يتهم الاستاذ تركي علي الربيعو المثقفين الكرد، في مقال له بعنوان "سيف من خشب" "الناقد"، العدد 80، في شباط/ فبراير 1995، بالوقوع في موقف عدمي من التراث العربي الاسلامي. ويصرح ببرانيتهم بالنسبة الى التاريخ العربي الاسلامي. وجاء اتهامه هذا في معرض نقده الكاتب والباحث الكردي ابراهيم محمود، مؤلف كتاب الجنس في القرآن. وفي مقال آخر نشره في جريدة "المستقبل" 9/4/2000 بعنوان "القامشلي الحديثة التكوين تجمع أدياناً وأقواماً وتواريخ"، يتابع الاستاذ تركي محاولاته تشويه الواقع الكردي من خلال تناوله التكوين السكاني لمدينة القامشلي، ذا الغالبية الكردية. فيحاول إخفاء طابعها الكردي، ويبالغ، في المقابل، في تقدير المارديلية، وينسبهم جزافاً الى الاصل العربي بقوله: "تطغى على المدينة - يقصد بها القامشلي - اللهجة الماردينية او الماردلية كما يقال، وهي عربية اصيلة بمفرداتها ومأثوراتها الشعبية...". ويفعل ذلك بالنسبة الى المحلمية، حيث يقول: "هناك المحلمية، وهم من عشائر بني هلال التي جاءت من نجد". وينهج المنطق نفسه في حق الكلدان قائلاً: "من طريف القول ان ماركس قد كتب الى آنجلس في إحدى رسائله يخبره انه يظن إن تسمية الكلدانيين هي تحريف استشراقي لاسم العشائر العربية من بني خالد التي كانت تسكن العراق". مهمشاً الوجود الكردي في القامشلي. فيقول: "مع النصف الثاني من القرن العشرين بدأ الاكراد بالتوجه الى المدينة، وقد سكنوا في البداية في اطرافها وفي احياء فقيرة تشبه - مدن الصفيح - في العواصم الكبيرة...". الا انه ينصف في ما يتعلق بالقبائل العربية، اذ يقول: "صحيح إن ابناءها لم يسكنوا المدينة لكون البدوي لا يؤثر سكنى المدينة ويحتقر العمل المأجور واليدوي...". ونشر ربيعو، أخيراً في "السفير" 19/12/2001، مقالاً بعنوان أفغنة العراق/ الاكراد وقطار الزحف الاميركي على بغداد. وكما هو واضح من العنوان نفسه، فإن الكاتب يحاول الطعن في الموقف الوطني لأكراد العراق وتقزيم شخصيتهم القومية والاستخفاف بوعيهم. ويمعن في تشويه صورتهم الحضارية، وذلك عبر استعادة حوادث دحر قوات صدام حسين التي غزت الكويت في مطلع التسعينات. وعن دور أكراد العراق في هذا الاطار يقول: "فقد احتاجت الولاياتالمتحدة في حملتها على العراق الى جندرمة سياسية وعسكرية في الشمال العراقي، فعملت على تجنيد الاكراد في حملتها، خصوصاً ان الاكراد مؤهلون لذلك، فسياسة اعمى وشحاذ السليمانية لا تزال قاعدة في شمال العراق...". ومن هذه التصورات المغلوطة يخلص الى نتيجة خاطئة، فهو يقول: "إن الاحتمال الكبير هو ان يركب الاكراد قطار الزحف الاميركي على بغداد، وان يكونوا كطلائع قوات التحالف الشمالي في افغانستان التي زحفت على كابول تحت راية القاذفات العملاقة التي مهدت لها الطريق بقنابلها الخارقة...". ويختتم مقاله هذا بالسخرية من العقل السياسي الكردي، قائلاً: "أنا ضعيف الأمل والثقة بقدرة الاكراد على الافادة من دروس الماضي القريب، فالعقل السياسي الكردي يقف عاجزاً عن مراجعة تجاربه السياسية القاصرة"، متعمداً مع الأسف هذه القراءة غيرالواقعية والساذجة لواقع الحركة الوطنية في كردستان العراق التي اعلنت مراراً وتكراراً حرصها على وحدة الوطن العراقي، وتمسكها بالانتماء اليه بعلاقة فيديرالية تضمن للشعب الكردي وغيره من ابناء الشعب العراقي حياة حرة وكريمة بعيداً من هواجس الابادات الجماعية بالغازات المحرمة دولياً وبعمليات الانفال المشؤومة... الخ. ومن خلال هذه القراءة السريعة لهذه الفقرات المختارة من بعض مقالات الكاتب، تركي علي الربيعو، المتفرقة، يتبين حجم الظلم الذي يمارسه - بقصد او من دونه - في حق الشعب الكردي، خلافاً لما يظهره في لقاءاته ومناقشاته الودية مع اصدقائه الكرد. وإزاء هذه المفارقة نتساءل مدهوشين: كيف لمثقف مثله، يهتم بالتراث ويعمل فيه، ويخبر الكرد عن قرب، ان يتجاهل الدور العظيم الذي لعبه القادة التاريخيون والمثقفون الكرد في بناء الثقافة العربية الاسلامية وحضارتها من امثال صلاح الدين الايوبي وأبناء الأثير وابن كثير وابن خلكان وأمير الشعراء العرب أحمد شوقي، وغيرهم؟ وكيف له ان ينسى ما قاله المؤرخ والمفكر الكبير ابن خلدون في الصفحة 452 من "مقدمته" الشهيرة: "ان حملة العلم في الملة الاسلامية اكثرهم من العجم". فمن هم البرانيون حقاً عن التراث والتاريخ العربي الاسلامي". اما مدينة القامشلي، فإن طابعها الديموغرافي الكردي لا يمكن أحداً تذويبه، مهما جهد في لَيِّ عنق الحقائق وتشويهها، والتلاعب بمكوناتها الفسيفسائية لصهرها في البوتقة العربية، سواء بتعريب الماردلية او الكلدان او المحلمية. فالمحلمية مثلاً، وكما ورد في كراس للملازم الأول محمد طلب هلال، رئىس الشعبة السياسية بالحسكة في بداية الستينات صدر في 1963 بعنوان "دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية" في ص36. "المحلمية عشيرة كردية تقيم في المنطقة الواقعة شرقي مدينة القامشلي". فهل اعتمد الاستاذ ربيعو المنطق "العفلقي" الشهير الذي يقول: "كل من تكلم العربية فهو عربي". القامشلي - علي شمدين