ثمة سيناريوات للحرب المحتملة على العراق، وقراءات مختلفة لمضاعفاتها المحلية والاقليمية والعالمية واسقاطاتها على الأوضاع الاقتصادية والتوازنات الجيوسياسية. لكننا لا نجد الكثير من الأفكار عن العواقب التي يمكن أن تترتب على... عدم نشوب الحرب. وهناك ما يشبه الاجماع على أن واشنطن تجاوزت نقطة اللاعودة ولن تتراجع عن نيتها ضرب العراق، سواء بدعم دولي أو من دونه. لكن "اللا" الفرنسية - الروسية لمشروع القرار الذي اعدته واشنطن ولندن كانت أول اعتراض جدي على نية الولاياتالمتحدة تغيير قواعد اللعبة الدولية. ولباريسوموسكو دوافع متماثلة لرفض مشروع القرار: فهو يطرح فلسفة جديدة للتفتيش تفضي الى ان العراق، المتهم بحيازة أسلحة دمار شامل، يجب أن يثبت براءته، بدلاً من أن يتولى المفتشون البحث عن تلك الأسلحة. وسيكون تطبيق القرار انتقاصاً آخر من سيادة العراق، خصوصاً أنه يتضمن فقرة تطالب بنقل خبراء وعلماء عراقيين إلى خارج بلادهم لاستجوابهم. ولعل أهم فقرة اعترضت عليها فرنساوروسيا تتمثل في الدعوة السافرة إلى استخدام القوة في حالات بينها تقديم بغداد "معلومات غير صحيحة أو غير وافية"، ما يتيح إمكان التفسير الكيفي، بالتالي جعل السيف مسلطاً في صورة دائمة. هذه الصياغات دفعت موسكو إلى اعتبار تطبيق القرار في حال تبنيه "أمراً مستحيلاً سلفاً"، كما لمحت إلى نيتها تعطيله سواء باستخدام حق النقض الفيتو أو بتقديم اقتراح مضاد. لكن الأرجح أن روسياوفرنسا ستبذلان جهوداً لثني واشنطن عن طرح القرار في مجلس الأمن تفادياً لانقسام بين أعضائه الدائمين. كما انهما قد تمضيان شوطاً أبعد بمحاولتهما اقناع الولاياتالمتحدة بالعدول عن فكرة العلاج بالكيّ. وفي هذه الحال سيكون على موسكووباريس توفير سلّم يؤمن لبوش هبوطاً أميناً وكريماً من الشجرة التي تسلقها. ولو صدر قرار "اللاحرب"، وهو أمر يبدو شبه مستحيل، سيؤدي إلى مضاعفات قد لا تقل أهمية عن قرار الحرب. فهو، من جهة، قد يعقد وضع الرئيس الأميركي داخل بلاده ويعزز مواقع خصومه، إلا إذا أفلح سيد البيت الأبيض في تسويق مثل هذه الخطوة باعتبارها "كسباً للسلام" وليس خسارة للحرب. والأكيد أن مثل هذا القرار سيقلص احتمالات الجفاء بين واشنطن وكل من باريس وبون وموسكو، ويحول دون تمزق وحدة الائتلاف المناوئ للإرهاب، وإن كان ثمة من سيعتبره دليلاً الى وجود ثغرة في الجدار الأميركي، وبالتالي يعمل لتوسيعها. لكن قرار "اللاحرب"، بافتراض اتخاذه، لن يلغي أزمة الثقة بين بغداد من جهة، والولاياتالمتحدة وعدد من دول الجوار من جهة أخرى. وانهاء هذه الأزمة يقتضي من القيادة العراقية اجراء مراجعة جذرية لسياستها وخطابها وأدائها، وعدم الانسياق وراء اغراء الادعاء بأن عدم نشوب حرب هو "انتصار" أو "أم معارك" جديدة. ان التراجع عن حافة الكارثة يجب أن يسقط ذريعة "العدو الخارجي" التي كانت بغداد تحتج بها للرد على المطالب المشروعة بتحقيق الانفتاح والديموقراطية في الداخل.