اثارت زيارة وفد من المعارضة العراقيةلواشنطن لغطاً كبيراً في العديد من الاوساط السياسية والاعلامية العربية الرسمية وغير الرسمية، ولا يزال. وبمقدار ما يتعلق الامر بالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، باعتباره احد الاطراف الاساسية المشاركة في الوفد، لا بد أن نشرح وجهة نظرنا ونبين الاسباب التي دفعتنا الى المشاركة في الوفد واللقاء بالمسؤولين في الخارجية الاميركية ايضاحاً للحقيقة. ترددنا كثيراً بشأن بيان الاسباب لولا ان هذا اللغط اتخذ وجهة اخرى ابتعدت في الكثير من جوانبها عن الصواب والموضوعية ولم تصب للأسف الشديد "مقتلها" في مجمل ما قالته واكدته مع احترامنا للرأي والرأي الآخر. ولبيان الايضاح وتوضيح الأسباب نؤكد ما يأتي: 1 - نحن نعتقد ان الجدية الأميركية واصرار الادارة الجمهورية في واشنطن ليست "مغامرة" هذه المرة، بل هي توجه حقيقي علينا اغتنام فرصه التي تمنحها للاطراف المتضررة من صدام، ومخبول من يرفض الدخول في ساحة اغتنام الفرص، ولن نكرر خطأ البعض ب "التنديد" بأميركا في الصحف و"التفاوض" معها في السر! نحن في مجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق لن نفترض، بل لن نعطي لانفسنا حق "محاسبة" اميركا على اسنادها ودعمها للنظام طوال العقود الماضية ولسنا في وارد هذا الاجراء على الاطلاق، ان مسؤوليتنا السياسية الوطنية تفرض وتفترض العمل في ساحة اغتنام الفرصة السانحة اليوم، وهي فرصة ان لم نرتفع لاستحقاقها المفتوح والمنتج فإن الشعب العراقي مرشح لمجازر ابشع من بشاعة المجازر الحالية. لقد حدث ان تعامينا كمعارضة على مجازر النظام في الانتفاضة ولم نحسن التعاطي مع مخاوف السياسة الاميركية وقلقها ايام سقوط 14 مدينة ومحافظة عراقية بيد الثوار العراقيين. فانقلب الاميركان الى جانب "المهزوم" في حربه معها وتحولت هزيمته في الكويت الى مجازر بشعة بحق العراقيين ولسنا في وارد تعداد جرائم النظام واستخدامه مختلف انواع السلاح الكيماوي ضدنا، لكننا نقول اذا لم نحسن التعاطي مع المسألة الاميركية ونوظّف الطاقات والامكانات للانفتاح على الصراع مع الديكاتورية في بلادنا، فإن المجزرة الابشع امامنا. نحن في معركة تقع في زمان حرج ومكان اضيق بكثير من مضيق جبل طارق، مع ملاحظة تأثير ابعاد جهات المعركة وضغطها الميداني والسياسي والعقائدي والنفسي علينا، فالبحر من امامنا وصدام في بلدانا والاميركان يتطلعون الى العراق والديموقراطية والاصلاحات السياسية في الوطن العربي عبر الحملة العسكرية المقبلة. ولا نريد ان تخاطبنا امهاتنا واخواننا في السجون والمنافي وداخل اسوار الوطن المذبوح من الوريد الى الوريد ابكوا كالنساء على فرصة لانقاذ بلدكم لم تستطيعوا اغتنامها كالرجال ومن بين ابناء العراق في المجلس الاعلى اصحاب الخبرة والتاريخ الطويل من المواجهات السياسية في الداخل والمواجهات السياسية في الخارج وبني الاحمر في الاندلس درس سياسي مهم اقله اننا لن نسلم العراق ثانية ل"سايكس بيكو" 1916 ولن نسمح ان يكون مزرعة لعبد الرحمن النقيب - برسي كوكس وابنائهم من عائلة التناسل الامبريالي واشقائهم في السلطة امثال المجيد وطه ياسين رمضان وطارق عزيز وصدام. فإلى المزايدين نقول احتفظوا بمزايداتكم وللمطبلين كفوا عن التطبيل والتباكي على عراق صدام حسين ابو النعمة والحقائب السرية في فندق الرشيد وللمخلصين تريثوا قليلاً قبل اطلاقكم الاحكام القاسية!. 