هذا كتاب توثيقي صدر باللغتين العربية والانكليزية عن المتحف الوطني الاردني للفنون الجميلة، كتب نصه النقدي وصححه وأشرف على اختياراته الأميرة الفنانة الباحثة وجدان علي. وكان صدوره لمناسبة اعلان عمان عاصمة للثقافة العربية، وتوثيقاً للمعرض الموسوعي الذي ضم نماذج من الجزء الاعظم من مجموعة المتحف الخاصة بالفن العربي المعاصر. توج المعرض عنوان: "من المحيط الى الخليج... بما وراء الافق: فن عربي حديث". شارك فيه 223 فناناً معروفاً ومحترفاً من المحترفات العربية في المشرق والمغرب والخليج العربي. تمثل كل فنان بلوحة او تمثال او محفورة او عمل تجهيزي، وكذلك الكتاب فقد خصص لكل لوحة صفحة ملونة مع تحليل مختزل وسيرة الفنان، تقول الباحثة في المقدمة ان المعرض ربما كان من اكبر وأشمل التظاهرات والعروض الفنية العربية المعاصرة، فقد نمت المجموعة باضطراد منذ عام 1980 فوصلت في المتحف الى ما يزيد على 1800 عمل فني من 45 دولة. واذا كنا نعرف عدداً كبيراً من ذخائر هذه المجموعة المعروضة بصورة دائمة في المتحف فإن ترتيب المعرض والكتاب يعكس معرفة الأميرة للحركة التشكيلية العربية وشراكتها الابداعية فيها وصداقتها مع غالبية الفنانين مما يعكس خبرتها وحيادها واستقلالها عن سلطة بعض نجوم التشكيل والنقد المألوفين في مثل هذه الحالات. اعتمدت الباحثة في ترتيب المعرض وتقسيم الكتاب على الموضوع بدلاً من الخصائص الاسلوبية كما تشرح في مقدمة الكتاب، فكان موضوع القسم الاول هو "المناظر" من المشهد الطبيعي الى الحضري والداخلي، وكان الموضوع الثاني "المرأة" والثالث هو "الرمزية" والرابع "الحروفية" والخامس "التجريد" وختم المعرض والكتاب "بالالتزام" الاجتماعي او السياسي او الانساني. على رغم شهرة بعض الاسماء والاعمال التي تتجاوز مناسبة المعرض فإن الكتاب يعرض وجهة نظر مستقلة وجديدة تكشف لنا كما هي دوماً فرص اللقاء مع المبدعين العرب اضاءات فاتتنا بخاصة وان بعض الاعمال تعتبر نادرة او نموذجية بالنسبة الى تمثيلها لتجارب صاحبها، وهو ما قد يعود بالفائدة اذا ما تلقفنا بعض هذه الجواهر غير المألوفة مما تعطي للسياحة في المعرض والكتاب اثارة نوعية جديدة لا تتطابق دوماً مع الخرائط الجمالية السكونية في النقد والتأريخ الفني، وهنا بعض حصاد هذه الذخائر: اذا ابتدأنا من "النهضوية" المصرية لتفوق قدمها الحداثي عثرنا على لوحة نادرة لراغب عياد تصور جاموسته تلف في فلك مطحنة القمح. تتحرك الاشكال وفق منظور عين الطائر الى الاعلى والأسفل وليس الى الأمام والخلف، اما لوحة "الفلاحات" لصلاح طاهر فتمثل اخصب مراحله البرزخية التي تقع بين بداياته الاكاديمية ونهاياته الحروفية المنمطة، ثم تبرز بشدة لوحة حامد ندا، هي مائية على ورق ترسم مسوخاً اسطورية عجائبية مصلحية تقع بين الاشارة الفرعونية والحساسية السريالية المحلية في الخمسينات، تنازعها الاهمية لوحة آدم حنين التي انتشرت على غلاف الكتاب لسبب اهميتها النموذجية ضمن مرحلة البناء التجريدي الذي زاوج فيه التراكم التصويري الفرعوني ببعض اتجاهات التجريد الغنائي بخاصة بولياكوف. كما تمثل لوحة مصطفى عبدالمعطي: "الدائرة والهرم" حساسية مدرسة الاسكندرية ضمن بلاغتها التشكيلية المتوسطية. السودان يمتاز القسم السوداني باختيارات مدهشة، تقع في ذروتها لوحة احمد عبدالعال، هي التي تتشكل من منحنيات مشرقية موشّحة بدرجات من اللون الاخضر الرهيف ومكملة القرميدي الخاص، ثم لوحة عثمان وقيع الله يبدو فيها لفظ الجلالة ضمن احتفاء لوني كرافيكي قدسي، نصل بعدها الى مأثورة محمد عمر خليل الطباعية، هو ابرز الحفارين العرب اليوم، تتشكل من تبصيمات ملونة كما تكشف حروف واشارات