هل تحتفظ "اللا" الروسية للحرب الاميركية على العراق بصلابتها أم يمكن ان ترتخي وتلين، بقوة الضغوط أو بسحر الإغراءات، لتغدو "لعم" مغلفة؟ الجواب قد تفرزه اجتماعات مجلس الأمن الذي سيناقش مشروعين احدهما اميركي تصفه روسيا بأنه "مرفوض" لتضمنه بنوداً تسمح بالاستخدام التلقائي للقوة، والثاني فرنسي تعتقد موسكو ان فيه الكثير من العقلانية والتوازن. وشكل الانحياز الى المشروع الفرنسي، بحد ذاته، نقطة تحول في الموقف الروسي، اذ ان موسكو كانت ترى ان القرارات الدولية السابقة توفر الأرضية القانونية والاجرائية لعمل المفتشين الذين وافقت بغداد على عودتهم من دون قيد أو شرط. إلا ان الكرملين لم يكن يرغب في تأزيم العلاقات مع البيت الأبيض، ولذا اعتبر الاقتراحات الفرنسية حلاً وسطاً يكفل ان تشبع الذئاب ولا تفنى الغنم. وتنطلق روسيا من ان "اغضاب" الولاياتالمتحدة يعني فقدان شراكة استراتيجية، سياسية واقتصادية وتكنولوجية، تحتاجها موسكو وليس واشنطن. كما انه قد يدفع الولاياتالمتحدة الى تفعيل أدوات ضغط موجعة، لتحريك الشوكة الشيشانية أو افتعال أزمات بين روسيا وجاراتها كما حصل مع جورجيا أخيراً. وتخشى موسكو ان يؤدي قيام حكومة موالية لأميركا في بغداد الى فقدان عقود نفطية وغير نفطية قيمتها 40 - 60 بليون دولار، اضافة الى عقود سلاح محتملة في حال رفع العقوبات بالكامل. وقد قدّر خبراء روس احتياجات العراق في هذا المجال ب70 - 80 بليون دولار، هذا فضلاً عن ديون متراكمة قيمتها زهاء سبعة بلايين دولار. ويتحدث العاملون في مجال التخطيط الاستراتيجي عن "مثلث نفطي" يضم روسيا وايران والعراق، يمكن ان يغذي آسيا وجزءاً من أوروبا الشرقية ويوفر لموسكو صوتاً مهماً في تقرير استراتيجية الطاقة في العالم، بينما يؤدي اي تبدل جذري في العراق الى اسقاط هذا الاحتمال. وفي هذا السياق اكد خبير نفطي ان شركات نفط روسية بدأت تنفيذ عقود في العراق في الشهور الأخيرة، أي إبان احتدام الأزمة الراهنة، واعتبر ذلك مؤشراً الى احتمالين: أولاً ان موقف موسكو الرسمي لن يتغير وستظل متمسكة برفضها للحرب واعتبار الحرب نفسها غير حتمية. والاستنتاج الثاني قد يكون مفاجئاً، لكن المناورات الديبلوماسية والسياسية الروسية تصب في هذا الاتجاه. ويقول دميتري روغوزين رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما النواب ان إقدام الولاياتالمتحدة على عمل عسكري منفرد سيؤدي الى "الإضرار بالعلاقات التحالفية" بين الولاياتالمتحدة وأهم حلفائها وشركائها في حلف الأطلسي وال"G 8" أي مع روسيا ضمناً. ولكن رفض موسكو للحرب لا يلغي مطالبتها العراق بضمانات تمنع وقوع أي "مشاكل" جديدة مع المفتشين. وعلم انها دعت بغداد أخيراً الى التعهد بعدم التعرض لطائرات لجنة "انموفيك" حالما تبدأ نشاطها. وعلى رغم ان القيادة العراقية قدمت الكثير من التعهدات المطلوبة إلا انها في الوقت ذاته شددت على ان استمرار تحليق الطائرات الاميركية والبريطانية يجعل التعرض لأهداف جوية أمراً محتملاً. بيد أن الديبلوماسيين في موسكو يشيرون الى ان هذه وغيرها من القضايا الاشكالية قابلة للحل، إلا ان المعضلة، كما يرون، تكمن في ايجاد مخرج يضمن تراجعاً عن قرار الحرب من دون ان يفسر على أنه "هزيمة" لأميركا أو "انتصار" للعراق. وتوقع أحد الخبراء الروس ان تجرى محاولات لاقناع الولاياتالمتحدة وفرنسا بطرح مشروع مشترك يتضمن فقرات تبدو "متشددة" في كل ما يتعلق بعمل المفتشين وصلاحياتهم، وتلغي عملياً التفاهمات السابقة بين بغداد والأمين العام للأمم المتحدة في ما يتعلق بدخول "المواقع الحساسة" بشرط ألا يتضمن القرار أي بند يمكن تفسيره على أنه موافقة على استخدام القوة. وقال الخبير ان مجلس الأمن سيشهد "معركة إبقاء الولاياتالمتحدة في ملعب الشرعية الدولية" معتبراً ذلك الحل الأمثل لروسيا وسائر الأطراف.