كان المعلم كمال جنبلاط بطلاً كافح الفقر، وناهض الظلم، وقاوم الطغيان، وذاد عن كرامة بلاده ودنيا العرب. كان عميق التفكير، بليغ القول، وكانت كلماته الذهبية تتألق تألق النجوم في قبة السماء. وكانت عباراته المشعة بأضواء العطف تنير ظلمات النفوس، وترشد الناس الى محجة البر والإيثار. كان صاحب المواقف والدروس القيّمة في الرفق والمحبة، والحكم الحليلة في ميادين الزهد والترفع عن الماديات، والمواعظ الثمينة يلقيها على المنابر وفي الأندية، ليتعظ بها الغافلون، وليهتدي بهديها اولئك الأغنياء - اثرياء الحروب في اكثر الأحيان - الذين قست قلوبهم، وتحجّرت عواطفهم، وبهرت ابصارهم الثروات المادية المكدّسة في خزائنهم الحديد المنيعة. كان يعطي المثل الصالح بتجرده العجيب، ونزاهته المثلى، ويقدّم الدليل الساطع على ان المال عَرَض زائل من اعراض هذه الحياة الفانية، وأن الله لا يحب من عباده إلا الأسخياء الكرماء الشرفاء العقلاء. ولهذا، كان لأعماله وأقواله وكتاباته فعل السحر حتى في أفئدة كثر من الممسكين والأنانيين وعشاق المادة. ورأينا عدداً منهم يفتحون ايديهم، ويمدّون سواعدهم لنجدة المنكوبين وعون المحرومين، وينهجون النهج السوي الذي خطّه لهم استاذهم الكبير. أنِستُ بلقائه مرتين. وكنت في صحبة اصدقاء اجانب شاؤوا ان يحجّوا إليه. فرأيته فوق ما سمعتُ عنه من لطف وعطف وتكامل اخلاقٍ، فضلاً عن سعة الثقافة، وعمق التفكير، وبعد النظر. فازددت حباً له وتعلقاً به. لبنان - د.جهاد نعمان استاذ جامعي