الاتحاد السعودي للهجن يقيم فعاليات عدة في اليوم الوطني السعودي    "مدل بيست" تكشف مهرجان "ساوندستورم 2024" وحفل موسيقي لليوم الوطني ال 94    الأخضر تحت 20 عاماً يفتتح تصفيات كأس آسيا بمواجهة فلسطين    "تعليم جازان" ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال94    الخليج يتعادل سلبياً مع الفيحاء في دوري روشن للمحترفين    "أكاديمية MBC" تحتفل بالمواهب السعودية بأغنية "اليوم الوطني"    رياض محرز: أنا مريض بالتهاب في الشعب الهوائية وأحتاج إلى الراحة قليلاً    مجلس الأمن يعقد اجتماعا طارئا لبحث التطورات في لبنان    شرطة نجران تقبض على شخص لحمله سلاحًا ناريًا في مكان عام    حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس ترومان» تبحر إلى شرق البحر المتوسط    بيع جميع تذاكر نزال Riyadh Season Card Wembley Edition الاستثنائي في عالم الملاكمة    الدرعية تحتفل بذكرى اليوم الوطني السعودي 94    «لاسي ديس فاليتيز».. تُتوَّج بكأس الملك فيصل    الناشري ل«عكاظ»: الصدارة أشعلت «الكلاسيكو»    وزارة الداخلية تحتفي باليوم الوطني ال (94) للمملكة بفعاليات وعروض عسكرية في مناطق المملكة    السعودية تشارك في اجتماع لجنة الأمم المتحدة للنطاق العريض والتنمية المستدامة    هزة أرضية جنوب مدينة الشقيق قدرها 2.5 درجة على مقياس ريختر    أمانة القصيم توقع عقداً لمشروع نظافة مدينة بريدة    رئيس جمهورية غامبيا يزور المسجد النبوي    ضبط مواطن بمحافظة طريف لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    أمين الشرقية يدشن مجسم ميدان ذاكرة الخبر في الواجهة البحرية    برعاية وزير النقل انطلاق المؤتمر السعودي البحري اللوجستي 2024    وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    نائب الشرقية يتفقد مركز القيادة الميداني للاحتفالات اليوم الوطني    جيش إسرائيل يؤكد مقتل الرجل الثاني في حزب الله اللبناني إبراهيم عقيل    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    الذهب يرتفع بعد خفض سعر الفائدة.. والنحاس ينتعش مع التحفيز الصيني    «الأرصاد»: ربط شتاء قارس بظاهرة «اللانينا» غير دقيق    بعد فشل جهودها.. واشنطن: لا هدنة في غزة قبل انتهاء ولاية بايدن    حافظ :العديد من المنجزات والقفزات النوعية والتاريخية هذا العام    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    إسرائيل - حزب الله.. هل هي الحرب الشاملة؟    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    قصيدة بعصيدة    قراءة في الخطاب الملكي    التزامات المقاولين    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    على حساب الوحدة والفتح.. العروبة والخلود يتذوقان طعم الفوز    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    نائب أمير منطقة جازان ينوه بمضامين الخطاب الملكي في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آراء المعارضة العراقية في امكان القيام بعملية عسكرية ضد نظام صدام . التحذيرات الاميركية واحتمالات ضرب العراق
نشر في الحياة يوم 24 - 10 - 2001

} في سياق الحملة العسكرية الاميركية على أفغانستان ومعسكرات بن لادن الذي اعتبرته واشنطن مسؤولاً عن العمليات التي ضربت نيويورك، انطلقت تصريحات بعض المسؤولين في ادارة جورج بوش لتلمح الى احتمالات تورط العراق في المشاركة بالاعداد لهذه العمليات، الأمر الذي دفع الكثير من المحللين الى الاعتقاد بأن العراق أصبح ضمن دائرة الأهداف المقبلة للعمليات العسكرية الاميركية، ويعني ذلك ان المساحة التي يتحرك فيها النظام العراقي حالياً ستضيق في شكل كبير، وستتقلص خيارات الافلات من الضربات الاميركية التي ربما تؤدي الى انهيار النظام وسقوطه، أو الى حرب اهلية تقوم خلالها تركيا باحتلال الاجزاء الشمالية من العراق وضمها الى اراضيها لمنع قيام دولة كردية أو الى سيناريوات مختلفة يصعب تصورها حالياً.
