4 قمم تزيد إثارة روشن    اليونيفيل ترحّب بوقف إطلاق النار في لبنان وتؤكّد مواصلة أداء مهامها    الاتفاق يتغلّب على العربي القطري بثنائية في دوري أبطال الخليج للأندية    أمين الرياض : تدشين قطار الرياض يعكس حجم الطموح الذي تحمله القيادة الرشيدة لمستقبل العاصمة    ترحيب دولي بوقف النار بين حزب الله وإسرائيل    محافظ خليص ووكيل محافظة رابغ يطّلعان على مشروع تحول حوكمة مكاتب التعليم    الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض يشكر القيادة على افتتاح مشروع قطار الرياض    وكيل إمارة جازان يفتتح برنامج المخدرات عدو التنمية    «أبشر» تعلن تحديث بعض أنظمة خدماتها يوم الجمعة القادم    مجلس شؤون الأسرة يرعى كرياثون "الإبداع في الأسرة"    أهالي الأسرى يعتصمون أمام مكتب نتنياهو.. بايدن: ستبذل أمريكا جهوداً لوقف حرب غزة    تعيين اللاعب الدولي السابق "صالح الداود" مديراً للمنتخب الأول    استطلاع: 60 % سيستخدمون مترو الرياض للذهاب للعمل والمدارس    وزير الثقافة يوجه بتمديد معرض "بنان" حتى 30 نوفمبر الجاري    جامعة الأميرة نورة تُنظِّم لقاء "فتح أبواب جديدة وآفاق واسعة للمعرفة والتعلُّم"    طريف تسجّل أدنى درجة حرارة بالمملكة    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء في جميع أنحاء المملكة يوم غدٍ الخميس    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم بالمنطقة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    الخريف: الصندوق الصناعي اعتمد مشاريع بقيمة 12 مليار ريال في 2024    الجاسر: قطاع النقل حقق نسبة نمو 17% منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية    وزير الرياضة : 80 فعالية عالمية زارها أكثر من 2.5 مليون سائح    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    "أنا المدينة".. تجربة واقع افتراضي تنقل الزوار إلى العهد النبوي    وزير الطاقة يعقد اجتماعًا ثلاثيًا مع نائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الطاقة الكازاخستاني    نائب وزير الصحة يستعرض إنجازات "مستشفى صحة الافتراضي" ضمن ملتقى ميزانية 2025    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية لتشغيل مركز الأطراف الصناعية في مأرب    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    شراكة تعاونية بين جمعية البر بأبها والجمعية السعودية للفصام (احتواء)    المملكة تشارك في اجتماعات الدورة ال29 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    وزير الدفاع اللبناني: لا حرية لإسرائيل في أراضينا    توقيع مذكرة لجامعة الملك خالد ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    السفير الجميع يقدم أوراق اعتماده لرئيس إيرلندا    الأونروا تحذّر من وصول الجوع إلى مستويات حرجة في غزة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    هؤلاء هم المرجفون    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسطينيون في سورية ولبنان بين خيار التوطين وحق العودة . مخيمات بيروت والضاحية ... أحلام تتكسر بين الهجرة والعودة
نشر في الحياة يوم 19 - 11 - 1999

نشرت "الحياة" على حلقات أربع الاثنين 15 - الخميس 18/11/99 تحقيقات غطت أوضاع المخيمات الفلسطينية في الأردن وسورية ولبنان وما تعانيه من مشاكل قانونية واجتماعية واقتصادية وحياتية.
وتستطلع اليوم آراء الفلسطينيين ومواقفهم من مسألة التوطين والتعويض أو التمسك بحق العودة الذي تنص عليه القرارات الدولية.
أكثر ما يزعج سمر 14 سنة أن يتهمها الناس بأنها قاسية القلب. فهي ليست كذلك لكنها مرغمة على ألا تحب من وما حولها. فلا حجارة منازل مخيم شاتيلا تعني لها شيئاً، ولا رفيقاتها في المدرسة التابعة لوكالة "أونروا" هم أصدقاؤها، فهي لكثرة ما ارتحلت من مخيم الى آخر فقدت علاقتها بالمكان والناس الذين حولها. ومع ذلك فهاجس الانتقال مجدداً من شاتيلا الى أي مكان آخر يلاحقها وهي ان كانت لا تحب هذا المخيم "لأنه بلا طرق ولا ملاعب أو حدائق"، فإنها لا تريد تركه حتى لا تذهب "الى ما هو أسوأ منه".
