كانت السنة 2001 كارثة على العرب والمسلمين، ولا أملك كرة بلورية لأعرف إن كانت هذه السنة بداية نهايتهم أو بداية جديدة. أكتب عما أعرف فقط، وهو باختصار ان اسرائيل فقدت حقها في الوجود، فقد أثبت اليهود فيها أنهم فروا من النازية ليبنوا دولة نازية الصبغة، عسكرية توسعية مهيمنة. وهم اذا انتهوا من الفلسطينيين فسيكملون بالعرب حولهم، ويوسعون حلقة السيطرة تدريجياً. اسرائيل ما كان لها حق في الوجود أصلاً، فالفلسطينيون لم يقتلوا اليهود في أوروبا حتى يعطوهم بلدهم أو جزءاً منه. غير أن اسرائيل قامت، ورفض الفلسطينيون في البداية وجودها، ورفضه معهم العرب والمسلمون، غير أنهم قبلوا في النهاية وجودها، لا عن اقتناع وانما عن هزيمة. قبلوا 22 في المئة من أرضهم، فلم يقبل الاسرائيليون. القرار 242 بعد حرب حزيران يونيو 1967 دعا الى الانسحاب من الأراضي المحتلة، والقرار 338 بعد حرب 1973 دعا الى تطبيق القرار 242 فوراً. واتفاقات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل سنة 1979 نصّت على تطبيق القرارين 242 و338. والادارة الاميركية في أيلول سبتمبر 1982 أعلنت رسمياً وحرفياً "ان موقف الولاياتالمتحدة هو أنه مقابل السلام فالانسحاب بموجب القرار 242 ينطبق على جميع الجبهات بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة". وكان الانسحاب هذا، تدريجياً، هو ما تفاوض عليه الفلسطينيون والاسرائيليون في أوسلو، وما تصافح عليه ياسر عرفات وإسحق رابين في حديقة البيت الأبيض سنة 1993. ما أعرف بعد 35 سنة من الاحتلال هو أن الاسرائيليين لن ينسحبوا من الأراضي المحتلة اي من 22 في المئة فقط من أرض فلسطين، وان الموقف العربي المنطقي الوحيد هو أن ينسحب العرب من اعترافهم الرسمي باسرائيل مصر والاردن ومن اعترافهم الضمني بقية العرب. اليوم لم يبق من السياسة العربية سوى أن السلام "خيار استراتيجي". لماذا كذلك؟ كان العرب يريدون تحرير فلسطين، واسرائيل تريد السلام ضمن ما احتلت من فلسطين، واليوم يريد العرب السلام الاستراتيجي وترفضه اسرائيل، فهي تحتل الأرض، وتتأهب لنشر هيمنتها على المنطقة كلها. مع ذلك لا يزال السلام هو الخيار الاستراتيجي للعرب كلهم. الخيار المنطقي هو الحديث عن السلام، كما تفعل اسرائيل، والعمل لتفكيك هذه الدولة العنصرية التوسعية النازية الميول. لا أدعو الى حرب البتة، وقد عارضت كل حرب، وأعارض عمليات حماس والجهاد، كما أعارض الارهاب الاسرائيلي الذي أطلقها، ولكن أدعو الى تصعيد عربي مقابل التصعيد الاسرائيلي، فقد كان شرط الاعتراف باسرائيل والعيش بسلام معها، هو انسحابها من الأراضي المحتلة، وقيام دولة فلسطينية مستقلة. هناك أسباب كثيرة لتحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية انهيار المفاوضات، وهناك أسباب مماثلة لتحميل الحكومة الاسرائيلية في حينه المسؤولية. غير ان الحقيقة الوحيدة الأكيدة هي ان الاسرائيليين بعد ذلك اختاروا مجرم حرب لقيادتهم، وان كل من صوّت لآرييل شارون شريكه في الجريمة، وان الولاياتالمتحدة التي تعرضت لارهاب فظيع غير مبرر تلعب مع اسرائيل دور الحامي، أو دور طالبان مع أسامة بن لادن والقاعدة. الولاياتالمتحدة لها حق الرد على الارهاب الذي تعرضت له. وقد فعلت، غير ان اسرائيل تقول ان لها حقاً مماثلاً في الرد على "الارهاب"، ومع ان الوضع غير متماثل، بل متناقض، فهي أبو الارهاب وأمه، وهي تحتل أرضاً فترد عليها حركات تحرر وطني. والفجور في الموقف الاسرائيلي هذا من ممارسة الارهاب واتهام الآخرين به أصبح مضاعفاً عندما أكمل أنصار اسرائيل في الولاياتالمتحدة، وهم شركاء في الجريمة كناخبي شارون، بالقول ان الولاياتالمتحدة ضربت بلداً مسلماً هو أفغانستان في رمضان، فلم يثر العرب والمسلمون، ولم تتعرض مصالح اميركية للخطر. ويتبع هذا انه يمكن ضرب العراق أو سورية ولبنان والسودان والصومال لأنه لا يوجد "شارع" عربي أو اسلامي، أي رأي عام عربي أو مسلم، إلا أن كلمة الشارع إهانة عنصرية مقصودة. العرب والمسلمون لم يثوروا لأن طالبان وأسامة بن لادن وقاعدته يستحقون العقاب، ولكن، هل يصبح كل بلد عربي مهدداً اذا لم يقبل هيمنة اسرائيل على المنطقة؟ مرة أخرى، اسرائيل ما كان يحق لها أن تقوم في أرض عربية أصلاً، الا أنها قامت تكفيراً عن جرائم الأوروبيين بحق اليهود كل مذابح العرب واليهود بحق بعضهم بعضاً على امتداد القرن العشرين لا تعادل ضحايا عصر يوم واحد في أوشفيتز أو داشا وعلى أيدي النازيين. وقبل العرب اسرائيل في حدود الرابع من حزيران 1967، فلم تقبل اسرائيل، والاحتلال مستمر منذ 34 عاماً، والفلسطينيون يفاوضون مباشرة منذ 1993، ومع ذلك لم تنفذ القرارات الدولية، ولم يحقق الفلسطينيون حلم الدولة، بل هم يقتلون كل يوم. مع ذلك اذا قامت مقاومة للاحتلال يتهم المقاومون فوراً بالارهاب، فهل يفترض أن ينتظر العرب والمسلمون 34 سنة اخرى أو مئة أو ألفاً، قبل أن تنسحب اسرائيل الى حدود لا نستحقها أصلاً. مرة أخيرة، أكتب ما أعرف فقط، وهو أن اليهود في اسرائيل أثبتوا انهم لا يستحقون دولة، أو لا يمكن أن يؤتمنوا على دولة، وان واجب العرب والمسلمين ان يسعوا لمقاومة هذه الدولة وتفكيكها، قبل أن تنشر سيطرتها عليهم جميعاً. وربما يكتب بعد سنوات ان 2001 كانت بداية نهاية هذه الأمة. وربما يكتب ان كوارث السنة أطلقت فيهم بداية جديدة.