وأمام هذه المعطيات فقد ترك الرئيس الاميركي بوش منفذاً وحيداً امام نظام بغداد، وهو السماح للجان التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل بالعودة الى ممارسة عملها لتقويم الوضع، ومثل هذا المطلب يرفضه العراق جملة وتفصيلاً. ومعنى ذلك ان المواجهة مقبلة لاختلاف المواقف، وحينذاك ستتحدد ملامح القضية العراقية وتطوراتها بصورة جلية. وقد استطلعت "الحياة" آراء شخصيات عراقية معارضة حول الوضع الراهن والاحتمالات المطروحة في ما يتعلق بالموقف من النظام وامكان ضرب العراق من قبل الولايات المتحدة بعد هذه التلميحات في كونه ضالعاً في الارهاب، وما سيترتب من نتائج أو تطورات جراء ذلك.
يقول الدكتور موفق الربيعي عضو قيادي سابق في حزب الدعوة الاسلامية: ان القضية تبدأ من أميركا، فقرار الحرب قرارها، ونحن نعلم ان هذه الحرب تأخذ احتمالين، الأول فيما اذا كان هذا القرار بفعل الضغط الذي يمارسه اللوبي الصهيوني واليمين الاميركي المتطرف، فإن النتائج ستكون ليس مكافحة الارهاب وانما حرب حضارية بين اميركا والاسلام، وستشن هذه الحرب لا فقط على الحكومات الاسلامية وانما ايضاً على الشعوب الاسلامية والفكر الاسلامي والثقافة الاسلامية حتى تصبح حرباً حضارية، اما كيف يمكن ان نقلق من النيات الاميركية؟ الجواب هو ما قاله بوش بأنها ستكون "صليبية"، وكذلك دور الاعلام الاميركي الذي تسيطر عليه الصهيونية، فهو لا يميز بين الأعمال الارهابية التي يقوم بها بعض الناس وبين الاسلام الذي يرفض الارهاب، فهذا الاعلام يحاول ان يصور القضية وكأنها حرب حضارية والواقع ان اسرائيل تدفع بهذا الاتجاه لكي تصفي حساباتها مع العالم الاسلامي، وتريد أن يقوم الغرب بمواجهة العالم الاسلامي نيابة عنها. أما الاحتمال الثاني فإن قرار الحرب يأخذ بالاعتبار الرأي العام الاميركي، لذلك ستكون هذه الحرب موجهة ضد الارهاب ولها معالم محددة وأهداف محددة، ولذلك أيضاً ستكون معركة أمنية اكثر مما هي معركة عسكرية.
أما بالنسبة الى القضية العراقية، فإن الأمر فيه بعض التعقيد، فالضربة المقبلة اذا تمت فإنها ستخضع لثلاث خيارات، الأول ان تكون ضربة مشابهة أو أقوى من ضربة عام 1998 التي دامت ثلاثة ايام، وستضعف القدرة العسكرية العراقية وتؤدي الى سقوط عدد من المدنيين ولكنها ستجلب المزيد من التعاطف العربي والاسلامي لصدام ونظامه، ومن ثم تعود الأمور الى نقطة الصفر بعد ذلك. أما الخيار الثاني فهو محاولة اسقاط رأس النظام واستبداله بعسكري يحاول ضبط الامور ويصفي اسلحة الدمار الشامل نيابة عن الحلفاء. وهذا الخيار يريده الحلفاء، ولكنه لا يكفي الشعب العراقي، لأنه يستبدل دكتاتور بدكتاتور آخر. بينما يقوم الخيار الثالث على أن يقوم العالم والأسرة الدولية ومن خلال الأمم المتحدة بإعداد خطة كاملة سلة تبدأ بحرب على رأس النظام ومؤسساته العسكرية والأمنية وحرمانه من مصادر العملة النفطية وتجميد أمواله في الخارج واعطائها الى قوى المعارضة العراقية، وسحب الاعتراف الدولي به سياسياً وديبلوماسياً واعلان عدم شرعيته أو تمثيله للشعب العراقي مع شن حملة اعلامية وسياسية على نطاق العالم العربي والاسلامي والدولي، ودعم المعارضة العراقية على الأرض العراقية من أجل اسقاط النظام واقامة نظام برلماني دستوري.
