سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
طاول مخيمات اللاجئين والمباني والمصارف والوزارات والاجهزة الأمنية وشبكات الماء والكهرباء والهاتف وديوان الموظفين والمؤسسات الثقافية . التدمير المنهجي الاسرائيلي في الضفة وغزة يشمل مكونات النسيج الاجتماعي والاداري والسياسي
جسد رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون عمليا وعلى ارض مدينتي رام الله والبيرة التوأم - المقر السياسي والاداري للسلطة الفلسطينية - ما لم يتوقف عن ترديده بالاقوال منذ بدء حملته الانتخابية قبل أربعة عشر شهرا: "شطب حقبة اوسلو من الوجود"، ليس لان اتفاقات اوسلو شكلت حلم الشعب الفلسطيني، ولكن لأن الحلم الفلسطيني بدأ يتحول الى حقيقة على رغم أنف هذه الاتفاقات التي يجمع الفلسطينيون على انها اجحفت ايما اجحاف بحقوقهم الشرعية والمشروعة على حد سواء. من يدخل المدينة التوأم بعد خمسة عشر يوما من اجتياح الجيش الاسرائيلي لها ويمعن النظر بما حل ب"العاصمة" الادارية والاقتصادية والسياسية للسلطة الفلسطينية من تدمير منهجي للبنيتين التحتية والفوقية لأسس الدولة الفلسطينية العتيدة، يخلص الى استنتاج واحد مفاده ان حكومة شارون، وهي اكثر الحكومات الاسرائيلية يمينية وتطرفا منذ اقامة الدولة العبرية قبل 54 عاما، تسابق ظلها في تدمير الحلم الفلسطيني ببناء الدولة لترجع الشعب الفلسطيني الى سنوات الاحتلال الاولى وتحوله الى تجمعات سكانية متخلفة مسلوبة التاريخ والتراث والحضارة تعيش في قلب "اسرائيل الكبرى" او "اريتز اسرائيل"، كما يطلق عليها حزب ليكود الذي يتزعمه شارون، والممتدة من البحر الابيض المتوسط الى نهر الاردن. ويؤكد خبراء الاقتصاد ان حجم الدمار الذي لحق بالمدن الفلسطينية خلال اسبوعين يفوق اضعاف اضعاف حجم الدمار الذي الحق بها على مدار ثمانية عشر شهرا هي عمر الانتفاضة الفلسطينية. وجرى تنفيذ مخطط التدمير الذي عكف على اعداده "قادة الفكر" في اسرائيل منذ اشهر عدة، بالتدريج الهرمي من الاعلى الى الاسفل, بدءا من مطار غزة الدولي وانتهاء بجواز السفر الفلسطيني المنقوص. بدأت عملية التدمير في المشاريع الاستراتيجية التي اراد بها الفلسطينيون بناء اسس الدولة الفلسطينية. فدمر المطار والميناء البحري في قطاع غزة، وقطع "الممر الآمن" الذي يصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وازيح الموظفون الفلسطينيون العاملون على المعابر الحدودية من مقاعدهم، وشلت عمليات التصدير والاستيراد ومنعت مواد البناء الاساسية من دخول الاراضي الفلسطينية، وشل عمل المصانع والورشات فيها، وضربت شركة الاتصالات الفلسطينية وفتت المدن الفلسطينية على نحو غير مسبوق. وتبع ذلك التدمير التدريجي لمقار السلطة الفلسطينية الامنية في عمليات عسكرية متتالية رافقها قصف لاعرق محطة اذاعة فلسطينية ومؤسسة الاذاعة والتلفزيون في كل من غزةورام الله. الاجتياح الهمجي وعلى مدار الايام الاولى للحرب التي اعلنها شارون، عملت الالة الحربية الاسرائيلية عملها في تفاصيل ومكونات النسيج الاجتماعي والاقتصادي والاداري والسياسي الفلسطيني. فكانت الهجمة على المؤسسات التي نظمت نسق حياة الفلسطينيين. الهجوم الاول كان على وزارة التربية والتعليم التي تعنى بشؤون مليون ونصف مليون طالب وطالبة وصادرت الوثائق والملفات والشهادات المدرسية وكشوفات الطلبة. وشملت الهجمة ديوان شؤون الموظفين الذي يدير عمل 130 الف كادر وموظف من بينهم 70 الف موظف مدني و 40 الفاً من افراد الاجهزة الامنية والعسكرية الفلسطينية. وصادرت قوات الاحتلال جميع المعلومات في ديوان الموظفين ما يخلق ارباكا اداريا شديدا للسلطة الفلسطينية، وحصل الامر نفسه في مقرات وزارات الثقافة والزراعة والصناعة والتموين والحكم المحلي والاحصاء المركزي ومؤسسة "دمغ الذهب" التابعة للسلطة الفلسطينية. واشار مدير المجلس