مع بداية الشهر الجاري، انتهت العطلة السياسية في فرنسا، وعادت الاحزاب المختلفة الى مزاولة نشاطها، فبادرت كالعادة الى عقد اجتماعاتها السنوية العامة، التي تحدد خلالها توجهاتها للمرحلة المقبلة. ومن أبرز المستجدات في هذا الموسم، هو ان الاجتماعات الحزبية شكلت جميعها افتتاحاً معلناً أو ضمنياً لمعركة انتخابات الرئاسة التي ستشهدها فرنسا في نسيان ابريل المقبل. فخلال اجتماعه العام الذي عقده في لاروشيل، تعمد الحزب الاشتراكي الفرنسي عدم الخوض في اسم مرشحه لانتخابات الرئاسة، وتنحية هذه المسألة جانباً حتى مطلع السنة المقبلة. لكنه ليس سراً ان هذا المرشح ليس سوى رئيس الحكومة ليونيل جوسبان الذي استغل انعقاد المؤتمر لاطلاق مقولة قد تشكل لاحقاً شعاراً لحملته الانتخابية وهي: "العمل على بناء فرنسا جديدة". ودافع جوسبان امام اعضاء حزبه عن اداء حكومته، مؤكداً: "اننا بقينا أوفياء لهويتنا الاشتراكية". وأضاف: "لا مجال للشك في اننا سنكون مستعدين في الوقت المناسب، وسيعرف الحزب الاشتراكي كيف يظهر قوته وتجانسه وخياله". ودعا الى تعبئة الصفوف كافة "في مواجهة اليمين" الذي قال ان "الوقت حان للكف عن مراعاته". وعلى رغم الحيوية والاندفاع اللذين ابداهما جوسبان، فإن المرحلة المقبلة عليه تبدو حافلة بالمصاعب. فتحالف اليسار التعددي الذي يشكل حكومته، يبدو فاقداً لتماسكه ومعرضاً للمزيد من البعثرة، خصوصاً وان الحزب الشيوعي الفرنسي قرر خوض الانتخابات الرئاسية بترشيح أمينه العام روبير هو، وكذلك فضل حزب أنصاد البيئة "المحضر" الذي رشح للرئاسة آلان ليبيتز، وأيضاً "حركة المواطنين" التي ستعلن في الأيام المقبلة عن ترشيح وزير الداخلية السابق جان بيار شوفنمان. تضاف الى ذلك الظروف الموضوعية التي يواجهها جوسبان والتي لا تتجه الى مصلحته ويمكن ايجازها بتراجع النمو عن النسبة التي كانت متوقعة والتي باتت مقتصرة على 2 في المئة وعودة البطالة للتصاعد. في غضون ذلك، وعبر مؤتمره الذي عقد في كيمبير، اختار حزب "التجمع من أجل الجمهورية" الديغولي ادراج نشاطه السياسي المقبل تحت شعار الالتفاف حول ترشيح الرئيس جاك شيراك مجدداً الى انتخابات الرئاسة. وحملت الأمينة العامة لحزب التجمع ميشال اليوماري بشدة على جوسبان وقالت انه "يمضي وقته في ابداء السرور حيال نفسه ولا يعرف أي شيء عن مخاوف الفرنسيين. وقالت اليو - ماري عن شيراك: "نحن الذين ندعمه، بوسعنا ان نكون فخورين بحصيلة سنوات رئاسته". وأبدى رئيس الحكومة السابق آلان جوبيه تفاؤلاً كبيراً، بنتائج الاستحقاق المقبل وقال: "دعونا ننخرط في الحملة" ذلك انه "بوسعنا ان نربح، فالنتيجة لم تحسم بعد، كلنا سنربح". وعلى غرار جوسبان، يواجه شيراك عدداً من المرشحين من داخل الصف اليميني، منهم زعيم حزب "الاتحاد من أجل الديموقراطية الفرنسية" فرانسوا بايرو الذي قال انه ترشح لكي لا تكون المعركة الانتخابية حكراً على عملاقين هما: الرئيس ورئيس حكومته، اضافة الى وزير الداخلية السابق شارل باسكوا وفيليب دوفيلييه. ويبدو شيراك اليوم في موقع أكثر سهولة من موقع جوسبان، كونه غير معني بإدارة الهموم اليومية القائمة في البلاد، ولن يحاسب عليها في اطار حملته، كما ان الزج باسمه في قضايا التمويل غير المشروع، أثرت لفترة وجيزة في شعبيته لكنها لم تحل دون عودتها للنمو. وبلغ عدد المرشحين المعلنين المرتقبين لمنصب الرئاسة حتى الآن 18 مرشحاً، سيتنافسون في الدورة الانتخابية الأولى، ثم تعود أصوات ناخبيهم للتوزع في الدورة الثانية بين المرشحين اللذين سيحصلان على أعلى نسبة من الأصوات.