محمد شيرين المنقوشة على صحن خشبي، البعد الافريقي لدى رائد "الحروفية" في الستينات. لبنان اذا عبرنا الى "النهضوية" اللبنانية التي تتزامن مع الاستهلالات المصرية، اغبطتنا اختيارات التجريد ما بين صليبا الدويهي وشفيق عبود، ذخائر من المقامات المتوسطية المدهشة، يترصع الفراغ البرتقالي بجواهر الزمرد والعقيق، مروراً بالرسم الحر لدى أمين الباشا، ثم تبدو لوحة عارف الريس استثنائية في اصالتها وشكلها الصرحي باللون الاسود قبل ان نختم هذه الجولة بمنحوتة شوقي شوكيني، نموذج عن آلاته الخشبية المتناسخة عن الميكانيك السيميائي في الجنوب اللبناني وأدواته الريفية. فإذا ما حط بنا الترحال على الخريطة التشكيلية السورية عثرنا على اثمن جواهر محمود حماد تجريداً، وعلى ابلغ مزارات معلولا التي سكنت في السبعينات لوحات الياس زيات، وعلى لوحة من اشد اعمال سامي برهان الحروفية موسقة وتوقيعاً تمثل نوطة تتحرك على اسطرها وحدة لفظ الجلالة. كذلك فإن الاختيارات العراقية تبدو بالغة الاحكام ما بين لوحة جواد سليم عن مسجد حيدر خان ودرجاتها الرهيفة من اللون الاخضر اليابس وتجريدية شاكر حسن آل سعيد التي تتجمع شظاياها من سطوح قريبة من السيراميك النوراني، تبرز بعد ذلك تعبيرية كل من علي طالب وفتاح وسعاد العطار وراكان دبدوب وجعفر الكاكي وتجريدية استثنائية لصالح الجميعي، ناهيك عن اهمية انشاءات مهدي مطشر التي تعمر فراغها "المنمالي" بلاطات من السيراميك موشوقة باللون الازرق النيلي والمقزّح. الاردن تمثلت الاردن بعمل تجريبي فريد من النحت للرائدة فخر النسازيد تجميعات كريستالية، ثم الأميرة وجدان من خلال لوحة نورانية تزرع فراغها اربع اشارات او موتيفات فلكية. كما ترتشف لوحة سهى شومان احوال البتراء وشمسها الغاربة، وتكاد تكون قطعة سيراميك نجوى عناب من اشد ذخائر المعرض النحتية مفاجأة سارة، إضافة الى منحوتة منى السعودي الرخامية. أما العبور من المحترف الاردني الى الفلسطيني فيبدو متداخلاً مثل واقعه، وهنا يبرز عمل الاردني - الفلسطيني احمد نعواش ثم العالم الكنعاني الحزين لتيسير بركات والمتناسخ عن حساسية مدرسة الاسكندرية، يبدو عمق تأثير سيراميك فيرا تاماري بسبب براءة تراكماته الثقافية بما فيها موضوع المركز الكنعاني وشجرة الزيتون، تقع مطبوعة ليلى الشوا في موقع اسلوب بعيد، مستثمرة ما تراكم من توثيقات صورية حول اطفال الانتفاضة. برزت البحرين من محترفات الخليج، خصوصاً من خلال مأثورة رائدها ناصر اليوسف ولوحة "الصياد والطائر"، ثم التجريدية المتقشفة والسيالة لبلقيس فخرو، والنكهة الطباعية التعبيرية المتميزة في محفورة عبدالجبار الغضبان. السعودية ومن المحترف السعودي منظر يوسف احمد جاها العاصف والمأسوي ثم الجسد النحتي المفاهيمي لفيصل سمرة، وبرزت حروفيات فناني قطر الاصيلين يوسف احمد وعلي حسن، ثم لوحة الاماراتي عبدالقادر الريس في واقعيتها المدهشة التي تترصد يوميات الانتفاضة. المغرب فإذا ابتدأنا من تونس في المحترفات المغاربية طاولتنا تجريدية رفيق الكامل المجهرية بالأزرق والرمادي، وعمل فني بارز لقويدر التريكي، يسترجع فيه مسروداته الاسطورية وكائناته التطيرية الشعبية المحتشدة والمؤسلبة، إضافة الى تجريدية ورقية بالغة الخصوصية للحبيب بيده. تبرز من المغرب لوحة محمد المليحي ذات الألغاز والالتباسات البصرية المتقشفة، يقابله سيراميك عمر اليوسفي المثير والحلمي والسوريالي المباغت. تحضر لوحة محمد اكسوح من التجريد الغنائي الجزائري المتصل بمدرسة باريس. تبدو هذه الاسماء غيض من فيض المعرض والكتاب، فهو فرصة لإعادة تأمل خصائص وتداخلات الفن التشكيلي العربي المعاصر والحديث وما بعد الحداثي.