خيار "الحل الثالث" لقضية الصحراء يعيد العلاقات المغربية - الجزائرية الى الواجهة، على الأقل لأن رفض الجزائر يترتب عليه تعطيل مساعي الأممالمتحدة في هذا الاتجاه، أو ارجاؤها فترة أطول. لكن العودة الى خيار الاستفتاء تحتاج مزيداً من الوقت والدعم، ولا يبدو ان رفض الجزائر و"بوليساريو" صيغة الحل الثالث سيحتم العودة الى الاستفتاء، ما دامت دول اعضاء في مجلس الأمن تحبذ الاقتراح الجديد، لكن الذهاب اليه يمر عبر وفاق اقليمي يستند الى تفاهم بين المغرب والجزائر. والحال ان هذا التفاهم كان قائماً في السابق حول خطة التسوية المستندة الى استفتاء تقرير المصير، وان كان تأويلها متبايناً في الأصل، فالمغرب ظل يردد مفهومه لاستفتاء تأكيدي، أي تكريس ضمه النهائي للمحافظات الصحراوية، واضفاء طابع الشرعية الدولية عليه، في حين ان الجزائر و"بوليساريو" تريانه استفتاء يمكن ان يقود الى الاستقلال. ومن المفارقات ان الوفاق الاقليمي الذي حبذه تأسيس الاتحاد المغاربي بدوله الخمس، كان يستند الى ابعاد نزاع الصحراء عن الاستحقاقات المغاربية، لكنه عاد بقوة ليفرض نفسه في صورة خلافات بين المغرب والجزائر حول الموقف من قضية الصحراء التي اضيف اليها ملف الحدود المغلقة منذ أكثر من ست سنوات واشكالات التعاطي والمسألة الاسلامية. وثبت عبر الجهود التي بذلت لانعاش الاتحاد المغاربي ان وضع قضية الصحراء "بين قوسين" بحسب تعبير لوزير الداخلية الجزائري يزيد زرهوني، ليس حلاً مقبولاً، لذلك ركزت طروحات مغربية على صيغة المقاربة الشاملة لعلاقات البلدين الجارين، ولم تكن مصادفة ان وزير الداخلية الفرنسي السابق بيار شوفينمان الذي استقبله العاهل المغربي الملك محمد السادس رسمياً اول من امس، تحدث عن التفاهم الضروري بين المغرب والجزائر لتسوية قضية الصحراء. وزاد على ذلك ان بامكان استقرار المغرب ان يساعد في معافاة الجزائر، مما يعني ان الدور الفرنسي ليس بعيداً عن ترتيبات الحل المقترح. وثمة رهان على ان المنافسة الفرنسية - الأميركية في منطقة شمال افريقيا تنفذ من قضية الصحراء، من دون اغفال قضايا اقليمية ضمنها المنافسة الأوروبية - الاميركية على مشاريع للشراكة الاقتصادية. من أين يبدأ التفاهم المغربي - الجزائري؟ يطرح السؤال بحجم نقاط التباين في المواقف. ففي قضية الصحراء يصعب تمرير أي حل من دون دعم الجزائر وقبول المغرب، وفي قضية الحدود المغلقة يحتاج الأمر الى اتفاق أمني وسياسي لبناء اقتصاد حدودي، وفي الموقف من تنامي التيارات الاسلامية لا بديل من اللجوء الى دعم الخيار الديموقراطي. لكن معاودة بناء الثقة تظل المعضلة الاكبر في محور العلاقات المغربية - الجزائرية. فعلى امتداد نحو اربعين سنة منذ استقلال البلدين، لا تزيد فترات الانفراج عن سنوات محدودة، وحين تم التبشير بأن عهداً جديداً بدأ في البلدين مع مجيء الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة والعاهل المغربي الملك محمد السادس الى سدة الحكم، غابت ارادة اقتناص الفرصة، والظاهر ان البلدين يريدان معاودة الحوار من دون وساطات، لكن المشكلة لا تكمن في منهجية المصارحة بمقدار تغلغله في حسابات يقال انها من مخلفات الحرب الباردة، لكنها من تداعيات الخوف من المستقبل ايضاً.