لا تخرج الشهور الثمانية الأخيرة من سفك الدماء بين الفلسطينيين والإسرائيليين عن كونها فصلاً إضافياً مضنياً في الصراع القائم منذ عقود، والذي اصبح اليوم اكثر حدة من أي وقت آخر. لقد بدأ الاحتلال الإسرائيلي بعد اجتياح اسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزةوالقدسالشرقية في عام 1967، وأنزل بالفلسطينيين شتاتاً آخر وكانت النكبة الأولى حلت بهم في عام 1948 عند إنشاء إسرائيل، وأصبح شعب بأكمله، خاضعاً تماماً للاحتلال العسكري. ولم يتوقع أحد أن يستمر الاحتلال ثلاثة عقود ولا ان يكون الشعب الفلسطيني قادراً على مقاومته في حال استمراره. وعندما أصبح من الواضح ان العالم يتغاضى عن الكارثة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، تأسست منظمة التحرير الفلسطينية لتنسيق الجهود السياسية، والعسكرية والاجتماعية، والاقتصادية لتحرير فلسطين. وفي بداياتها، نيطت بمنظمة التحرير الفلسطينية مهمة تحرير فلسطين التاريخية من البحر الى النهر، وكان ذلك بمثابة نضال لشعب اصيل ضد الاستعمار. وفي عام 1988، اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني - وهو اعلى هيئة سياسية في منظمة التحرير الفلسطينية - قراراً استراتيجياً وبراغماتياً يعترف رسمياً بوجود إسرائيل على 78 في المئة من فلسطين التاريخية. ومع استمرار الصراع، استمرت إسرائيل في بناء مستوطنات يهودية في قلب الأراضي المحتلة. وتشكل السياسات الإسرائيلية في مجال بناء المستوطنات، وإبعاد الفلسطينيين، واعتقال وتعذيب المعتقلين، ومصادرة الأراضي وهدم المنازل سلسلة من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي أدت الى تعقيد القضية الى حد اصبح يطلب معه من الفلسطينيين، في عام 2001، ان يكونوا "أكثر مرونة". في 11 كانون الأول ديسمبر 1948 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194، الذي "يقرر وجوب السماح بعودة اللاجئين الذين يرغبون بالعودة الى بيوتهم للعيش بسلام مع جيرانهم في أقرب تاريخ ممكن، ووجوب دفع تعويضات عن الأملاك الى أولئك الذين يختارون عدم العودة وعن الخسائر أو الأضرار التي تكبدوها، والتي يجب ان تتولى الحكومات او السلطات المسؤولة تنفيذها بشكل مناسب، بموجب احكام القانون الدولي ومبادئ العدالة". وفي 22 تشرين الثاني نوفمبر 1967، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 242، الذي يدعو بوضوح الى "انسحاب القوات الإسرائيلية المسلحة من ال أراض المحتلة احتلت في الصراع الأخير". ومع تمادي إسرائيل في تحدي العالم، اصدر مجلس الأمن في 22 تشرين الأول اكتوبر 1973 قراراً هاماً آخراً تحت رقم 338 يدعو "جميع الأطراف ذات العلاقة الى البدء في... تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 1967 بمختلف اجزائه". وقبل اندلاع الانتفاضتين الأولى والثانية، تبنى مجلس الأمن في الأول من آذار مارس 1980 القرار رقم465 الذي "يؤكد مجدداً أن ميثاق جنيف الرابع للعام 1949 ينطبق في ما يتعلق بحماية المدنيين اثناء الحرب على الأراضي العربية المحتلة التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 بما فيها القدس". وفي القرار تم التأكيد على أن "جميع الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير الشخصية المادية، والتركيبة الديموغرافية، والبنية المؤسسية او وضع الأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس أو أي جزء منها ليس لها اية صفة قانونية، وأن سياسة إسرائيل وممارساتها في توطين جزء من سكانها والمهاجرين الجدد في تلك الأراضي يشكل انتهاكاً صارخاً لميثاق جنيف الرابع للعام 1949 في ما يتعلق بحماية المدنيين اثناء الحرب ويشكل عقبة كبيرة امام تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في الشرق الأوسط". وفي سياق السعي لتحقيق ذلك "السلام العادل والشامل"، وافقت إسرائيل عندما وقعت مع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالية بتاريخ 13 أيلول سبتمبر 1993، على أنه لن يكون هناك بديل للقرارين رقم 242 و338 الصادرين عن الأممالمتحدة، وتنص المادة الأولى من اتفاق اعلان المبادئ على أن مفاوضات الوضع النهائي ستؤدي الى تطبيق قراري مجلس الأمن رقم 242 و338. وتبنى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة عدداً من القرارات أكدت كلها أن ميثاق جنيف الرابع، خصوصاً في ما يتعلق بحماية المدنيين في أوقات الحرب يسري على الاحتلال الإسرائيلي. وعلى رغم ان إسرائيل صادقت على هذا الميثاق، الا انها لا تزال ترفض تطبيقه على الأرض الفلسطينيةالمحتلة بذريعة ان وجود خلاف على الأرض المحتلة يجعل ميثاق جنيف لا ينطبق في هذه الحال، الأمر الذي يجعل الموقف الإسرائيلي من هذا الأمر لا يخرج عن كونه مغالطة منطقية كبيرة. وبعد مرور سنوات قليلة على ذلك، في 24 أيلول 1998، أعلن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق بنيامين نتانياهو، من منبر الأممالمتحدة "انه لا يمكن الادعاء بعد الآن ان الفلسطينيين يخضعون للاحتلال الإسرائيلي". لكن الاحتلال لا يزال قائماً بعد مرور 44 سنة على بدايته. ... لقد آن الأوان لقيام الجمعية العامة بالطلب من محكمة العدل الدولية ان تقوم بإصدار رأي استشاري حاسم في الأمور القانونية التي تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني ووضع الأراضي المحتلة. ويكون قرار المحكمة ملزماً للأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها في ما يتعلق بالأمور القانونية التي تنظر بها. ... البيرة الضفة الغربية - سام بحور