ليس هناك من شك بأن الأردن مرشح لأن يكون الأكثر تأثراً بالتغيير المرتقب في النظام العراقي، وهو ما بات مسألة وقت لا أكثر. إذ ليس هناك من يتوقع تراجعاً أميركياً في اللحظة الأخيرة عن قرار التغيير بالقوة، والذي وصل بوضوح الى نقطة اللاعودة. إلا أنه، خلافاً لبعض السيناريوات، من المستبعد أن ينعكس التغيير في بغداد، إعادة لرسم الحدود الجغرافية في المنطقة. إذ أن سابقة من هذا النوع قد تفتح الباب على مصراعيه لإعادة النظر في الحدود بين كل دول المنطقة، والتي هي من صنع الاستعمار الغربي، وهو ما لا يتماشى مع مصلحة واشنطن والدول المتحالفة معها من داخل المنطقة وخارجها. بل سيكون التغيير سياسياً، أقله في المدى المنظور، مع الحفاظ على الحدود الدولية القائمة. لهذا، يمكن استبعاد سيناريو اقامة وحدة بين الأردنوالعراق، تحت حكم هاشمي، أو أي حكم آخر. كما يمكن استبعاد سيناريو تهجير اسرائيل للفلسطينيين الى الأردن وإقامة وطن بديل لهم في المملكة على حساب النظام الحاكم فيها، أو العكس: فرض حكم أردني في الأراضي الفلسطينية بعد القضاء على السلطة الفلسطينية. الأرجح هو ان النظام العراقي الجديد، المتحالف مع والمدعوم من، أميركا، مرشح لأن يكون الحليف الاستراتيجي الثاني لواشنطن، بعد اسرائيل. وليس مستبعداً ان يسارع النظام الجديد في بغداد الى إبرام معاهدة سلام مع اسرائيل تعيد خلط الأوراق الجيوسياسية في المنطقة، ما سيؤدي الى سحب "المزايا التفاضلية" التي تمتعت بها، حتى الآن، كل من مصر والأردن. ويعني ذلك، بالضرورة، ان دور عمانوالقاهرة، في ما يخص مستقبل التسوية السلمية في فلسطين سيتراجع لمصلحة دور بغداد التي ستكون عمان متحالفة معها، ومع واشنطن، في اطار ما يمكن تسميته ب"حلف بغداد" الجديد. لا بد ان سيناريو كهذا سيدفع كلاً من عمان والى درجة اقل، القاهرة، الى اعادة صوغ دورها الاقليمي الذي ستضطلع به بغداد في شكل اكثر فاعلية في المرحلة المقبلة. وفيما لعب الاردن خلال العقود الاخيرة دور المنطقة العازلة بين اسرائيل ومنطقة الخليج حيناً، وجسراً بين اسرائيل والعالم العربي حيناً آخر، فإن هذا الدور سيفقد قيمته الاستراتيجية من منظور اميركي بعد ان تفرض واشنطن هيمنتها على العراق. فهل يعني ذلك ان الاردن سيصبح لاعباً اقل اهمية ضمن حلف بغداد الجديد؟ الاكيد هو ان التغيير في بغداد سيريح الاردن ويخلصه من معضلة او مأزق التجاذب والاستقطاب بين بغدادوواشنطن، الامر الذي تسبب في تشوهات سياسية واقتصادية ليس اقلها تراجع عملية التحول الديموقراطي وانكفاؤها منذ غزو الكويت وحرب الخليج الثانية، وزيادة التبعية الاقتصادية التي نتجت عن اعتماد الاردن على النفط العراقي من جهة، والمساعدات الاميركية من جهة اخرى. الا ان التغيير في بغداد قد يوفر للاردن فرصة لأن يستعيد زمام المبادرة في حال قرر اعادة اطلاق مسيرة التحول الديموقراطي التي عانت من الشلل خلال السنوات الأخيرة.، اذ ان التحول الديموقراطي في الاردن سيكون اسهل منه في العراق، وهو ما يمكن ان يعطي الاردن الميزة التفاضلية التي يحتاجها ليعيد صوغ دوره ليكون اكثر استفادة من السياق الاقليمي الذي سيفرض نفسه في المرحلة المقبلة. الرهان هو على مدى صدقية واشنطن في دعمها التحول الديموقراطي في المنطقة.