2 - قبل ستة شهور من توجه وفد المعارضة العراقيةلواشنطن لم تكن لدى المجلس الاعلى أية اتصالات مع الادارة الاميركية ولم نجرب اجراء اتصال من أي نوع وفي اي مستوى لايماننا ان الوقت لم يحن بعد لاجراء مثل هذه الاتصالات. وللحقيقة فإن المجلس الأعلى كانت لديه شكوكه المقنعة ازاء الجدية الاميركية حول اسقاط النظام وكنا نتحفظ دائماً في المشاركة باللقاءات والمؤتمرات والاجواء السياسية التي ترعاها الادارة الاميركية هنا وهناك، لكننا كنا ولا نزال نعتقد ضرورة توفير الاسباب الكافية لاسماع صوتنا السياسي ومظلومية الشعب العراقي للاوساط الاميركية وبدورنا نستمع الى وجهة النظر الاميركية، وهذا الاجراء الذي نمارسه ليس خلاف القاعدة او القواعد المعمول بها في كل السياسات والدول والانظمة الصديقة والمتشنجة مع واشنطن. وقد حققنا العديد من المكاسب السياسية ووفرنا على انفسنا وعلى غيرنا في المعارضة العراقية جهوداً وسقفاً زمنياً لم يكن اختصاره وتضييقه لولا العمل بقاعدة الاسماع والاستماع، ان مشاركة وفد المجلس الاعلى في اطار وفد المعارضة العراقية تعود اسبابها الى الرغبة في جس نبض الحركة السياسية الاميركية وجديتها وبالتالي تضييق مجال الانفراد في الحملة المقبلة واسماع الادارة الجمهورية صوت الاطراف الاساسية التي تصر على الشراكة على خلفية انهاء المعاناة وانقاذ المجتمع العراقي، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة 688 - 949 وان التغيير لا يتم الا على يد الشعب العراقي. 3 - ان وفد المجلس الاعلى لم يتوجه سراً للولايات المتحدة ولم يعقد اتفاقاً مع الخارجية والبنتاغون بشأن مستقبل العراق ولم يوقع على اي وثيقة تلزمه العمل بالقرارات والتوجهات الاميركية، بل انه ذكر المسؤولين الاميركيين باحترام رغبة الشعب العراقي الثابتة والتاريخية القاضية باقامة حكومة وطنية ديموقراطية تلبي طموحاته وتحقق اهدافه من دون ضغط او وجود اجندة املاءات من هذا الطرف او ذاك، لأن هدف قيام هذه الحكومة سيحقق بشكل طبيعي شروط الامن والاستقرار في العراق والمنطقة العربية على خلفية ان هذا الامن ظل غائباً في العراق والمحيط العربي بسبب الاجراءات والممارسات الارهابية لنظام بغداد عبر حلمه في قيادة العالم العربي ولو باستخدام القوة العسكرية. كما حدث في الثاني من آب 1990 باحتلال الكويت وتهديد المملكة العربية السعودية او في حربه الطويلة ضد ايران، كما ذكر وفد المجلس الاعلى المسؤولين الاميركيين بأن الشعب العراقي يرفض كافة اشكال الوصاية والاحتلال والهيمنة على مقدراته وسيادته ووحدته الوطنية. 4 - لم يذهب وفد المجلس الاعلى لواشنطن رغبة منه بزيارتها واستجداء للحلول الاميركية او اتكاء عليها في مهمة اسقاط النظام فالمجلس يمارس دوره الميداني والسياسي منذ اكثر من عشرين عاماً في الشمال والوسط والجنوب العراقي ومقاومته الوطنية المشكلة من فيلق بدر والعشائر العراقية في الجنوب والوسط اضافة الى ابناء العراق الذين يدعمون خططها واستراتيجيتها الميدانية تحولت الى ظاهرة وطنية لا يمكن ان يتخطاها احد وبهذا المعنى جاء