نجحت قمة الدوحة أم فشلت؟ الله أعلم. حتى الآن، وبعد مرور 48 ساعة على انتهاء هذا اللقاء، لا أحد يدري هل حققت قمة مجلس التعاون الثالثة والعشرون أهدافها التي يفترض انها جزء من طموحات الشعوب الخليجية، أم حققت هدفاً وحيداً، هو انقاذ نفسها من تبعات كأس الخلافات المرة. أما الثابت فهو استطاعتها الخروج بالحد الأدنى من الأضرار بعدما اتفقت على ادنى حد من المواقف. والذي لا يقبل الجدل هو ان ما صدر عنها لم يكن ملحاً إلى درجة الاصرار على عقدها، وتغيير مواعيد المسؤولين لتجنب الغياب عنها، واشغال مشاهدي القنوات الفضائية بالمؤتمرات الصحافية المثبطة للمعنويات. مَنْ يريد الافتخار بالانجاز الاقتصادي الذي تحقق بإعلان بدء العمل بالاتحاد الجمركي الخليجي، يستطيع ذلك. فالخطوة حقيقية ومهمة، على رغم انها كانت مقررة ومنتظرة. لكن القمة لم تكن معقودة في لوكسمبورغ أو فانكوفر لتتجاوز الموضوع الساخن الذي يقلق العالم العربي والخليج، بل في منطقة تغلي بأجواء المناورات والاستعدادات للحرب، وفي جوار أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الخليج لا ينكر القطريون انفسهم انها ستكون مركز العمليات في الحرب على العراق. لذا كان مثيراً للدهشة ألا تتمكن القمة من اتخاذ موقف من هذا التطور التاريخي والخطير، أقله التشديد على رفض مبدأ الحرب. وكان لافتاً اكتفاؤها بالاستعاضة عنه ببداهة التضامن مع الكويت في رفضها رسالة الاعتذار المخجلة التي أرسلها حاكم العراق. قارئ مقررات القمة أو مشاهد المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية القطري عقب اختتامها يستنتج ببساطة انها لم تكن ضرورية، وأن عدم عقدها كان أفضل، وأقل ضرراً. ذلك ان الجهد الذي انصبّ على تجنب الخلافات كان أكبر من الذي بُذل لتحقيق توافقات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وبدا واضحاً ان الغياب في القمة، اشخاصاً ومقررات، كان أبلغ بكثير من الحضور. لذلك فإن ما لم يقله البيان الختامي هو الجوهر، في حين ان ما أعلن ليس سوى "خريطة طريق" وهمية، وصف الشيخ حمد بن جاسم نفسه ما يماثلها بأنه "اضاعة وقت" في زمن الأحداث الكبيرة. قمة الدوحة، إضاعة وقت أم ملء فراغ؟ نجاح أم فشل، أم طراز ثالث؟ لا أحد يدري. لكنها بالتأكيد مبرر اضافي للمواطن العربي ليعلن يأسه من الحال التي وصل اليها "النظام العربي"، وليدرك حجم الزلزال الذي يضرب المنطقة ولا تستطيع الجامعة العربية ولا المنظمات الاقليمية العربية الأخرى التعامل معه بما يرفعها الى مستوى التحدي. أما الشيخ حمد بن جاسم، فهو، في تشديده على عجز الدول الخليجية والعربية عن كبح جماح الحرب او التأثير في الاحداث، عراقية أم فلسطينية، يتجاوز الواقعية المفرطة المعروف بها الى اثارة الاحباط. ذلك انه يلغي الفارق بين موازين القوى الفعلية وحق الاعتراض، ويعمم شعوراً بالاستكانة هو النقيض الآخر لمشاعر العنجهية المعبر عنها في الجامعة العربية. لا تناسب قمة الدوحة التي تميزت بالغياب وبفضائل الصمت بدلاً من النقاش في شأن التباينات، مستوى العمل الخليجي الموحد الذي بدأ قبل اكثر من عقدين، ولا طموحات الشعوب الخليجية التي تقف بإخلاص وراء مجلس التعاون، اضافة الى انها تكسر صورة كان الآخرون يطمحون الى محاكاتها. فالشعوب العربية غير الخليجية الملتاعة من نماذج الوحدات الفاشلة والشعارات القومية الجوفاء، كانت تنظر نظرة اعجاب الى هذا المجلس وتقدِّر فيه قدرة اعضائه على استخدام لغة المصالح الجريئة من غير تفريط بالثوابت. وهي باتت في اقل الاحتمالات، تنظر الى لقاء الدوحة على انه كبوة في سياق مسيرة خليجية لا بد أن تتجاوز الحساسيات. فمجلس التعاون مرّ بصعوبات حربين سابقتين في المنطقة لم تخلخل بنيانه، ويؤمل بأن يتجاوز محنة المرحلة الحالية بواقعية تجنبه رفع رايات العجز، لأن الشيخ حمد بن جاسم نفسه يعرف ان معنى ذلك في السياسة رغبة في دفن الرأس والوقوف على الهامش ومجلبة للتهميش والاستخفاف.