أعتقد أن أفيغدور ليبرمان، حارس المواخير في مولدوفا الذي أصبح وزير خارجية اسرائيل، أكثر صدقاً في التعامل مع عملية السلام في الشرق الأوسط من الرئيس محمود عباس ورئيسة المعارضة في الكنيست تسيبي ليفني، وربما من الأخ خالد مشعل وحماس كلها. هو أعلن لدى دخوله وزارة الخارجية رفض مسيرة أنابوليس، أي الاتفاق الذي رعته الولاياتالمتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 لبدء مفاوضات على قيام دولة فلسطينية مستقلة، وقال انه لن يقدم أي تنازلات، وإِنما يريد السلام من أجل السلام، كما أعلن رفض الانسحاب من الجولان، ومع ذلك يريد السلام مع سورية. ليبرمان متهم بفساد وتبييض أموال، ولعله يسقط سريعاً، ولكن لو عاش ألف سنة فلن يحصل على شيء. وأتفق مع ليبرمان على نقطة مهمة، فهو قال «لا تنازلات» لأنها لا تؤدي الى سلام بل الى مزيد من الحروب. وأنا أقول أيضاً «لا تنازلات» ولكن لا أقصد اسرائيل مثله بل الجانب العربي الذي بقي يتنازل حتى قَبِل 22 في المئة من أرض فلسطين والجانب الآخر يزداد عناداً، فربما كان الأفضل أن نعود الى المطالبة بفلسطين كلها، فما يسمى الآن اسرائيل والأراضي المحتلة هو فلسطين التاريخية الثابتة بعكس «اشاعة» اسرائيل التوراتية. وكلامي عن التحرير يشمل الجولان جنباً الى جنب مع فلسطين، وقد سجلت للقراء يوماً شعر النابغة الذبياني عن ملوك الغساسنة والجولان وحوران وبيت الله، أي القدس. ليبرمان كان صادقاً مع نفسه ومع اسرائيل والعالم، فما قاله وزيراً قاله على مدى سنوات وكرره في حملة الانتخابات الإسرائيلية وحتى اليوم، وهو يمثل الوجه الحقيقي للمؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. في المقابل ليفني علقت على كلام ليبرمان بالقول انه يثبت ان الحكومة الإسرائيلية الجديدة ليست شريكاً في السلام مع الفلسطينيين. هذه كلمة حق أريد بها باطل، فحكومة بنيامين نتانياهو ليست شريكة سلام، إلا أن الزعم الضمني ان حكومة ايهود أولمرت التي شغلت ليفني فيها منصب وزيرة الخارجية، أو أي حكومة سابقة، كانت شريكاً في السلام كذب مفضوح، وليفني تكلمت عن السلام ولم تطلبه، وأولمرت طلب السلام وعارض المستوطنات وهو قرب نهاية حياته السياسية ومتهم بالفساد، مع انه رئيساً لبلدية القدس عمل أكثر من أي اسرائيلي آخر لتهويد المدينة المقدسة وسرقة أراضي الفلسطينيين وبيوتهم. وفي جميع الأحوال فكل من هؤلاء خرّيج مدرسة آرييل شارون في الإرهاب، وليكودي سابق، مثل الليكودي الحالي نتانياهو أو أسوأ. وليفني عندها «الميزة» الإضافية بالقدوم عبر الموساد وعمليات ارهابية في أوروبا. هذا عن الإسرائيليين، ولكن ماذا عن الفلسطينيين؟ ليبرمان أصدق من الفلسطينيين المفاوضين وغير المفاوضين أيضاً. أبو مازن يعرف في قرارة نفسه انه لن يصل الى اتفاق مع الإسرائيليين عبر التفاوض، فهو لن يتنازل عن القدس أو عودة اللاجئين أو الحدود، ويعرف قطعاً ان الإسرائيليين لن يعطوه الحد الأدنى لما يمكن أن يقبل به، ومع ذلك يفاوض ويتوقف ويعود الى التفاوض، وكل طموحه أن يبدو الفلسطينيون في نظر العالم كطلاب سلام. وبقدر ما ان أبو مازن لن يعيد الحق بالتفاوض، فحماس لن تعيده بالصواريخ العشوائية غير المؤثرة. وهي لا بد تعرف ذلك ثم تصر عليه لأن مقاومة الاحتلال حق مشروع، وهذا صحيح إلا أن المقصود به المقاومة من أجل التحرير وليس المقاومة من أجل المقاومة، ولا نتيجة سوى موت النساء والأطفال. أفيغدور ليبرمان أصدق من الجميع، وهو الوجه الحقيقي البشع لإسرائيل، فهي دولة نازية محتلة لن تنسحب طوعاً، وإِنما مرغمة. كيف أوفق بين هذا الكلام وقولي ان مفاوضات الفلسطينيين وصواريخهم لن تعيد فلسطين كلها أو نصفها أو 22 في المئة منها؟ الحل يبدأ بوحدة وطنية فلسطينية كاملة وحقيقية وراءها تأييد معلن وصادق من الدول العربية والإسلامية، مع تهديد باستعمال كل سلاح اقتصادي متوافر لها للضغط على اسرائيل وحلفائها، خصوصاً الولاياتالمتحدة. أقول ان هذا هو طريق التحرير، الا انني لا أقول اننا، فلسطينيين وعرباً ومسلمين، سنسلكه.