ولكي نساعد الغرب في التحول من الحرب الحضارية الى المعارك الأمنية، ونفشل خطط اسرائيل والصهيونية واليمين المتطرف لا بد من أن نشجع التحركات والنشاطات النابعة من الأمم المتحدة وليس من الولايات المتحدة، ونشجع اشتراك اوروبا وروسيا والدول الاسلامية في هذا التحالف للحد من الانفراد بقرارات سياسية خطيرة تحت حجة محاربة الارهاب.
وبخصوص الارهاب الذي تحاول بعض الأوساط الغربية لصقه بالاسلام، فالأحرى بنا أن نواجه هذه التهمة وأن نؤكد بأن العالم الاسلامي أحق بتنظيف بيته من الفكر المنحرف، لذلك ندعو العالم العربي والاسلامي الى استنكار الارهاب بأشكاله كافة والاصرار على الفرق بينه وبين المقاومة الوطنية التحررية ضد الاحتلال، وان يتشكل جيش اسلامي للتدخل السريع من الدول الاسلامية يقوم بمهمة محاربة الارهاب بنفسه وليس من قبل دول أجنبية. ان الذي نراه من اعمال ارهابية في بعض الأحيان يأتي بفعل السياسة العمياء التي تمارسها اميركا في الشرق الأوسط وخصوصاً في دعمها لاسرائيل وكذلك دعمها للنظم الديكتاتورية في العالم الاسلامي.
اتحاد الديموقراطيين
ويعود الدكتور فاروق رضاعة قيادي في اتحاد الديموقراطيين العراقيين في تناوله للوضع الراهن والموقف الاميركي من بعض الدول ومنها العراق الى فترة الحرب الباردة حينما كانت القضية الاساسية بالنسبة الى سياسات الولايات المتحدة هي محاربة الشيوعية والاتحاد السوفياتي منطلقة من الاعتبارات ذاتها حينما صنفت دول العالم الى دول مع اميركا ودول ضد اميركا ومع الاتحاد السوفياتي. ويقول: قدمت الولايات المتحدة الدعومات المستمرة للحكومات الديكتاتورية التي تضطهد شعوبها لأن هذه الحكومات كانت تعادي الاتحاد السوفياتي وكذلك شجعت الاعمال الارهابية والانقلابات العسكرية الدموية كما حدث في ايران ضد مصدق وفي العراق ضد عبدالكريم قاسم وفي تشيلي ضد الليندي وغيرهم. أما الآن وبعد غياب الاتحاد السوفياتي فقد تحولت القضية نحو منابع النفط وضمان استخراجه وتصديره، والنفط هو عصب الحياة الاقتصادية للعالم، وما يهدد تدفق النفط هو الارهاب سواء كان ارهاب تنظيمات او دول. ان أولى القضايا التي تبعث على عدم الاستقرار والتي يعمل اسامة بن لادن واتباعه على استثمارها هي القضية الفلسطينية، أو ما نستطيع قوله الاعمال الارهابية التي تقوم بها اسرائيل. فاسرائيل التي ولدت من رحم الارهاب النازي ضد يهود أوروبا الذي تحول بعد سقوط النازية الى عقدة لم تستطع اسرائيل التخلص من هذه العقدة فأخذت تضطهد ضحاياها وتزاول الارهاب ضد الفلسطينيين، وتمارس ارهاب الدولة المنظم.
ولكي تؤكد الولايات المتحدة صدقيتها في محاربة الارهاب وبمثل ما تطالب به العراق بتطبيق قرارات الشرعية الدولية مهددة اياه تارة ومستعملة السلاح تارة أخرى، فعليها أن تعمل بالضغط على اسرائيل من أجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية والانسحاب من كل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وبذلك تضع حداً للارهاب الاسرائيلي.
هناك تصريحات مختلفة تجاه العراق من أوساط الادارة الاميركية، إذ تشير التقارير التي نشرتها الصحف ووسائل الاعلام البريطانية بأن السلطة العراقية غير متورطة في العمل الارهابي الذي وقع في 11 أيلول سبتمبر، ولكن البعض الآخر يستند للسجل الارهابي الحافل للسلطة العراقية، من غزو الكويت الى استخدام الاسلحة الكيماوية ضد مدينة حلبجة والذي أدى الى موت أكثر من خمسة آلاف مواطن كردي من أبناء المدينة، وكون العراق ما زال رافضاً استقبال فرق التفتيش الدولية للتأكد من خلوه من اسلحة الدمار الشامل، وأعتقد ان هذا الموضوع هو الذي سيثار بعد الانتهاء من طالبان.