الزمن داخل المخيمات الفلسطينية لا معنى له، فلا مكان للأحلام إنما للخوف والقلق والرغبة في الهجرة حتى الى الصين! ويقول مقاتل سابق في مخيم شاتيلا ان بضعة شبان حصلوا السنة الماضية على تأشيرة دخول الى الصين وهم الآن يتعلمون هناك. والبعض تحمس للفكرة وتقدم بطلبات تأشيرة دخول مماثلة وينتظر.
مخيم شاتيلا
ويحصي اداري في مخيم شاتيلا هجرة أكثر من 150 فلسطينياً مع عائلاتهم بين العامين 1983 و1997 الى الدنمارك والسويد والنروج وكندا. لكن هجرة العائلات لا تعني حصول فراغ سكاني في هذا المخيم الذي ارتفع عدد سكانه الى نحو 20 ألفاً في التسعينات، يكاد نصفهم يكون من غير الفلسطينيين. فمخيم شاتيلا يقع على الطرف الجنوب الشرقي من مدينة بيروت واستقطب الى محيطه المئات من اللبنانيين من منطقة بعلبك - الهرمل الباحثين عن فرص عمل في المدينة خلال السبعينات، بات من مطلع التسعينات الى اليوم مقصداً لعشرات العمال السوريين والسري لانكيين والمصريين والعراقيين. فهؤلاء يستأجرون غرفاً في منازل الفلسطينيين في مقابل بدل ايجار يصل احياناً الى مئة دولار شهرياً، ما شكل خليطاً من البشر في المخيم غريباً على أهله الذين تراجعوا الى خلف قضبان حديد سيّجوا بها نوافذ منازلهم وأبوابها خوفاً ممن سموه "الغريب". واستتبعت الكثافة السكانية داخل المخيم الذي لا تزيد مساحته على 140 ألف متر مربع، والذي دُمرت امتداداته، الى خارج الحدود المعترف بها، خلال حرب المخيمات 1985، توسعاً عمودياً. ويكاد يكون الوحيد بين مخيمات بيروت وضواحيها ترتفع منازله أكثر من خمس طبقات، وهي التي كان ممنوعاً على أصحابها سقفها بغير ألواح الزنك الى "زمن الثورة" التي طورت البنى التحتية للمخيمات وسقفت المنازل بالإسمنت. وألمح قيمون على أوضاع المخيم الى أن هذا التمدد العمودي كان "بمباركة غير مباشرة" من الدولة اللبنانية لحل مشكلة المهجرين الفلسطينيين تل الزعتر والدامور الذين أُخلوا من تجمعات لهم في وسط بيروت، حتى بات من الصعب جداً الآن ايجاد مساحة ولو صغيرة في المخيم لبناء جدار واحد.
ويشير هؤلاء الى أن العائلات التي سكنت مخيم شاتيلا منذ تأسيسه، وهي من أهالي مجدل الكروم والبروة وشعب وعمقة في الجليل الأعلى، لم يبق منها فيه، سوى 10 في المئة. فإلى الهجرة الى خارج لبنان، حصلت هجرة داخلية من المخيم الى خارجه، فانتقلت العائلات للسكن في محيط المخيم سعياً الى تحسين وضعها الاجتماعي أو نتيجة المصاهرة مع عائلات لبنانية أو نتيجة حصولها على تعويضات مالية مكنتها من امتلاك شقق سكنية، وأغلبها في منطقة وادي الزينة اقليم الخروب، ويعمد بعض سكان المخيم الى بيع منازلهم من فلسطينيين ممن قبضوا تعويضات عن اخلاء مباني المهجرين بداية التسعينات أو لبنانيين في مقابل مبالغ مالية تتفاوت بين 8 آلاف دولار و12 ألفاً. وتتولى اللجان الشعبية في المخيم رعاية الاتفاق بين الشاري والبائع مع علم كل من الطرفين أن ما يبيعه وما يشتريه هو الحجارة المشيدة لا الأرض التي تستأجرها "أونروا" من الدولة اللبنانية في مقابل عقد يمتد الى 99 عاماً، مضى 49 منها.
