استيقظت فرنسا أمس على الصدمة التي هزت أركان المجتمع والمؤسسات، نتيجة بروز اليمين المتطرف ممثلاً بزعيمه جان - ماري لوبن في موقع ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد، وتهميش اليسار الفرنسي عبر خروج زعيمه رئيس الحكومة ليونيل جوسبان، من السباق الرئاسي والحياة السياسية. وادراكاً منه لخطورة الوضع الناجم عن نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بادر الرئيس الفرنسي جاك شيراك الى العمل على إعادة جمع صفوف اليمين الفرنسي بعقد اجتماعين في مقر حملته الرئاسية، مع كل من زعيم حزب "الاتحاد من أجل الديموقراطية الفرنسية" آلان بايرو وزعيم حزب "الديموقراطية الليبرالية" آلان مادلان، اللذين خاضا الدورة الانتخابية الأولى بصورة منفصلة. وقال شيراك ان "روح البلاد مهددة اليوم وإن فرنسا جريحة وإن انسجام ووحدة الجمه،ورية في خطر". وصرح مادلان عقب الاجتماع انه في ظل الظروف السياسية المتقلبة، يبدو "من الضروري أكثر من أي وقت مضى العمل على التجديد" و"اخراج اليمين من موقعه الوسطي الذي يغذي التطرف". وأضاف ان الشعار الذي ينبغي ان يعتمد الآن يقضي بجمع كل القوى اليمينية لتعمل معاً على كسب الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة ومن ثم كسب الانتخابات الاشتراعية في حزيران يونيو المقبل. من جهته، عقد لوبن مؤتمراً صحافياً في مقر حملته الانتخابية، وسط حشد كبير من ممثلي وسائل الاعلام الفرنسية والأجنبية. واعتمد في حديثه لهجة فوقية، تعمد في اطاره التخفيف من شأن تقدم شيراك عليه في الدورة الأولى، بالقول ان نسبة الأصوات التي احرزها أدنى بحوالي عشر نقاط، مقارنة مع النتائج التي سجلت في انتخابات رئاسية سابقة. وقال إن فرنسا تشهد اليوم "انهيار طبقة سياسية ونظاماً سياسياً فاسداً ومنحلاً ومريضاً"، وان الدورة الانتخابية حكمتها ثلاثة عناصر اساسية، هي أولاً نمو شعبيته في عموم المناطق الفرنسية وثانياً الانهيار التاريخي للحزب الشيوعي وثالثاً انهيار الاحزاب التي تتناوب على الحكم منذ حوالى 40 سنة. ورداً على سؤال ل"الحياة" عن موقفه من دعوة أحد الوزراء الإسرائيليين يهود فرنسا إلى حزم حقائبهم والتوجه الى الدولة العبرية، تخوفاً من انتخابه، ورأيه في المخاوف التي أبدتها الجالية العربية في فرنسا قال: "ليست مشكلتي ان يعمل وزير صهيوني، على تشجيع يهود فرنسا على المغادرة، يهود فرنسا وعربها هم مواطنون بالنسبة إلي شرط احترامهم القواعد الأساسية المتعلقة بالانتماء للأمة". وتابع انه في ما يتعلق بالجالية العربية "يجب أن يسأل شارون عن القلق الذي يسودها من جراء ما يلحقه بالمناطق الفلسطينية". في غضون ذلك، عقدت قيادة الحزب الاشتراكي اجتماعاتها، للبحث في الوضع غداة الهزيمة الانتخابية الساحقة التي واجهها الحزب. وحرص جوسبان على التوجه الى مقر الحزب، لمصافحة اعضاء القيادة، وشكرهم على ما فعلوه قبل العودة الى مقر رئاسة الحكومة. وبعدالاجتماع اعلن الأمين العام للحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند انه سيتولى الاعداد لحملة الانتخابات التشريعية المقبلة. وكانت غالبية الشخصيات الاشتراكية دعت إلى التصويت لمصلحة شيراك في الدورة الانتخابية الثانية، لتطويق لوبن ومنع تقدمه. وقال رئيس الكتلة الاشتراكية في البرلمان الفرنسي جان مارك هيرد، إن "خصمنا يبقى شيراك لكن عدونا هو لوبن". ومع خروج اليسار التقليدي من الحملة الرئاسية، وزعت القوى اليسارية والمنظمات المناهضة للعنصرية دعوة إلى تظاهرات عمت غالبية المدن الفرنسية الكبرى ورفعت خلالها شعارات تقول "ليسقط الفاشيون"، و"انا خجول من كوني فرنسياً".