ستقوم واشنطن بمطالبة العراق بالسماح لهذه الفرق للقيام بأعمالها داخل العراق، فإذا تراجعت السلطة الحاكمة في بغداد عن مواقفها الحالية وسمحت بدخول هذه الفرق، وإذا أعلنت هذه الفرق عن نظافة العراق من أسلحة الدمار الشامل فمن الممكن أن تفتح صفحة جديدة بين الولايات المتحدة والسلطة الحاكمة، أما اذا أصرت السلطة على موقفها الرافض فسيكون ذلك مبرر للولايات المتحدة بأن تعمل بصورة جدية للاطاحة بالنظام وتنصيب حكومة جديدة مسايرة على الأقل للسياسة الأميركية في المنطقة.
والواقع ان بامكان الولايات المتحدة ومن معها في التحالف أن تنجز الشيء الكثير ضد الارهاب فيما اذا أعادت النظر في مجمل سياستها ومواقفها الخارجية، وبذلك تضمن ان رحيل بن لادن وطالبان سوف لن يسمح بظهور بن لادن جديد وطالبان جديدة، ولكن ليس من خلال ايجاد سلطة تساندها بينما تحكم شعبها بالارهاب.
المجلس الحر
وانطلق السيد حليم الرهيمي عضو المكتب السياسي للمجلس العراقي الحر في تحليله للوضع الراهن وآفاقه من توقعات المعارضة العراقية وتقديراتها تجاه القضية العراقية عموماً، وأشار في هذا السياق الى ان المعارضة العراقية قد عبرت بمختلف تياراتها وتنظيماتها وشخصياتها المستقلة عن إدانتها الشديدة للعمليات الارهابية التي نفذت في نيويورك وواشنطن يوم 11 ايلول الماضي، وذلك على رغم ان البعض قد استدرك ب"لكن" باعتبار الهجمات هي بمثابة رد فعل على السياسة الاميركية، وهذا غير صحيح، وان كان صحيحاً فهو أمر مرفوض ومدان بشدة.
أما الموقف من الحملة الدولية لمكافحة الارهاب التي تتصدرها الولايات المتحدة، وحلفاؤها الأوروبيون أساساً، والتي تسعى لتشكيل تحالف دولي واسع لتحقيق هذا الهدف، فإن مواقف المعارضة ازاءه اتسمت بالتباين والتردد والغموض. ففي حين عبرت قوى وشخصيات عدة عن تأييدها لهذه الحملة وأهدافها المعلنة، بالتصريحات أو بوسائل اعلامية كثيرة، فإن قوى وشخصيات أخرى عبرت عن خشيتها بأن تكون ثمة أهداف غير معلنة لهذه الحملة، منها فرض الولايات المتحدة الاميركية لهيمنتها على العالم، أو ان يؤدي استخدام القوة لانجاز هذه الحملة الى الاضرار بالمدنيين ووقوع الضحايا، والى غير ذلك من أسباب. أما في ما يخص احتمالات توجيه ضربة عسكرية الى العراق في اطار الحملة الدولية لمكافحة الارهاب، فقد اتسم موقف المعارضة بالحيرة والارتباك، ولم يجر التعبير عنه بوضوح بعد حتى الآن.
ففي حين تبدو المعارضة غير معنية بما يقال، حيث لم توسع نطاق تحركها واتصالاتها مع بعضها أو مع الدول المعنية، لتحرير مثل هذا الموقف الواضح المطلوب، عبر بعض تنظيماتها عن رفضه لأي ضربة عسكرية للعراق لما ستلحقه من أضرار ودمار من بنيته التحتية، ومن اضرار بشعبه. ولكن، ثمة رأي عام قوي سائد، لم يتبلور بعد في موقف معلن يقول، انه يرفض ويدين بشدة أية ضربة عسكرية جديدة واسعة توجه للعراق ما لم يكن هدفها المعلن والحقيقي اطاحة النظام القائم وتغييره واقامة حكومة ائتلافية بديلة تكون احدى مهماتها محاسبة قادة النظام ليس فقط في دورهم المفترض بالاعمال الارهابية التي وقعت في نيويورك وواشنطن، انما محاسبة رأس النظام ومساعديه على كل ما ارتكبوه ضد الشعب العراقي وشعوب المنطقة طوال العقود الثلاثة المنصرمة. والاعتقاد السائد، ان تتمكن المعارضة العراقية من الخروج من دائرة الحيرة والتردد بصوغ موقفها المشروط من أي ضربة محتملة، سيوجب عليها التحرك نحو الدول العربية والاقليمية المعنية، والى الولايات المتحدة للبحث في الشكل العملي لتغيير النظام واطاحته دونما حاجة ربما الى أي عمل عسكري، أو أخذ ضمانات دولية واقليمية بتقديم المساعدة العسكرية للشعب العراقي وقوى المعارضة في حال اندلاع انتفاضة عسكرية - شعبية، وسيسعى النظام الى قمعها بكل قسوة، كما حدث في انتفاضة ربيع 1991.
