بمناسبة مرور عام على تشكيل آرييل شرون حكومته، كتب كثيرون يقومون أداء تلك الحكومة والسياسة التي اتبعتها في معالجة القضية الفلسطينية وقضية الجولان وجنوب لبنان والعلاقات العربية والاوضاع الامنية داخل اسرائيل. ومال أكثر المعلقين والكتاب الى انتقاد هذه الحكومة وإلى تحميل رئيسها خصوصاً مسؤولية الأوضاع المتردية في فلسطين، وارتفاع حدة التوتر في الشرق الاوسط. وليام بفاف، المعلق الاميركي البارز، كتب يقول في ال"هيرالد تربيون" الدولية 8/2/2002 ان خطة شارون الحقيقية هي الاستحواذ على اكبر مساحة ممكنة من الاراضي الفلسطينية، وتسفير الفلسطينيين "طوعاً" إلى الاردن او الى أي بلد آخر. ويخلص بفاف الى الاستنتاج بأنه بسبب هذه السياسة التي انتهجها شارون، شهدت اسرائيل اسوأ عام مر بها منذ ولادتها. جوناثان فريدلاند، المعلق البريطاني المعروف، كتب في صحيفة ال"غارديان" البريطانية 6/2/2002 يقول ان شارون فاز قبل عام بالانتخابات على أساس انه سيوفر للإسرائيليين السلام والامن، ولكنه فشل في الامرين معاً. ويعزو أسباب هذا الفشل الى ان شارون غير راغب اساساً في الوصول الى سلام مع الفلسطينيين بل الى مجرد وقف للنار. تعبر هذه الانتقادات عن السخط الشديد الذي يعم الاوساط الدولية، بخاصة أوساط الوسط واليسار، على حكومة شارون وعلى رئيسها. ان هذه الانتقادات هي في محلها تماماً بمقدار ما تكشف آرييل شارون رئيسا للحكومة كما فضحته من قبل وزيراً وقائداً عسكرياً ارتكب المجازر. وهذه الانتقادات في محلها اذ تنقض المحاولات لتلميع صورة شارون، ومنها الاستقبالات التي تنظم له في البيت الابيض الاميركي. بيد ان هذه الانتقادات والاحكام انطوت، احيانا على جانب يستحق التصحيح لئلا تسير في طريق لا يقصده اصحابها، الا وهو حصر النقد بشارون وحده، وتحميله من دون غيره مسؤولية السياسة الحمقاء والعدوانية التي تنفذ ضد الفلسطينيين. فما ينبغي ان نذكره بعد عام من ولاية حكومة شارون، ان هذه الحكومة هي تركيبة ائتلافية، وان حزب العمل او بعض قادته، على الاقل لعب دوراً رئيسياً في قيامها واستمرارها. ومن الارجح انه لو شكل شارون حكومته من احزاب اليمين المتطرف وحدها لما قدر لها الاستمرار لمدة عام. ان حزب العمل الاسرائيلي يضم الآلاف من الاعضاء، وفيه تيارات متعددة، ولكن بعض قادته لعب دوراً حاسماً في تعبيد الطريق امام الحكومة الائتلافية وفي استمرارها. بين هؤلاء، لعب شمعون بيريز الدور الرئيسي، باعتباره احد قادة الحزب التاريخيين، في جر "العمل" إلى دخول حكومة شارون وفي اسكات المعارضين لهذا النهج الائتلافي. لقاء هذا الدور، وحتى يفيد شارون من صلات بيريز الدولية، اسند اليه منصب وزير الخارجية. ان وزير الخارجية هو عادة من الوزراء الرئيسيين، ولكن بيريز لم يحظ بمثل هذه المكانة في الحكومة اذ ان شارون كان كثيراً ما يقرر بصورة منفردة المواقف الاسرائيلية الخارجية وحتى من دون ان يبلغها الى بيريز عبر الاقنية الحكومية وانما عبر وسائط الاعلام. رغم ذلك، رضي بيريز باستمراره في الحكومة وساعد رئيسها على التخلص من مطبات كثيرة. فبيريز، علاوة على اقناع حزب العمل بدخول الحكومة، عمل بجد على تطوير العلاقة مع واشنطن، فساهم في اقناع شارون بقبول تقرير ميتشل على رغم معرفته بأن شارون