معاودة تبادل الاتهامات بين المغرب والجزائر في قضايا الخلاف الصحراء وترسيم الحدود والحقوق التاريخية تعني ان الطريق إلى بناء الثقة ما زال طويلاً، وان جهود تفعيل الاتحاد المغاربي تواجه صعوبات حقيقية. وقد يصح الاعتقاد بأنه على رغم الضرورات التي تفرض ذاتها اقليمياً ودولياً لجهة تحسين العلاقات بين البلدين الجارين، يبدو كل منهما مرتاحاً في وضعه الذاتي. فالخلاف مع المغرب يمنح الجزائر فرصة تصريف أزمتها الداخلية الى الخارج، والتناقض مع الجزائر يعطي المغرب هامشاً أوسع في الانكفاء إلى ترتيب أوضاعه الداخلية، في حين ان بقاء الحال المغربية - الجزائرية يساعد أطرافاً خارجية في الانفراد بالمنطقة. والخلاف بين الرباط ومدريد على ملفات الصيد الساحلي والصحراء وسبتة ومليلة، مكَّن اسبانيا من تعزيز علاقاتها مع الجزائر، في حين عاودت باريس النفاذ إلى المنطقة على خلفية خلافاتها والجزائر. وبدت واشنطن أكثر افادة من توازن الأزمة على حساب توازن الحل. وبعدما كانت صيغة الحل السياسي لنزاع الصحراء ذات بعد دولي ترعاه الأممالمتحدة، أصبحت توصف ب"خطة بيكر للسلام"، في اشارة الى الدور الأميركي الراعي والداعم. لكن المحطات التي يتوقف عندها مسؤولون جزائريون سرعان ما تستضيف المغاربة أو العكس. وليس ذهاب الملك محمد السادس إلى الصين بعيداً عن زيارات الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لموسكو وواشنطن. تعكس الحال المغربية - الجزائرية عدم تمكن البلدين الجارين من كسر حواجز سياسية ونفسية، وإذ يراهنان على ضرورات البناء المغاربي وسيلة لاذابة خلافاتهما، ينحشران في زاوية التمسك بمواقفهما. ولم يستطع شركاؤهما في الاتحاد المساعدة في تقريب وجهات النظر المتباينة، على رغم ادراك صعوبة ان لا اتحاد مغاربياً من دون حل خلافات الجزائر والمغرب. وبالمقدار ذاته فإن رهان البلدين الجارين على إحياء اتفاقات التعاون، بخاصة في المناطق الحدودية، لم يستطع اختراق أوضاع الحدود المغلقة منذ العام 1994. والسبب أن ما بينهما يزيد على كونه مواقف متباينة أو حدوداً مغلقة. إنه تغلغل الشعور بانعدام الثقة، ويكفي الإعلان عن خطة لاقتناء الجزائر أسلحة روسية أو تسلم المغرب معدات حربية أميركية لينهار كل مساعي احلال الوفاق، أو يعلق في أقرب تقدير. في تجربة قيادتي البلدين ما يفيد في فهم المعادلة الصعبة، كون العاهل المغربي والرئيس الجزائري تسلما السلطة في فترة واحدة تقريباً. لكن الملك محمد السادس أقر منهجية التعاطي والأوضاع الداخلية في بلاده وفق منظور جديد ركز على معاودة ترتيب البيت الداخلي، وجاء التعاطي والأوضاع الاقليمية في درجة ثانية، باستثناء ما يتعلق بقضية الصحراء وقبول الرباط صيغة الحل الثالث. أما الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة فانشغل أكثر بالواجهة الخارجية من دون تأمين صلابة الجبهة الداخلية على خلفية ما يدور من صراعات. وبدا أن تلاقي مشروعي القائدين يحتاج إلى أخذ نفس وليس مجرد اندفاع، وانه من دون تكامل المشروعين محلياً واقليمياً يصعب احراز الانفراج المنشود. واللافت ان المشروع المغربي لدى انطلاقه من قضية الصحراء يحظى بالاجماع الداخلي، في حين أن المشروع الجزائري يراوح مكانه بين تياري المنفتحين والمتشددين. لكن الرغبة في معاودة تحسين علاقات البلدين يجب أن تضع في الاعتبار تجنب كل الهفوات السابقة. وما يحدث من تسريبات عن تضارب المواقف ومعاودة فتح الملفات القديمة جزء من حرب نفسية ما أحوج البلدين إلى استيعاب أخطار ملاحقة فصولها، فحيث توجد المصالح الأنانية يكون التوتر ولا سبيل لتجاوزه إلا عند تطابق تلك المصالح. وإلى الآن يسود المنطق الاحادي في البحث عن المصالح، العلاقات بين البلدين الجارين.