ويبدو لي ان الطريق الى ذلك صعب ومحفوف بالعقبات التي على جميع قوى المعارضة تذليلها، وهو أمر ممكن، بالتحرك الواسع النطاق لتوحيد مواقعها وصفوفها ازاء ما يحدث، وباقامة أوسع الاتصالات والحوارات مع دول المنطقة المعنية، ومع الولايات المتحدة، لاتخاذ مواقف وسياسات موحدة تجاه الوضع في العراق ومستقبله.
الضربة مقبلة
وأكد السيد اسماعيل القادري سياسي مستقل، وديبلوماسي سابق أن مجريات الوضع الجديد لا بد من أن تقود الى ضربة عسكرية تشنها الولايات المتحدة ضد العراق مستنداً الى جملة اعتبارات لخصها على شكل نقاط محددة كالآتي:
أولا: وجهت الولايات المتحدة يوم الاثنين الماضي 8/10/2001 رسالة الى مجلس الأمن الدولي اعلمته فيها بأنها قد توسع نطاق عملياتها العسكرية الحالية والمستهدفة حركة طالبان وتنظيم القاعدة الذي يتزعمه اسامة بن لادن في أفغانستان، الى دائرة أبعد لتطاول دولاً ومنظمات متهمة بممارسة الارهاب ودعمه ووفق تصنيفاتها ومعاييرها. هذا الموقف، أثار عاصفة من التعليقات المعبرة عن القلق العالمي منه والمعززة للرأي القائل بان الولايات المتحدة تحاول الهيمنة على العالم من طريق القوة المطلقة بأوجهها الرئيسة الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وتسييره خدمة لمصالحها فقط. ومنذ احداث ايلول الماضي في نيويورك وواشنطن، لم تهدأ أوساط رسمية واعلامية في الولايات المتحدة وبمستوى أقل في بريطانيا من اتهام صدام حسين ونظامه في الضلوع في تلك العمليات الارهابية بابراز قصص عن لقاءات حدثت بين مسؤولين أمنيين في النظام العراقي مع عناصر تابعة لتنظيم القاعدة اسامة بن لادن في خارج العراق ولا تتردد بعض الروايات غير المثبتة في التأكيد أن بن لادن زار بغداد العام 1998 واجتمع هناك مع عدد من مسؤولي نظام صدام ومن بينهم نائب رئيس الوزراء طارق عزيز، هذا في الوقت الذي بدا فيه النظام محاولاً الخروج من رد الفعل الغريزي الأول لرأسه والذي أثار الاستهجان والاستغراب ازاء ما حدث من اعمال ارهابية، وليتذكر ولو متأخراً بأن عليه التصرف بمنطق حكومة مسؤولة على أقل تقدير. وراح طارق عزيز بعيداً في محاولته دفع التهم الموجهة لنظامه في هذا الخصوص حين أكد في لقاء له مع محطة السي أن أن بأن نظامه لا يعترف أساساً بحكومة طالبان وإنما هم يعترفون بحكومة الرئيس المخلوع برهان الدين رباني من تحالف الشمال وأن ممثل هؤلاء هو المعتمد لديهم في بغداد. لكن بدء العمليات العسكرية الجوية للتحالف يوم الأحد الماضي في أفغانستان جعلت نظام صدام يزداد قلقاً إذ انعكس ذلك على سلسلة من المظاهرات التي تحشدها أجهزة السلطة الحاكمة في بغداد وبقية المدن تحت لافتة ادانة القصف ونصرة افغانستان، وعلى رغم التأكيدات التي تصدر من اميركا وبريطانيا بنفي وجود علاقة مباشرة بين نظام صدام وأحداث ايلول، إلا أن توتر النظام وتصعيده الاعلامي يبينان بأنه قد يكون المستهدف في مرحلة لاحقة، إذ من السهولة بمكان تفعيل كل المفردات الخاصة بجرائم النظام تجاه الشعب العراقي وانتهاكاته لحقوق الانسان اضافة لما هو مثبت عليه من خلال سوابقه وتورطه في أعمال ارهابية في الوسط المجاور للعراق وغيره، وتهديده المستمر لعوامل الأمن والاستقرار في المنطقة وتحديه للقرارات الدولية، وعدم انصياعه لها خصوصاً في ما يدعيه الغرب باستمرار امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل في العراق. في فترة مقبلة ليست بالبعيدة، قد