وتقول أم أحمد ان "من غادر المخيم أو هاجر الى الخارج هو من توافرت لديه الإمكانات والفرص. ولو توافرت لي لغادرت مع عائلتي، فهنا لا يوجد الا الجدران تحيط بنا من كل الجهات والمجارير تفيض علينا في الشتاء، والجوع يفتك ببطون أطفالنا، وأنا لا أجرؤ على ترك ابنتي 18 عاماً وحدها في المنزل". لكن أم أحمد ترفض احتمال نقلها الى مخيم آخر خارج نطاق بيروت متحدثة عن "عقلية ابن المدينة التي تختلف عن عقلية ابن الريف"، على رغم أن كل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم من أبناء الجليل الأعلى.
الرغبة في الهجرة واحدة من الحلول السحرية لمشكلة البطالة الحادة المتفشية في المخيمات. فالكل يتحدث عن المهن التي يُمنع الفلسطيني من مزاولتها في لبنان 72 مهنة، وما تبقى، أعمال حرفية لا تتعدى "الطرش والحدادة والبناء وجمع النفايات..." وهي بتعبير شباب المخيم "أشغال شاقة"، وعلى رغم دونيتها، غير متوافرة، لأن ثمة يداً عاملة أخرى تنافس الفلسطيني عليها، لكنها منافسة غير متكافئة، لقبول غير الفلسطيني بأجور تصل الى النصف.
الرجال والشبان في مخيم شاتيلا لا يبارحونه، باستثناء المحظوظين منهم، ولعمل موسمي. وأكثر الأمكنة استقطاباً لقتل الوقت محلات البليارد ومقاهي النارجيلة الموزعة على تخوم المخيم، وسط أنقاض لا يمكن العين رؤيتها من الخارج، بعدما كان المرء يظن أن تلك الأبنية الجديدة المرتفعة التي تزنر المخيم تسحب نفسها الى الداخل، فإذا بها ستار يخفي بؤساً يشارك في تجاهله الجميع.
وتعتقد احدى المتطوعات التي تعمل مع الفتية الفلسطينيين في مخيم شاتيلا ان رغبتهم في التعلم تراجعت، فهم يتهكّمون بعضهم على بعض بإطلاق تسمية "زبال" أو "طراش" في اشارة الى ما سيكون عليه المستقبل. واللامبالاة تسحب نفسها على المعلم أيضاً الذي ينعكس وضعه النفسي نتيجة الظروف الاقتصادية على علاقته بالتلميذ، ولا يتوانى عن استخدام العصا لتأديب الطلاب. أما الأهل فينحصر اهتمامهم بتأمين قوت عيالهم فيصبح الطفل الفلسطيني ضحية البيئة التي يعيش في وسطها، وتصبح قضية فلسطين في أدنى الاهتمامات، يسهم في تراجعها غياب المناهج التي تعلم تاريخ فلسطين وجغرافيتها، وليس من المبالغة أن جيلاً من أطفال المخيمات لا يعرف أين تقع فلسطين.
تجمع الداعوق
وإذا كان مستشفى غزة الذي تحول بعد حرب المخيمات مأوى لعشرات العائلات التي حشرت في غرفه المتلاصقة يمكن أن تمثل نموذجاً فاقعاً للظروف التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون، فإن أحوال أربع عائلات لا تزال تقيم في الملجأ منذ 13 عاماً هي نموذج صارخ للمعاناة الفلسطينية.
تعرف البناية ببناية منظمة التحرير. وهي تقع على مرمى حجر من المدينة الرياضية بالقرب من التجمع الفلسطيني في تربة الداعوق أو ما عرف لاحقاً بمخيم صبرا، وهو مخيم لا تعترف به وكالة "أونروا"، وما بقي منه عقب الاجتياح وحرب المخيمات.
