إذا كانت جرائم آرييل شارون وعنصريته النازية من مستوى اسرائيلي، فإن فشله على كل صعيد من مستوى "عربي"، فقد خرّب اسرائيل كما خرّب بعض القادة العرب بلادهم. عادت أعمال العنف بين الفلسطينيين والاسرائىليين في اليومين الأخيرين، فأعلن شارون أن ياسر عرفات مسؤول وان اسرائيل ستردّ. كم مرة اتّهم شارون أبو عمار بالمسؤولية، وكم مرّة صعّد، فقتل ودمّر، ثم عاد ليجد نفسه وسط دوامة عنف جديدة؟ أمس كان مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي يقول ان ياسر عرفات هو المسؤول عن تجدد العنف، ولكن وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر نفسه، وكل معلق في الصحف الاسرائيلية الكبرى الثلاث وقد قرأت ترجماتها بالانكليزية قال ان سبب تجدّد العنف هو تراجع شارون عن تعهداته رفع الحصار عن الرئيس الفلسطيني اذا اعتقلت السلطة الوطنية ثلاثة متهمين باغتيال الوزير المنحط كشارون رحبعام زئيفي، ومطالبته باعتقال متهمين آخرين ووضعه شروطاً تعجيزية اضافية. أقول ان زئيفي قتله شارون عندما أمر باغتيال رئيس الجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، فردّت الجبهة باغتيال وزير اسرائىلي. وشارون قتل كل جندي أو مستوطن منذ قرار الحكومة المصغّرة عدم رفع الحصار عن ياسر عرفات لأنه كذّب على الفلسطينيين. عندما اجتمع شارون مع أبو مازن وأبو العلاء ومحمد رشيد الشهر الماضي تناولت المباحثات نقاطاً عدة، كان أهمها طلب شارون اعتقال المتهمين باغتيال زئيفي الثلاثة، في مقابل رفع الحصار عن عرفات، وتمّ الاتفاق على هذه النقطة بين الطرفين، وأُبلغ الأميركيون والأوروبيون بالاتفاق، فقد اتصل شارون شخصياً بالأميركيين، وشهد مسؤول الشؤون الخارجية الأوروبي خافيير سولانا على الاتفاق. أتوقّف هنا لتسجيل نقطة سريعة. فنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني سيأتي الى المنطقة الشهر المقبل ليقول لقادتها ان أبو عمار ليس أهلاً للثقة، وهو يعرف شخصياً عن كذب شارون ويغطي عليه، ما يعني أن صدقية تشيني نفسه محل تساؤل، فهو سيأتينا كداعية اسرائيلي، لا أكثر ولا أقل. الادارة الاميركية ترفض أن تعترف بما هو أوضح من شمس الظهيرة، فالمسألة ليست النزاع العربي - الاسرائىلي، بل موقف شارون شخصياً من عرفات، فهو يريد قتله منذ اجتياح لبنان سنة 1982، ولا يستطيع، وعندما نكث بوعده للقادة الفلسطينيين أو نكص عنه، حذره وزير الدفاع بن اليعيزر، ورئيس الأمن الداخلي أفي ديختر، من خطر قرار بعدم ترك عرفات حرّاً. اليوم يدفع الاسرائيليون من جديد ثمن أمراض شارون، وهم دفعوا الثمن كل يوم منذ تسلّمه رئاسة الوزارة قبل سنة، فهو لم يخض الانتخابات على أساس برنامج انتخابي من أي نوع، وإنما على أساس كلمة واحدة هي الأمن، وقد انهار أمن اسرائيل نهائياً بين يديه، والعمليات الفلسطينية هي الأكثر عدداً واصابات منذ تأسيس اسرائيل. وكان شارون خطب في الاسرائيليين الاسبوع الماضي، واستقبلت الصحف الاسرائىلية نفسها الخطاب بالسخرية، فقال معلق أنه يفهم الآن لماذا لا يخاطب شارون الاسرائىليين بانتظام. وقال معلق آخر انه لو ألقى ونستون تشرتشل مثل خطاب شارون في الانكليز خلال الحرب العالمية الثانية لخسروا الحرب. أما "الغارديان" اللندنية فقالت ان الشيء الوحيد الذي خلا منه خطاب شارون هو تقديمه استقالته. غير ان فشل شارون الأمني ليس كل فشله، فهو فشل في ادارة اقتصاد اسرائيل، ما يجعل فشله، كما أسلفت، فشلاً "عربي" الأبعاد لأنه فشل على كل صعيد. عدد العاطلين من العمل في اسرائيل ارتفع الى 258600 شخص، أو 2،10 من القوة العاملة، وهبط الانتاج الداخلي في الفترة نفسها 2،7 في المئة، والإنتاج التجاري 12 في المئة. وقد هبطت شعبية شارون تدريجاً مع هبوط الاقتصاد، وسقوط الشيقل في مقابل الدولار، وقالت "الغارديان" انه أصبح "مثل عرفات جزءاً من المشكلة لا الحل". ونظرة الى الماضي، فعندما وقّعت اتفاقات 1993 مع الفلسطينيين زادت الاستثمارات الخارجية في اسرائيل، وهبطت البطالة من 11 في المئة الى 5،6 في المئة. لذلك قالت جريدة "هاأرتز" في مقال افتتاحي ان الخيار للاسرائىليين هو "الاحتلال أو الرفاه". وجود شارون في الحكم يعني استمرار القتل والتدمير، والاسرائىليون يرون هذا، الا ان الادارة الاميركية لا تراه. جهاد الخازن