تأتي المواجهة المسلحة من خلال التصعيد الاميركي البريطاني مع نظام صدام حينما يحين وقت الاستحقاق لتجديد العمل بمذكرة التفاهم حول برنامج النفط في مقابل الغذاء في شهر كانون الأول ديسمبر المقبل، إذ يرجح ان يعاد طرح المشروع البريطاني المعروف بالعقوبات الذكية على بساط البحث والمناقشة والاقرار من قبل مجلس الأمن الدولي وذلك بعد أن جابه في الماضي القريب عراقيل روسية أدت الى تأجيل التصويت عليه خوفاً من سقوطه بفعل الفيتو الروسي، وإذا ما جرى هذا السيناريو ونجح التنسيق الاميركي - الروسي الذي تشهده الساحة الدولية حالياً، واستمر صدام ونظامه في رفض المشروع بعد أن يتم اقراره بنجاح من الدول الخمس الدائمة العضوية صاحبة حق الفيتو وغالبية الدول العشر غير الدائمة العضوية، إذ يمكن ألاّ توافق عليه سورية بعد صعودها لعضوية المجلس بدلاً من تونس الأسبوع الماضي وللسنتين المقبلتين، عندها يمكن أن يأخذ التصعيد الغربي إطاراً قانونياً يتشكل بموجبه تحالف اقليمي هدفه المعلن هو اجبار صدام على القبول بقرارات الشرعية الدولية وتنفيذها، وباعتقادي أن مثل هذا السيناريو مرتبط بتقدمه ونجاحه بما ستولده العملية العسكرية الجارية في أفغانستان وتداعياتها السياسية من جهة، وما يمكن أن تتقدم عليه القضية الفلسطينية من انتزاع لحقوق الشعب العربي الفلسطيني في حركته المجاهدة لتثبيت حقه الوطني التاريخي في تقرير مصيره على أرضه وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، خصوصاً بعدما أشار ياسر عرفات الى تطورات ايجابية على الموقف الاميركي بهذا الخصوص وذلك حينما ألقى كلمته في مؤتمر وزراء خارجية دول المؤتمر الاسلامي الذي عُقد في العاصمة القطرية الدوحة يوم الأربعاء 10/10/2001، علماً أن الموقف البريطاني اتخذ المنحى الاميركي بهذا الخصوص وذلك أثناء زيارة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لكل من سلطنة عمان ومصر. لذلك فإن احتمالات المواجهة تبقى قائمة ضمن المعطيات المرئية وقد تتسارع وتأخذ شكلاً ساخناً اذا ما دخلت تحت خانة الارهاب الدولي ومحاربته على أسس موضوعية واثباتات حقيقية بعيدة من النوازع الصهيونية والاهداف الاسرائيلية التي تحاول ومنذ اليوم الأول التأشير على أنظمة من العالم العربي والاسلامي ومنها نظام صدام في محاولة مكشوفة لتوسيع دائرة الصدام الغربي الحالي ليشمل بعض الدول العربية.
ثانياً: ان الهدف المعلن المرفوع لحركة المعارضة العراقية وقواها السياسية خلال ربع القرن الماضي، هو شعار اسقاط النظام الحالي في العراق كحل أوحد وبديل في سبيل نهوض عراقي حقيقي وإقامة نظام انساني وديموقراطي، وأصبح هذا الشعار القاسم المشترك لها وذلك على اختلاف رؤاها السياسية والفكرية للعراق وطناً وشعباً. وكثفت تجربة السنوات العشر الماضية - خصوصاً بعد الهزيمة السياسية والعسكرية التي مني بها نظام صدام في حرب الخليج الثانية العام 1991 ونجح في ازاحة عواقبها وترحيل استحقاقاتها الى كاهل الوطن والمواطن العراقي - الواعي وبلورت التهم الموجهة للولايات المتحدة حول دورها في استمرار هذا النظام خدمة لمصالحها، لذلك فإن أي قرار اميركي في هذا الشأن يجب أن يتعامل مع جملة الشكوك المتراكمة تجاه السياسة الاميركية من مستقبل العراق وهي شكوك ولّدها الواقع المرير الذي عاشته وتعيشه الجماهير العراقية داخل الوطن وخارجه مع سياسات ادارتي الرئيسين السابقين جورج بوش الأب وبيل كلينتون.