الاقتصادي الفلسطيني الاعلى للاعمار والتطوير بكدار محمد شتية الى ان "ما حدث هو ان مكتب شارون اعد قائمة بالاسس الاقتصادية والمادية والمؤسسية الفلسطينية على مدار السنوات السبع التي مضت وبدأ بشطبها تدريجا واحدة تلو اخرى". البنية التحتية وتبرز اهداف الاجتياح المتمثلة بتدمير البنية التحتية الفلسطينية بوضوح في مختلف المدن الفلسطينية. ففي مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية كان اول ما فعلته الدبابات الاسرائيلية هو قصف 11 مولدا للكهرباء في المدينة، وتجريف شوارعها ما أدى الى تدمير شبكات المياه والاتصالات والكهرباء. اما في رام الله، فالدمار مذهل، اذ دمر خزان المياه الرئيس في عين ساميا، وهو شريان المياه ل150 الف فلسطيني. وألحقت بالشوارع والطرق الداخلية في رام الله والبيرة، والتي عبدت بأموال الدول المانحة، اضرار جسيمة خلال الاجتياح الاول لرام الله، قدرها "بكدار" ب21 مليون يورو، اما حجم الدمار خلال الاجتياح الحالي فيبلغ اربعة اضعاف الخسائر في الاجتياح الاول، اذ شمل الدمار شبكات الكهرباء والمياه العادمة والاتصالات التي جرفتها الدبابات الاسرائيلية مثلما جرفت الشوارع داخل المدينة وتلك الواصلة بينها وبين القرى المجاورة. وفي نابلس وحدها، تم تدمير ثلاث مدارس في البلدة القديمة، فيما عاث الجنود فسادا وتدميرا في المدارس التي حولها الى ثكنات عسكرية وحجز طلبتها داخل منازلهم رهائن ومعتقلين الى اشعار آخر. 8 بلايين دولار خسارة قطاع البناء الخاص تشير مصادر "بكدار" الى ان القطاع الخاص استثمر في مجال البناء في الفترة ما بين 1995 و2000 ما يقرب من 8 بلايين دولار في بناء ما مساحته 20 مليون متر مربع، تكبد خسائر هائلة. ومن يطلع على حجم الدمار الذي لحق بالمباني الفلسطينية التي اختارت الدبابات الاسرائيلية "مواقف" لها في قلبها، مثلما حدث في غير مبنى تجاري في رام الله و"تطهير" للمباني من قاطنيها من خلال قصفها من الداخل بالرشاشات او تحطيم المبنى الهيكلي لعمارة النتشة وسط ساحة المنارة في رام الله او التدمير العشوائي للمحال التجارية وخلع ابوابها ونسف اقفالها بالمتفجرات، يستنتج بسهولة فداحة الخسائر. البنوك لم تسلم البنوك التي افتتح معظمها بعد دخول السلطة الفلسطينبة بأموال القطاع الخاص الفلسطيني من همجية المحتل الاسرائيلي الذي اقتحم وفجر مداخل "البنك العربي" بفروعه كافة في المدينتين وبنك "القاهرة - عمان" و"بنك الاسكان" و"بنك فلسطين التجاري" و"بنك فلسطين الدولي". ولا يعلم الفلسطينيون بعد، بسبب استمرار الاحتلال ونظام منع التجول، حجم الاضرار الذي لحق بهذه البنوك وما الذي فعله الجنود الاسرائيليون بالضبط داخلها. ويعكس شيئا من حجم المأساة التي يتعرض لها الفلسطينيون، بمن فيهم الاغنياء، قول احد اصحاب هذه البنوك انه لا يملك في جيبه سوى 120 شيكلاً لانه لا يستطيع ان يسحب امواله من حسابه الخاص. اما الموظفون والعمال والعاملون "فليس لهم سوى الله"، كما يرددون بعدما نفد اخر شيكل من رواتبهم ولا يعلمون ما الذي سيفعلونه اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه. وهؤلاء يعتمدون بشكل اساسي في مصدر رزقهم على رواتبهم الضئيلة التي تنفد في ايام الشهر الاولى، بينما يعتمد العمال على ما يجنونه من عملهم اليومي الذي توقف منذ نصف شهر. الموارد المالية للسلطة تحتجز اسرائيل في بنوكها نحو بليون دولار من مستحقات السلطة الفلسطينة. وتشمل هذه المستحقات ضريبة القيمة المضافة والجمارك وضرائب العمال ورسوم السجائر والبترول وغيرها. وبلغت مستحقات السلطة من هذه العوائد 32 مليون شيكل شهريا ولم تحصل السلطة الفلسطينية على شيكل واحد منها منذ ما قبل الانتفاضة التي اندلعت قبل ثمانية عشر شهرا. وقال الاسرائيليون علنا انهم ينوون تحويل هذه الاموال لتعويض لما يسمونه "خسائر بسبب العمليات الانتحارية". المربع