يعارض هذا التقرير ولا ينوي تنفيذه. وسعياً وراء الهدف ذاته قابل بيريز عرفات. وتمت المقابلة بعد عدوان 11 أيلول سبتمبر نزولا عند رغبة الادارة الاميركية التي ارادت تخفيف حدة التوتر في الاراضي الفلسطينية حتى تنجح مساعيها في تجميع اكبر تكتل دولي ضد حكومة "طالبان" في افغانستان. وكثرت المناسبات التي استخدم فيها شارون صديقه بيريز كموظف علاقات عامة في الحكومة الاسرائيلية، وطغت هذه الصفة على دوره كوزير للخارجية الى درجة ان بعض الناقدين المتندرين في حزبي ليكود والعمل اطلقوا عليه لقب "بوسطحي شارون". ناقدو بيريز الاكثر جدية ضاقوا ذرعاً برضوخه لشارون وتضحيته باستقلالية حزب العمل. حتى بعض الاعضاء البارزين في حزب العمل الذين كانوا من المقربين الى بيريز، وجهوا اليه اشد الانتقادات بسبب هذه المواقف. فعندما وافق بيريز، بصفته وزيراً للخارجية، على تعيين مئير ديغان، الجنرال الاسرائيلي المتقاعد الذي ارتكب انتهاكات بشعة في غزة وجنوب لبنان، رئيساً للوفد الاسرائيلي المفاوض مع الاميركيين والفلسطينيين، شن حاييم رامون، أحد قادة حزب العمل البارزين هجوماً عنيفاً على بيريز قال فيه: "عندما وافقت شارون على تعيين ديغان رئيساً للوفد الاسرائيلي فإنك دفنت آخر فرصة لتحقيق وقف النار مع الفلسطينيين". اما جدعون روفائيل، الذي عمل مع بيريز زمناً قبل ان ينتقل من السياسة الى الصحافة، فقد شن هو الآخر هجوماً على بيريز متهماً اياه بأنه يسعى الى ارضاء الناقدين سرا عبر الادعاء بأنه يعارض الحكومة وسياستها تجاه القضية الفلسطينية، بينما هو يمحضها تأييده ويخدمها في العلن. كذلك كتب روفائيل يدحض ادعاء بيريز بأنه يخفف من غلواء شارون ضد الفلسطينيين ويحد من تطرف الحكومة، مؤكداً ان استمراره في "حكومة الاجرام" هو من العوامل التي تمكنها من ممارسة سياستها هذه، ومن ثم فإنه يشارك في تحمل مسؤولية الأعمال والارتكابات التي تنفذها. كما يعلب بيريز دوراً مهماً في تقديم تغطية "يسارية" الى حكومة شارون، كما أن بنيامين بن اليعيزر، وزير الدفاع الاسرائيلي زعيم حزب العمل الجديد، يقوم بدور مماثل. بل ان اليعيزر يقف في السر والعلن الى جانب آرييل شارون الى درجة ان البعض يجد صعوبة في التمييز بين موقفيهما تجاه الحرب المعلنة ضد الفلسطينيين. ان بعض الذين تابعوا صعود زعيم العمل الجديد لا يجدون غرابة في ذلك. فاليعيزر كان يعمل تحت امرة شارون عندما كان الأخير قائداً للمنطقة الجنوبية في السبعينات. وساهم اليعيزر، الصقوري الترعة، مع شارون في قمع العمل الفدائي الفلسطيني بأشد الوسائل قسوة وعنفاً آنذاك. وهو يرى ان التاريخ اليوم يعيد نفسه، ويأمل ان يكون مصير الانتفاضة الفلسطينية مشابهاً لمصير المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في السبعينات، عندما دخل اليعيزر السياسة وانضم عام 1984 الى حزب "ياهاد" الذي شكله عازر وايزمان، وكان يؤثر التفاهم مع "ليكود" على التعاون مع حزب "العمل" الذي يتزعمه اليوم. ويستمر اليعيزر على ولائه لشارون اليوم على رغم حدة الانتقادات الموجهة الى الأخير والتي تتردد أحياناً داخل حزب العمل. ولقد برهن اليعازر على تمسكه باستمرار الحكومة الشارونية عندما تناهى إليه، خطأ، ان بيريز يفكر بالاستقالة من الحكومة، إذ أبلغ زميله