"الانتفاضة صار عمرها اليوم سنة، ادعوا لها بطول العمر، وادعوا لها بالنصر"، لم تمل أم عزيز تكرار هذه العبارة، كانت تقولها لنا ببعض الفرح الممزوج بثقة بالنصر أو بأمل به.، كانت أم عزيز تردد عبارتها هذه وهي تعيد فتح الخزانة حيث ملابس وصور ابنائها الأربعة الذين اختفوا منذ عام 1982 خلال مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا. تركت ام عزيز مخيم صبرا الى مخيم برج البراجنة، مات زوجها وكبر أحفادها، وحدهم أبناؤها لا يزالون كما كانوا... في الصور، وهي تريد الانتصار على اسرائيل ليعود الأبناء اليها. والانتفاضة بالنسبة الى أم عزيز هي طريق النصر. هي بالنسبة اليها دليل على أن الشعب الفلسطيني لم ينته، وربما دليلها وحدها على أن ابناءها ما زالوا أحياء. أم عزيز تشبه سكان المخيمات الفلسطينية الأخرى، سكانها المستقلين - إذا صح التعبير - غير المنضوين في شكل رسمي في الأحزاب والفصائل. ففي شاتيلا لم يتغير شيء منذ سنوات، لا يزال المخيم كما هو يرزح تحت فقره، أضيفت الى جدرانه أخيراً بعض الصور للأمين العام السابق للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، وعند مدخله فوق مقبرة شهداء مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا لافتة كتب عليها: "خيارنا المقاومة والانتفاضة حتى التحرير". في دكان صغير يملكه تلميذه، كان علي خالد يحدث بعض الشبان عن الولاياتالمتحدة وابن لادن والحرب الآتية والارهاب. لقد غادر فلسطين وهو في العشرين من عمره بعد نكبة 1948، ولجأ الى لبنان، درس تلامذته في المخيم التاريخ، وأعلمهم بكل القرارات التي أصدرتها هيئة الأممالمتحدة، وكان يتحدث دائماً عن حق العودة. قال لنا أن "الانتفاضة تثبت حق شعبنا بأرضه، ولقد عرفت العالم بأسره بقضيتنا، بفضلها أدركوا ان الشعب الفلسطيني ليس ارهابياً إنما يقاتل من أجل حقه". ويجزم الاستاذ علي كما يناديه تلاميذه وأبناء المخيم الآخرون بأن الانتفاضة ستستمر "حتى آخر طفل فلسطيني"، وهو لا يرى سبباً لتوقفها أو اجهاضها، وإذ يسأل عن فشل العرب في الانتصار خلال الحروب ضد اسرائيل، يتحدث عن المساندة الغربية لاسرائيل "لجر العرب الى الاستسلام"، ويرى ان الانتفاضة أفضل وسيلة ليستعيد الفلسطينيون حقوقهم في اقامة دولتهم، وعودة اللاجئين. وليد العيسى، تلميذ الاستاذ علي، يتابع الأخبار يومياً، يقول انه حفظ اسماء الشهداء ويتألم عند سقوطهم، ويقول أيضاً ان الانتفاضة ستعيده الى بلده الذي كبر بعيداً منه، وهو مقتنع بأن المفاوضات شأن السلطة والسياسيين، اذا استطاعوا من خلالها استرداد الحق فلا بأس، لكن الانتفاضة هي شاغله منذ انطلقت في 28 أيلول سبتمبر 2000. يتحدث وليد وفي صوته نبرة أمل تخفي الحزن الذي يبديه سكان المخيمات حين يحكون عن معاناتهم وفقرهم. في مخيم نهر البارد في شمال لبنان لا يحتاج المرء الى طرح السؤال عن رأي الشبان في الانتفاضة، فهي منذ اندلاعها حاضرة في يومياتهم، وفي تعبيراتهم المختلفة، عشرات منهم رسموا اللوحات عنها، جعلوا الحجر بيد طفل موضوعها الرئيس، وكتبوا الأشعار عنها، أقاموا لها معرض الصور، وبعضهم لا يزال يخفي ما غناه أو كتبه أو رسمه تحت وسادته. وفي مخيم البداوي أيضاً الأحاديث كلها عن الانتفاضة، قال لنا خالد محمود ان صديقه كتب قصيدة لحبيبته، استعار فيها الكثير من مفردات الانتفاضة وصورها، أما هو فيبحث يومياً مع عدد من الأصدقاء عن جهاز كومبيوتر موصول بالانترنت ليزوروا المواقع الفلسطينية، ويتعرفوا عبرها الى أخبار الانتفاضة، ويجمعوا صورها.