الاعتراف الاميركي بالمجلس، وبهذا اللحاظ تمت المشاركة مع الاطراف العراقية وبناء على ذلك نعتقد ان مشاركة المجلس الاعلى في اجتماعات واشنطن جاءت تتويجاً لجهود ميدانية وسياسية طويلة بذلها المجلس في الداخل والخارج للتأكيد على دور المقاومة الوطنية الداخلية في تأصيل خيار التغيير. كما نعتقد ايضاً بأن المجلس اعاد صياغة قواعد العلاقة بين المعارضة العراقية والولايات المتحدة الاميركية فإذا كانت بعض القوى في المعارضة تتعامل مع التوجهات الاميركية بالشكل الذي يفقدها بعض الهيبة نتيجة لقاءاتها وعلاقاتها غير المتوازنة مع المؤسسات الاميركية، فإن المجلس الاعلى رفض الكثير من العروض كانت قدمت من قبل مؤسسات كبيرة وشخصيات مهمة لزيارة واشنطن منها دعوة آل غور نائب الرئيس الاميركي السابق للسيد الحكيم، ومؤدى رفض المجلس تلبية هذه الدعوات الشعور بأن الزيارات هذه ان لم تسفر عن نتائج حقيقية تفضي الى موقف اميركي جدي من النظام - فإنها تتحول الى سهرات تلفزيونية لا قيمة لها. لقد ذهبنا للولايات المتحدة بناء على دعوة منها ولشعورنا ان الموقف الاميركي من النظام في عهد الرئيس بوش يختلف كلياً عن الادارات السابقة كما ان تلك الدعوة كانت محددة بشرط اساسي هو امكانية تطبيق القرارات الدولية دون الحاجة الى العمل العسكري، لان من شأن تطبيق هذه القرارات 688 - 949 اضعاف بنية النظام العسكرية والامنية على الشعب العراقي وما بقي ستقوم المعارضة العراقية وارادتها الوطنية في الداخل به لاسقاط النظام. وللتاريخ نقول، بأن احداً من اطراف المعارضة العراقية الذين التقوا رامسفيلد وكولن باول وديك تشني لم يطلب من الاميركان مساعدة عسكرية او ان تقوم القوات الاميركية بهجوم شامل وكل الكلام الذي قيل ويدعي غير ذلك فهو اتهامات لن نعيرها اية اهمية. 5 - ان زيارة وفد المجلس الاعلى للولايات المتحدة لا تعني بالمطلق وجود تحالف بين المعارضة العراقية والادارة الاميركية او ان المجلس وضع كل أوراقه في سلة القوة العسكرية والقرار السياسي الاميركي، وهذا يعني ان المجلس الاعلى لا زال يعول على الامكانية والدور العربيين في حل الازمة المتفاقمة في العراق، بل انه يعتقد ان الجامعة يمكنها ان تلعب دوراً اساسياً في حل تلك الازمة تماماً كما فعلت ذلك في لبنان ايام قوات الردع العربية وتالياً الاتفاق على اعادة الاستقرار وبناء الدولة والمجتمع المدني والتوافق اللبناني العام الذي تم في الطائف. ولذا نعتقد ان الجامعة العربية ترتكب خطأ فادحاً اذا وضعت اوراقها وصدقيتها ووجودها في سلة صدام وسلطته الارهابية، وهو اختبار تاريخي لهذه المؤسسة العربية وضرورة وقوفها مع الشعوب وتحقيق اهدافها والمشاركة في تكريس وجودها وجديتها فيما كل زعماء العالم العربي يعرفون هذه السلطة وجبروتها وامتهانها للانسان، ان غياب الجامعة العربية في المسألة العراقية وخلفيتها الانسانية وعمليات القمع اللامحدود الذي تعرض اليه شعب العراق هو الذي يدفع بالمعارضة العراقية البحث عن أية نافذة تؤمن لها ايصال مظلومية شعبها ولو في آخر الدنيا! فهل ستقوم الجامعة بهذا الدور ام انها ستعمل في مشوار الازمة وتنأى بنفسها عن مضمونها الخطير؟! ممثل المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق وسورية ولبنان.