في الحزب انه في هذه الحالة لن يستقيل من منصبه. ولقد ثبت مع الوقت انه ما من وزير من وزراء العمل في حكومة شارون يفكر في الاستقالة، وانهم لا يعانون ولا ينزعجون مما تأتيه "حكومة الجرائم" التي يشاركون فيها. وكما يتحمل بيريز واليعيزر المسؤولية في قيام حكومة شارون واستمرارها، فإن ايهود باراك، زعيم حزب العمل السابق رئيس الحكومة الاسرائيلية السابقة، يتحمل، من غير قصد، مسؤولية مماثلة. فعلينا ان نذكر ان باراك هو الذي عبد طريق الحكم لشارون عندما اطلق حملة دعائية قوية بعد قمة كمب ديفيد ادعى فيها انه قدم اعظم التنازلات الى ياسر عرفات من اجل الوصول الى حل نهائي للصراع العربي - الفلسطيني، ولكن الزعيم الفلسطيني رفض التوصل الى هذا الحل. هذا الادعاء الباراكي هو الحجة الرئيسية التي تستخدمها حكومة شارون لاتهام عرفات بالتطرف، وبالعزوف عن السلام، وبالعمل على تدمير اسرائيل. وباراك هو الذي رفض تحميل شارون مسؤولية اندلاع العنف في الاراضي الفلسطينية بعد زيارته المشؤومة الى القدس. هذه التبرئة لشارون ساهمت ايضاً في تعبيد الطريق امامه للوصول الى رئاسة الحكومة. ثم ان باراك هو الذي ارسى قواعد العنف الذي يمارس حالياً ضد الفلسطينيين. فأثناء توليه الحكم بدأت عمليات الاغتيال، وسياسة حصار المدن الفلسطينية، واقتحام الاراضي التابعة للسلطة الفلسطينية، وتدمير البيوت والمباني العامة، وتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية أية عملية عسكرية تقوم بها المنظمات المستقلة، وحرمان السلطة الفلسطينية من عائدات الضرائب. وباراك هو الذي اشترط، قبل شارون، "ايقاف العنف الفلسطيني"، كخطوة لا بد منها من اجل استئناف التفاوض. لقد سارت سياسة باراك هذه على طريق تصعيدي، اي انه كان مقدرا لها ان تتصاعد من حيث عنفها واذاها حتى تبلغ الحد الذي وصلت اليه حالياً او ما يتجاوزه. من هنا يمكن القول بأن شارون يواصل السير على الطريق التي مشى عليها باراك قبله. وعلى رغم الادعاءات الباراكية حول التنازلات الجمة التي قدمها الى الفلسطينيين، فإن سياسة القهر التي نفذها واخذها عنه شارون من بعده، تنسجم مع شخصيته الصقورية التي عبر عنها عندما جعل الأوسمة التي نالها في الحروب ضد العرب اوراق اعتماده للفوز بأصوات الناخبين الاسرائيليين. إن ما يفعله باراك اليوم يؤكد هذه الصورة، ويعتبر تزكية للسياسة التي تسير عليها حكومة شارون. فقد رفض باراك، عندما دعي الى التحقيق في قضية قتل الثلاثة عشر عربياً اسرائيلياً خلال تظاهرات تشرين الاول اكتوبر، رفض الاعتراف بأن قوات الامن ارتكبت خطأ او جريمة. وطفق يسبغ عبارات التمجيد على عمل الشرطة الى حد استفز لجنة التحقيق الاسرائيلية نفسها. باراك يمهد اليوم لعودته الى الحياة السياسية عن طريق اعلان مساندته للحرب التي تخوضها حكومة شارون ضد الفلسطينيين، والابتعاد كلياً عن الحديث عن المفاوضات والسلام مع العرب. هذه المواقف التي يتخذها قادة بارزون في حزب العمل تحوله الى شريك في "حكومة الاجرام". انها لا تعبر، بالضرورة، عن آراء ومواقف سائر قادة حزب العمل إذ يوجد آخرون، مثل يوسي بيلين، يطالبون بالتجاوب مع مطالب الفلسطينيين. ولكن أمام هؤلاء طريق طويل كي يبعدوا حزبهم عن الشارونية وعن الشارونيين. * كاتب وباحث لبناني.