الصورة من الخارج لا توحي بأكثر من مبنى للمهجرين غطت ألواح الخشب أبوابه ونوافذه وتدلت الثياب على شرفات ترشح حجارتها ماء وسواداً، إلا أن مظاهر التهجير لا تشغل فقط ما هو فوق الأرض إنما ما هو تحتها. ففي ملجأ قسّم بألواح خشب، الى ما يشبه منزلين، تعيش أربع عائلات وسط ظلام دامس لا تخفف منه سوى مصابيح كهرباء، بينما الرطوبة ترخي بثقلها على الفضاء الذي يعج بالبعوض ويلهو طفل تقوست ساقاه لعدم تعرضه للشمس، مع صرصار يزحف على أرض الغرفة.
قالت ميرفت، زوجة زهير حبيشي، ان زوجها لم يستطع اعادة بناء المنزل في الداعوق بعدما تهدم في حرب المخيمات لعدم توافر المال. فالزوج يعمل دهاناً ولا يجد الآن عملاً، ولديهما خمسة أولاد أكبرهم بلغ السادسة عشرة. وتصف الحياة في الملجأ قائلة انها تطلب من أولادها كل يوم "الخروج الى الشارع للتعرض للشمس واللهو، والعودة ليلاً للنوم. وأنا لا أعلم ماذا يفعلون فوق، قد يذهبون ليلعبوا - الفليبرز - إنما يعودون".
أما دلال فإن الجزء الآخر الذي تشغله وعائلتها من آل مجدلاوي وعائلة أهل زوجها وعائلة عم الزوج، فربما أفضل حالاً من ظروف ميرفت، إذ أن مدخل الملجأ يطل على الشارع وتنفذ أشعة الشمس الى طرفه أيام الصحو والصيف "لكن الجرذان تملأ المكان ما اضطرنا الى وضع عوائق خشب لمنعها من مشاركتنا حياتنا تحت الأرض". وتشير الى أن المراوح لا تتوقف عن العمل و"إلا انقطع الهواء عنا". وتدلنا الى غرفة لا يزيد طولها عن مترين وعرضها متر ونصف متر، صممت في الأصل لتكون مركز تدفئة "شوفاج" البناية، قائلة ان سلفها سيتزوج قريباً فيها.
مخيم مار الياس
إذا كانت عائلة الداعوق ملتزمة وصية كبيرها، فإن مخيم مار الياس الذي تعود ملكية أرضه الى وقف مار الياس بطينا، موضوع دعوى قضائية أقامها الوقف ضد الدولة اللبنانية لحفظ حقه. ومن المقرر أن يصدر الحكم الشهر الجاري. والمخيم كان أرضاً حرجية شغلتها 70 عائلة فلسطينية التجأت الى الدير في حينه لاعتبارات طائفية ولم يبق منها فيه سوى 13 عائلة. أما الباقية فخليط من فلسطينيي تل الزعتر وجسر الباشا.
هو أصغر مخيمات بيروت. يضم 250 عائلة الآن. كان في عهدة الصليب الأحمر وتسلمته وكالة "أونروا" التي حوّلت خيمه بيوتاً سقوفها من الزنك ليتم تحسينه لاحقاً مع تصاعد نشاط الثورة الفلسطينية، وتزويده الخدمات العامة. وتجبي الدولة اللبنانية بدلات الكهرباء مثل باقي المخيمات بواسطة اللجان الشعبية.
مخيم مار الياس لم يتمدد لا أفقياً ولا عمودياً الا في ما ندر. ويشير بعض المقيمين فيه الى بضعة منازل من طبقتين، ويعتبر أصحابها من المحظوظين. لا يتجاوز عدد سكان المخيم 2100 نسمة ينتشرون على مساحة 1400 متر مربع. ويذكر أحد المتابعين لأحواله أن عدداً كبيراً من عائلاته نال الجنسية اللبنانية في عهد الرئيس اللبناني كميل شمعون، وان عدداً آخر تجنس أخيراً. لكنه من أبناء القرى السبع.
