تخطو المرارةُ الى الأمام كلّما حلّت مناسبةٌ للحزن كمحارب مسلَّحٍ حتى الأسنان شلَّهُ الإحباط، لكي نطالب بالشفاء.. ربّما؟ مرغمين في لحظة الإحراج بكلّ ما فينا من قوّةِ اليأس على... و... في الريح في الريح المغرَمة بالاقتلاعِ الى أقصى حدّ والتي ليست ودودةً حقاً نتساند. لكلٍّ منّا جدارٌ نُسندُ إليهِ ظهرَنا المتعَب. لكلٍّ منّا حقيبةٌ فيها صورٌ مصفرّة لبضعة أجدادٍ ملتحين حاربوا في الجبال طوابيرَ من الأعداء بلا نهاية البعضُ ينهار البعضُ يبقى ويقيسُ حجمَ الإساءة في وجه التاريخ الجهْم هذه هي الأغنية التي يردّدها لنفسه، يغنيها للعابرين في أغرب الأماكن تاريخنا نحملهُ في حقيبةٍ، أيّامنا طوفان يا مركب جدّنا النائي أوتانا شتم يا سفينة سيّدنا نوح أهذهِ سماؤنا السابعة أم أنه ليس سوى القاع؟ هذه هي الرقصةُ الفظّة يرقصها في أحلامه أمامَ سيّد الملكوت لعلّه يسترعي التفاتةً عابرة لأننا عندما نلوّح في وداع تلك اللحظة كما يفعلُ المسافر من على ظهر السفينة لأطولِ ما يمكننا من زمنٍ قبل أن يتلقانا البحر في عناقه الهادر عندما نحلمُ بأننا نرسو في بلد الأشياء الأخيرة نلتقط أسماءَ الشوارع ونعرفُ أشخاصاً كثيرين فنحنُ في نهاية الأمر إنما نختار ولأننا اخترنا، ندّخرُ اسماً ما مثل كنزٍ عائليٍّ دفين: ليكون سدّاً في وجه الزمن منديلُ الجدّة الملطّخُ بالدم من عصر سنحاريب سقوطُ بابل على ظهر بُناتها الصابرين حفلاتُ البرابرة القُدامى والجُدد في خرائب نينوى أشجانُ آشور العتيقة وأسرارُها التي يلقى بها المهاجرونَ الى البحر كالفُتات الى النوارس من ظهر السفينة في طريقهم الى أميركا أو السّويد أو الى أستراليا. أو الجنّة. أو الجحيم. جئتُ اليك من هناك نهايةُ العام: عامُ النهايات الطقسُ والغربان، ضيقٌ في نَفَسي من كثرة التدخين، علّةٌ ما وحشةٌ، قلقٌ، ألمٌ دفين أطاحت بي لأطوفَ في أنحاء البلدة المقفرة وأقطعَ حول تلك الزاوية بالذات حيث لاقاني وجهاً لوجه قبل هبوط الليل: صديقي القصّاصُ هو بعينهِ لكن شيئاً أفرغَ عينيه من الضياء صديقي القديم الفَكِهُ هو بذاتهِ لكن شيئاً قلبَ قسماتهِ من الداخل: الحواجبُ بيضاء سوداءُ هي الأسنان اذا ابتسم لا فرحاً بدا كأنه يبكي ما وراء الحزن كما في صورة فوتوغرافيّة غير محمَّضة، كما في صورةٍ محترقة بأقلّ نفخةٍ تنهار... لاقاني وكنّا خارجين من عاصفةٍ بدأت منذ الأمس تجلدُ الجدران بلافتات المطاعم والدكاكين وتجعلُ أسلاك التلغراف تولولُ حقاً في تلك الساحة الخالية صرختُ: يا يوسف! ماذا حدث لوجهك يا يوسف ماذا فعلوا بعينيك يا يوسف ماذا فعلوا بعينيك وحقّ الله؟ قال: لا تسألني أرجوك. قال: إنه الدمار. قال: جئتُ اليك من هناك. قال: لا أنا. لا. لستُ أنا. لا أنتَ. لا، لستَ أنت" هُم هم واللقمة الأخيرة. لا أنا. لا أنت: هُم وصاحبُ الموت الواقفُ في الباب: اللاجئونَ على الطرقات الأطفالُ في التوابيت النساءُ يندبنَ في الساحات أهلكَ بخير يسلّمون عليك من المقابر بغدادُ سنبلةٌ تشبّثَ بها الجراد جئتُ اليك من هناك إنه الدمار قال لي وسارَ مبتعداً واختفى في كلّ مكان.