فاز كتاب "المرأة المصرية بين التطور والتحرر" للكاتب الدكتور يونان لبيب رزق بجائزة احسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب. ويهدم الكاتب الاعتقاد الراسخ والسائد بأن قاسم أمين هو الذي قام بعملية رائدة في تحرير المرأة من القيود عندما اصدر كتابيه الشهيرين "تحرير المرأة" العام 1899 و"المرأة الجديدة" العام 1901، إذ يثبت نظرية جديدة وهي ان قاسم أمين جاء في سياق تطورات عامة شاركت المرأة المصرية في صنعها قبل ظهور كتابيه بأكثر من ربع قرن، وعلى وجه التحديد مع البدء في تعليم البنات العام 1873، إذ تعتمد نظريته على الفكرة التاريخية التي تؤكد أن أي خطوة في تغيير العادات والافكار الشائعة تأتي منفصلة عما حولها لا يمكن أن يكتب لها النجاح، وهو ما لم يحدث لدعوة قاسم أمين. ويستخدم الكاتب لفظ "تحرر المرأة" وليس "تحرير المرأة" الذي شاع استخدامه، لان الاول يعني انها تصنع تحريرها بنفسها، أما الثاني فيعني أن الآخرين يصنعونه لها ومن ثم يعتبر منحة وليس حقاً. يعرض الكتاب الثورة الاجتماعية خلال نصف قرن ما بين انشاء اول مدرسة لتعليم البنات العام 1873 والمؤتمر النسائي الدولي الذي عقد في روما العام 1923، وحضره وفد نسائي مصري بقيادة هدى شعراوي وضم نبوية موسى وسيزا نبراوي. ويرى رزق ان الفترة التي استغرقتها المرأة المصرية ما بين عصر الحريم وعصر المشاركة في المؤتمرات العالمية هي فترة وجيزة في عمر الشعوب اذ بلغت خمسين عاماً وأنها حدثت نتيجة تطورات اقتصادية واجتماعية وفكرية معقدة، لعبت فيها المرأة ذاتها دوراً رائداً، ولم يكن قاسم أمين صرخة في وادٍ، لانه لو كان هكذا لما لقيت دعوته آذاناً صاغية، ولما انقسم المصريون عليها بين مؤيد ومعارض. ويلقي الكتاب الضوء على الدور الذي لعبته المرأة في تعليم البنات، وفي نشأة العمل الأهلي في مصر، فأول مدرسة للبنات أنشأتها حشمت آفت هانم الزوجة الثالثة للخديوي اسماعيل العام 1872 وعرفت باسم مدرسة السيوفية. وإن كان دورها تقلص بعد الاحتلال البريطاني، واقتصر على إعداد البنات الفقيرات كمدبرات بيوت او خادمات، إلا أنها عادت الى الانتعاش في أواخر الثمانينات وتغير اسمها الى "مدرسة السنية"، وزادت درجة الإقبال على التعليم بعد انتشار مدارس الارساليات والمدارس الاهلية التي أسسها عدد من السيدات السوريات فأصبحت مثلاً يحتذى للمصريين الذين اخذوا على عاتقهم وقتئذ انشاء المدارس الاهلية. وبعد أن ارتادت مؤسسة مدرسة السنية العمل العام، تبعتها أخريات ممن حملن لقب "هانم" مثل نازلي فاضل هانم التي اقامت صالوناً معروفاً يجتمع فيه البارزون المصريون كل اسبوع، وضمت حولها عدداً كبيراً ممن لعبوا دوراً في التاريخ المصري في مقدمهم سعد زغلول، فضلاً عن نعمت الله هانم شقيقة الخديوي التي ساهمت في قيام الجامعة المصرية. كما أن إنشاء "مبرة محمد علي" كان بدعوة من زوجة خديوي مصر ووالدته لرعاية الاطفال، وحمايتهم من الامراض ولرعاية الامهات. ومن الناحية الاجتماعية وفرت المتغيرات التي عرفتها مصر خلال نصف القرن السابق على ظهور اعمال قاسم أمين البيئة المناسبة لقبول افكاره، فقد تآكلت قوى اجتماعية قديمة على رأسها الارستقراطية التركية التي كرست نظام الحريم، وظهرت محلها شرائح جديدة من ابناء الطبقة الوسطى المصرية من العاملين في الحكومات المركزية او ممن اشتغلوا في المهن الحرة والمحاماة الذين شكلوا بيئة مناسبة لفهم التغيير وقبوله. كما أدت زيادة الوجود الاوروبي والاحتكاك الدائم بينه وبين المصريين الى عقد مقارنات، وإن كان المصريون رفضوا بعض سلوكيات الأوروبيين إلا انهم استحسنوا ما اتفق منها مع افكارهم ولا سيما الحرية التي تمتعت بها الاوروبيات، ومنهم قاسم أمين. اما من النواحي الفكرية فقد تركت تيارات الافكار الجديدة بصمات واضحة على المجتمع المصري ما انعكس على كتابات كبار المفكرين مثل رفاعة الطهطاوي في كتابه "المرشد الامين للبنات والبنين" الذي صدر بإيعاز من الخديوي اسماعيل مع افتتاح اول مدرسة للبنات، وإن كان رفاعة لم يصل الى درجة المطالبة برفع الحجاب، الا انه شكك في العلاقة بين الملابس المكشوفة او المستورة وبين العفة. وأوضح الكاتب الادلة المأخوذة من المقالات المنشورة التي شاركت فيها المرأة بنصيب كبير وأن المرأة المصرية لم تجلس بين صفوف المتفرجين، بل شاركت بالحجة والرأي، وتصدت لقضايا الزواج المبكر والحجاب، وشكلت بكفاحها اوراقاً وصلت في النهاية الى تقديم ملف قاسم أمين، ثم استندت اليه للانطلاق للمشاركة في الحياة العامة الاجتماعية والسياسية الى أن بدأت معركتها في المطالبة بحقوقها السياسية والتمثيل في البرلمان بعد انخراطها بقوة في العمل السياسي في ثورة 1919.