الاول واكد شتية ان عملية التدمير المنهجي الذي تقوم به اسرائيل في الاراضي الفلسطينية يعيد الاقتصاد الوطني الفلسطيني الى "المربع الاول". واوضح انه عند مجيء السلطة "بدأ العمل على مراحل للنهوض بالبنية التحتية الفلسطينية، بدءا بالسيطرة على الدمار مرورا باعادة تأهيل المدمر ومن ثم التطوير ووصولا الى انجاز المشاريع الاستراتيجية. وهذه الهجمة اعادتنا الى المربع الاول". الاجهزة الامنية بدأ شارون في مرحلة مبكرة بعد تسلمه منصبه تنفيذ اجندته الخاصة في ما يتعلق بقوات الامن الفلسطينية وجهاز الشرطة والاجهزة الامنية الاخرى التي اعلن غير مرة انها تشكل "اذرع الارهاب". وبعد تدمير مقار هذه الاجهزة، الحقت قوات الاحتلال الاسرائيلي دمارا كبيرا بمقر قيادة جهاز الامن الوقائي الفلسطيني الذي يترأسه العقيد جبريل الرجوب الذي يقر الاسرائيليون انفسهم ان جهازه لم يشارك في الانتفاضة الفلسطينية، وذلك على رغم تشديد الاميركيين على اعلى المستويات على ضرورة عدم المساس به. وكان ان تحول المقر الذي شيد بأحدث التقنيات الى كتلة من الحجر المحروق. اما افراد هذه الاجهزة الامنية الذين يتم "فرزهم" وعزلهم عن باقي المعتقلين الفلسطينيين الذين قدروا بنحو 5 آلاف معتقل وفقا للمصادر الاسرائيلية ونحو ضعف هذا العدد بحسب تقديرات الفلسطينيين، فيتم ابعادهم على دفعات الى قطاع غزة خصوصا المتحدرين من مناطق القطاع، فيما يروج الاسرائيليون اشاعات عن نيتهم ابعاد العائدين مع السلطة الفلسطينة وفقا لاتفاقات اوسلو الى خارج وطنهم. ضرب احد بنود الحل النهائي المخيم ينظر الفلسطينيون الى التدمير شبه الكلي لمخيم جنين للاجئين الفلسطينيين الذي شهدت ازقته مجازر بشعة لم تتكشف تفاصيلها كاملة حتى الان كجزء من رسالة موجهة من شارون تتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين التي تجسد الوحدة السياسية للشعب الفلسطيني، وذلك في محاولة لشطب هذه القضية نهائيا من قضايا الحل النهائي في أي مفاوضات مقبلة. ويمثل الفعل الاسرائيلي القائم بمنع المشردين واللاجئين الجدد في المخيم من العودة الى مخيمهم وابعادهم القصري تحت حراب الجنود الى القرى المحيطة بمدينة جنين ملامح الحل الشاروني لقضية اللاجئين طالما بدا ابعادهم نهائيا عن ارض الوطن لا يتأتي في الظروف الحالية. واذا كانت عودة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الى وطنه، تجسد رمز اتفاقات اوسلو، فليس هنالك رسالة اوضح من محاصرة هذا الرئيس الى اخر غرفة في آخر مقر لم تأتي عليه الآلة العسكرية الاسرائيلية بالكامل حتى اللحظة، والتحكم بقطرة الماء التي يشربها، ولا من رفع العلم الاسرائيلي على مقره في بيت لحم وتحويله الى مركز اعتقال للفلسطينيين في تلك المنطقة. ويبقى التاريخ والثقافة واذا كانت الهجمة العسكرية القائمة تهدف الى اعادة الفلسطينيين بكل جوانب حياتهم الى "مربع الاحتلال الاول", فهذه المرة تحاول اسرائيل بجيشها ومؤسساتها السياسية الغاء الذاكرة الفلسطينية ومحو ثقافتها وتاريخها. وبالاضافة الى اقتحام المسارح والمراكز الثقافية ومصادرة ما فيها من مخطوطات وتحف واعمال فنية يدوية عريقة ومعاصرة مثلما حدث في مركز خليل السكاكيني الذي يضم بين جدرانه خلوة شاعر "فلسطين الثورة" محمود درويش، نسفت القوات الاسرائيلية في البلدة العتيقة في نابلس مصانع صابون يعود بنيانها الى العهد الروماني وتشهد مصاطبها تاريخ معابدها القديمة، ومآذنها تاريخ حضارة اسلامية وعربية وجدرانها قرون أزمنة خالدة. ويرى الفلسطينيون انه قبل ذلك كله وبعده، يبقى سفك الدماء الفلسطينية التي سالت بغزارة والمشاهد المروعة لجثث شهداء عجز المجتمع المتمدن عن انتشالهم، والجرحى الذين نزفوا حتى الموت تحت الانقاض وغيرهم ممن دفنوا تحت ركام بيوتهم المدمرة على رؤوسهم وهم احياء، على مسمع ومرأى العالم، عنوان هذه المرحلة.