامية في اوروبا تزامنت مع انتفاضة الأقصى، و"اليد الثقيلة" لإسرائيل في الرد. وأهم ما في الرد الإسرائيلي هذه الأيام انه على التلفزيون فوراً، وفي كل بيت حول العالم، فقد مضى وقت تذبح فيه عصابات ستيرن وارغون النساء والأطفال في دير ياسين، ثم تفرز رؤساء وزراء من نوع مناحيم بيغن وإسحاق شامير ولا نسمع عن المذبحة إلا عبر ممثل للصليب الأحمر بعد ايام. اليوم تُبث الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين حية عبر العالم، والرد عليها يجب ان يقتصر على كره شارون وما يمثل، لا اليهود، فهؤلاء كالعرب وكل شعب آخر فيهم طيبون وأشرار. وفي مقابل شارون وعصابة المجرمين حوله، هناك مئات المجندين الشباب الذين يرفضون الخدمة، وجنرالات يطالبون بالانسحاب، وحركة سلام نشطة تتظاهر ضد تجاوزات الحكومة الإسرائيلية كما لا يفعل العرب في بلادهم. وبما انني صحافي وأعرف "ربعي" فإنني اجد ان "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" اللتين يملكهما يهود تغطيان الأخبار الفلسطينية بموضوعية وإنصاف. وأسجل ان الصحافية اليهودية الأميركية ديبرا سونتاغ في "نيويورك تايمز" وزميلتها سوزان غولدنبرغ في "الغارديان" تعاملتا دائماً مع الانتفاضة، بأكثر من الموضوعية، فقد شعرت دائماً في اخبارهما بعطف انساني على الضحايا. مع ذلك، بعض الناس "لاسامي" لأنه يكره اليهود، ويفتش عن عذر سهل يجده في شارون، وبعضهم "لاسامي" لأنه يرى شارون، ولا يرى اليهود الطيبين الذين يستطيع التعايش معهم في فلسطين وغيرها. والمهم هنا ان يستطيع العربي الفصل بين اليهود في كل مكان، وإسرائيل وممارساتها. بربارا امييل تحدثت عن "صالونات لندن"، وشكرت ربي انها لا ترتاد الصالونات العربية وتسمع ما تسمع، فاللاسامية زادت بيننا بسبب شارون، وزادت في اوروبا لأسباب اوروبية. واللاسامية اصلاً مرض أوروبي انتشر في بلادنا بعد قيام إسرائيل، وهو يكمن عندما تنشط العملية السلمية، وينتشر عندما تتراجع. إلا انها مرض في جميع الأحوال، واجب العرب قبل غيرهم معالجته، فشارون يريد ان يستشري لينشر شره، ويعطل عمل الناس الطيبين من الجانبين.