ويمكننا في هذا الصدد أن نسلط الضوء على مفردتين مهمتين للعمل الوطني العراقي المعارض هما، الأولى: ان الحرب الأهلية يجب ألا تكون بديلاً لحكم صدام على رغم اجرامه وقسوته، والثانية هي أن تحرير العراق من نظامه يجب أن يكون الطريق لاستعادة الشعب العراقي لسيادته المثلومة على كل الجغرافيا العراقية، خطوة أولى وأساسية لقيام نظام عراقي تعددي يسعى لاطلاق الحريات واشاعة الديموقراطية ويسهم بفاعلية في تحقيق السلم والأمن في المنطقة.
ثالثاً: لن تكون ردود الفعل العربية بداية ايجابية لجهة هذا التطور اذا ما وسعت واشنطن حملتها العسكرية الحالية لتشمل نظام صدام استناداً للتجارب الماضية في التعرض العسكري لقصف العراق وهو ما تمارسه واشنطن ولندن الآن يومياً ومنذ عمليات ثعلب الصحراء في كانون الأول 1998،لأن الواقع العربي الرسمي والمتفاهم مع الولايات المتحدة لا يستطيع التضحية بمصالحه الاقتصادية المتحققة التي تطورت كثيراً خلال السنوات الماضية ومنذ تطبيق مذكرة التفاهم بين الأمم المتحدة ونظام بغداد وأتاحت الفرصة لعودة تدفق النفط العراقي للأسواق الدولية تحت آلية النفط في مقابل الغذاء والدواء.
أما ردود الفعل الدولية فستأخذ أيضاً في تشكلها طبيعة العلاقة والمصلحة بين أية دولة في بغداد، وقد تتراجع كل هذه التحليلات على الصعيدين العربي والدولي اذا ما ثبت تورط نظام صدام بالعمليات الارهابية العالمية. وتبقى كلمة أخيرة، ألا وهي ان القضاء على مظاهر الارهاب الحالي غير كافية من دون معالجة صادقة لأسبابه السياسية والاقتصادية وعزلة كلية عن حق الشعوب في مقاومة المحتلين والغزاة وكما يجري من قبل الشعب الفلسطيني ضد المحتلين الاسرائيليين، والعمل على ازالة الكثير من عوالم الظلم والاستغلال التي تتحكم في عالم اليوم. فالظلم موجود في كل زمان، لكن تطور وسائل الاتصال في العالم جعلت الاحساس به مؤثراً وعالياً، وبالتالي التحرك لمقاومته يأخذ أشكالاً عنيفة ومأسوية بعض الأحيان.
ومن منطلق الحكمة العربية القائلة صديقك من صدقك لا من صدقك يجب أن يقال للولايات المتحدة بأن تعيد النظر جذرياً في سياستها تجاه المنطقة العربية ومشكلاتها وأن تعمل على إحقاق الحق وتنبذ الكيل بمكيالين بانحيازها الأعمى لاسرائيل وعدوانيتها ضد العرب، وأن تدرك بأن مصالحها في العالم العربي هي مع الشعوب المتطلعة نحو الحرية والحياة الأفضل، وستكون صداقتها حقيقية ودائمة اذا ما بنيت على الصراحة والاحترام".
ان احتمالات ضرب العراق مسألة قائمة، إلا أنها في الوقت الراهن ربما أجلت الى أمد آخر انطلاقاً من التصريح الأخير الذي أطلقه الرئيس بوش، حين قال إن واشنطن تراقب الرئيس العراقي الذي يجب أن يقبل عودة المفتشين الدوليين الى العراق. وفسرت هذه العبارة بأن امام صدام فسحة من الوقت، ربما تحتاجها واشنطن الى أن تحين الظروف المناسبة لتوجيه الضربة، لذلك فإن كل الاحتمالات واردة، بيد أن احتمال الضربة الاميركية يعتمد أولاً وأخيراً على تنفيذ أو عدم تنفيذ القرارات الدولية.
* كاتب وصحافي عراقي مقيم في بريطانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.