عبر 14 فيلماً اكتشفت جماهير الفن السينمائي في مصر والعالم العربي ما تتمتع به المخرجة إيناس الدغيدي من جرأة وخروج عن الأطر التقليدية في صناعة الشريط السينمائي وما يقدمه من أفكار وموضوعات، عبر أشكال ونُظم مجتمعية متعارف عليها ومطروحة في الشارع بصور متناقضة ومستفزة. "الحياة" حاورتها عن تجربتها ونظرتها. بداية من "عفواً أيها القانون" ومروراً ب"لحم رخيص" و"كلام الليل" وانتهاء ب"مذكرات مراهقة" كيف ترين حصاد تجربتك السينمائية؟ - منذ بداياتي والمرأة ومشكلاتها، بل تفاعلها في التعامل مع مجتمعنا الذكوري هي محور اهتمامي لأنها تتعامل مع موروث ديني ومجتمعي فكري ملتبس، والرجل هو الطرف الآخر للقضية كونه "المحرك" والفاعل الرافض للمكاشفة والصراحة. وهناك نوعان من الرجال: الأول، واعٍ وفاهم ولكنه يلزم الصمت مؤثراً السلامة، والآخر لا يفهم وهو الذي يمثل عائقاً صلباً أمام تطور الأنثى وانطلاقها للحد من قدراتها على الفهم ومناقشة مشكلاتها. وأنا ضد تحجيم العقل وترك الأمور ملتبسة وأحاول ضرب الحُجب الهشة التي تقبع المرأة خلفها فتعاني، خصوصاً في وقتنا الراهن، من أشد مراحل الكبت والقهر والتخلف المقصود. وإنني اتساءل: كيف يعطي الرجل نفسه الحق في العبث بكيان المرأة منتزعاً منها الحرية قسراً؟ يفعل الرجل هذا مع الزوجة والابنة والحبيبة وحتى الأم. ومن هنا قصدتُ في شريطي الأخير "مذكرات مراهقة" تسليط الضوء على مشكلات الفتيات المراهقات لفضح أسباب ضغط التيار المتزمت في تعامله مع الفئة الأكثر حساسية في المجتمع الشرقي. ولذا قوبلت بهجوم شرس وغير موضوعي، لأن هناك رفضاً قاطعاً لأي حديث يتناول تفسير أسباب تحجيم عقل الأنثى المؤدي بدوره إلى شل القدرات الأنثوية. والمؤسف أن هذا الشريط تحديداً أعتبره ورآه الآخرون من مخرجين كبار ونقاد صادقين أنه يمثل "محطة نضوج" مهمة لإيناس الدغيدي. ولذا استلزم مني وقفة مع النفس للعودة إلى مجمل أعمالي السابقة وما افرزته من تطور تقني ونوعي. لمناسبة الحديث عن النضوج، ما هي أهم المحطات السينمائية في مشوار المخرجة إيناس الدغيدي؟ - "عفواً أيها القانون" والقضايا المجردة التي طرحت كيفية سلب المرأة حقوقها ومروراً ب"زمن التحدي" و"امرأة واحدة لا تكفي" و"قضية سميحة بدران" و"القاتلة" والدخول في عمق الفساد الاجتماعي والأخلاقي. كان الاختراق أكثر حدة وجماهيرية في "استاكوزا" و"ديسكو ديسكو" و"بيتزا بيتزا" و"لحم رخيص" و"كلام الليل". بدأت قضاياي الفكرية تتبلور لتتأكد ذاتيتي ووجهة نظري حيال مشكلات مجتمعي، ومع حصاد شريطي "دانتيلا" العديد من الجوائز من مهرجانات دولية ومحلية، رأيت أنني حققت الانتشار المطلوب شكلاً وموضوعاً فكان التحول في المسار والجنوح النسبي في "الوردة الحمراء" الذي بيّن لي طبيعة أفكاري وجدواها في مرحلة "منتصف العمر". اكتشفت بعد هذا العمل الذي لم يضف إلي كثيراً أنه تجب محاسبة النفس بقسوة من أجل تقديم الأجود والأكثر تنوعاً، فقد حققت وجودي وذاع صيتي كمخرجة لها أدواتها الخاصة، بل والمتفردة. وأتت الثقة العمياء من شركات الانتاج لتوفر لي مصادر تمويل سخية للانفاق على أعمالي، وكل هذا لم يأت من فراغ بل هو نتاج لقفزات جريئة كانت تتطور من فيلم الى آخر. قلت أن شريط "الوردة الحمراء" لم يحقق لك شيئاً يذكر، فلماذا قُدمّ إذن أم إنه "العُري" من أجل "العُري" واللعب على الغرائز وشباك التذاكر؟ - هناك ظروف إنتاج ووقت عرض وطبيعة لسوق تدفعك دفعاً لصنع فيلم بعينه، كل هذه الأشياء تختلف من حين الى آخر ومن تجربة الى أخرى، أما قضية "العُري" من أجل "العُري" فأنا أرفضها حديثاً وتطبيقاً. في غالبية أفلامي كان جسد المرأة أداة لايصال وجهة نظر ما أو فكرة أو أزمة ما تنفي تأثير الجسد الأنثوي وسحره عند المرأة الفاعلة ذات الشأن أو المنصب الاجتماعي على الرجل الشرقي المسؤول في أعلى المناصب في أي دولة، فلماذا الخجل من عوراتنا وترك لبّ الأشياء والتعامل مع القشور فقط لا غير. من الممكن أن تكون هناك عيوب موضوعية أو تقنية قد شابت شريط "الوردة الحمراء" وهذه الأشياء واردة في كل الأعمال. ولكن لماذا لم أتهم ب"العُري" في شريط "كلام الليل" وهو المأخوذ من قصة باسم "العُري" أم إنكم ترفضون "العُري" الأخلاقي ولا تتحملونه معروضاً على الشاشة وتهاجمون "العُري" الجسدي بنهم مفرط؟ فإذا كانت القضية هي قضية مشاهد ساخنة وأرداف فقط فلذلك طرق أخرى أرفضها، ولكن "كلام الليل" هو أكثر الموضوعات التي طرحت علاقة السلطة والنفوذ بجسد المرأة، وهذا كان يستدعي مساحات كبيرة من العُري الجسدي، وأنا لا أخشى الهجوم خصوصاً في حالة تعمدي إظهار العيوب الأخلاقية والاجتماعية، فقد تعودت على ذلك منذ أربعة عشر عاماً، ولم أفزع وهذا يدل على أن هناك خطأ ما بدليل أن فيلم "الوردة الحمراء" كان سيئاً جداً ولم يعلق عليه أحد، فهل هي مشكلتي أم مشكلة وعي مشاهد نهم إذا امتلأت غريزته نفر وزادت حدته واضطرابه. في إطار تجاربك السينمائية العديدة، كيف ترين، صورة المرأة، ظاهرها وباطنها، هل حقاً أن ما يحدث في البيوت والشوارع تخطى الموضوعات السينمائية؟ - أنا مقتنعة بأن المشاعر والأحاسيس تلعب دوراً مهماً ورئيساً في حياة المرأة حتى الوزيرة. فالرجل خلق للعمل بشكل فطري، ولأن المشاعر والأحاسيس تلعب دائماً دوراً مهماً وحيوياً في السينما وحتى في الأعمال الحربية، لذا ينصب اهتمامي كمخرجة من أهم خمسة مخرجين في مصر أن أندفع بشراسة معبرة عن وجهة نظري في الحياة والناس والعادات والتقاليد. أنا أعمل وسط الآلاف من الرجال وتربطني بهم علاقات سوية ولاحظت أن الرجل السوي عاطفياً سويُّ في كل المناحي، وما تقصده بتخطي الشارع لما تطرحه السينما حقيقي، وأرجعه أنا إلى ظروف دينية واقتصادية تحكم المجتمع بقيود تحيل الفرد ذكراً وأنثى إلى اختراق المحرم والمحظور، وكل هذه المشكلات مجتمعة تدفع الإنسان إلى ممارسة الحياة بشكل غير إنساني، علاقات غير سوية تنتج أشكالاً من العلاقات غير مشروعة، وأنا أقدم السينما للمرأة بقدر أهميتها، أهمية هذا الكيان عندي، ولأن الشارع تخطى الرؤية الذهنية التي تقدم عبر دراما الشريط السينمائي بات من الملزم لنا كسينمائيين أن نغوص في العمق المجتمعي لطرح كل المشكلات للتحذير ودق ناقوس الخطر ليأتي دور المسؤول عن المشاهد والمشهود في طرح الحلول وهي مهمة تقع على عاتق أجهزة الدولة ومؤسساتها المعنية. بعد قضايا شائكة عدة قُدمت في أربعة عشر شريطاً أين تقف المخرجة إيناس الدغيدي؟ - بت أملك من بُعد النظر ما يؤهلني لتقديم أحسن ما عندي فقد اكتسبت الثقة في النفس وأطمح الى حصاد شمولي ألاقيه في كِبري عندما تنتهي رسالتي كمخرجة.