فومية رشيد روزا فلسطينية من يافا لكنها تحمل الجنسية اللبنانية، قالت ان العائلات التي غادرت المخيم قصدت مخيم الضبية، أو هي تعيش الآن في مناطق مختلفة ومنها الدورة وبرج حمود والمصيطبة وصفير. وأشارت الى أن الحياة في المخيم لا تختلف عما كانت عليه سابقاً على رغم اختلاف المقيمين فيه. لكنها تؤكد أن لا تفرقة دينية. الحياة في المخيم أهدأ منها في باقي المخيمات. لكن المعاناة تتكرر لجهة البطالة والضائقة المعيشية. ويقول ناصر الصالح 29 سنة أن معظم الشباب يطمح الى الهجرة، ولو عن طريق الزواج. وهو يتم بالاتفاق مع دنماركيات أو فتيات فلسطينيات مقيمات في الدنمارك. ويقدر أحد الذين تجنسوا، وهو من الخالصة، عدد الذين استردوا الجنسية في المخيمات ب20 ألف فلسطيني "وهم لا يزالون يحملون بطاقة الإعاشة لكن الهوية الفلسطينية سحبت منا وبتنا نحمل الهوية اللبنانية".
ويتحدث عن حسن المعاملة التي يلقاها في مؤسسات الدولة مذ أصبح لبنانياً، لكنه يشير الى مفارقة في حياة ولده الذي استدعي الى خدمة العلم، وبعد الانتهاء منها رغب في التقدم الى وظيفة في أمن الدولة فرُفض طلبه وقالوا له "بعد عشر سنوات"، مستغرباً أن تُفرض عليه واجبات ولا تعطى له حقوق، علماً أن الفلسطيني في الدول العربية الأخرى يستطيع الوصول الى أعلى المراتب وهو محتفظ بجنسيته.
ويشير فلسطيني آخر، متزوج من برازيلية، الى أن بناته يحملن الجنسية البرازيلية و"ان الدولة اللبنانية عمدت فور معرفتها بالأمر الى شطب بناتي من السجلات الفلسطينية لديها".
مخيم برج البراجنة
تغيب عن مخيمات بيروت وضواحيها مظاهر السلاح حتى في مكاتب التنظيمات الفلسطينية، وهي ليست معزولة عن أمن الخارج وتتم ملاحقة مطلوبين داخلها بالتنسيق بين اللجان الشعبية التي تمثل التنظيمات، وأجهزة الأمن التابعة للدولة اللبنانية. وثمة من يرصد في الخفاء داخل المخيمات المخالفات التي ترتكب ويتم التبليغ عنها وضبطها في المخافر القريبة من المخيمات. والمظهر الوحيد المخالف لهذه الصورة هو برج البراجنة الذي ثبت على مدخله من ناحية طريق المطار حاجز القوات السورية من دون أن تكون وظيفته تفتيش العابرين.
يمتد مخيم البرج على مساحة 166 ألف متر مربع بعدما كان، لدى تأسيسه، محصوراً بما يعرف ب"الجورة". ليتوسع مع الوقت في اتجاه طريق مطار بيروت الدولي فوق أرض مشاع. ويقيم في المخيم الآن 14 ألف نسمة. وكانت العائلات التي لجأت الى منطقة البرج من بلدات كويكات وترشيحا والكابري وشعب والشيخ داود والغابسية من لواء الجليل. ويشير شيوخ المخيم الى أن البساتين والمصانع التي كانت موجودة في هذه المنطقة استقطبت اليد العاملة الفلسطينية اضافة الى المصاهرات التاريخية بين عائلات الجليل وعائلات لبنانية نتيجة العلاقات التجارية. الا أن معظم أهالي ترشيحا، كما يقول أبو عمر، غادروا المخيم مع مرور الوقت واشتروا عقارات ومنازل في ضواحي بيروت إذ كانت أوضاعهم المادية جيدة منذ كانوا في فلسطين. والآن، يشير الى "ان معظم عائلات البرج لديها ابن أو أكثر في المهجر ولولا مساعدات هؤلاء لمات الناس جوعاً".
في أزقة المخيم الضيقة والنظيفة تكثر الشعارات الدينية على جدران المنازل المتلاصقة. لكنها لا تعني كما قال أحد كبار السن في المخيم "التزاماً حزبياً، لأن الشبان الذين تركوا التنظيمات كانوا بلا مهنة".
في مخيم البرج ثماني مدارس تابعة ل"أونروا" وثلاث عيادات طبية الى جانب مستشفى حيفا ومؤسسات غير حكومية، بعضها تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ك"بيت أطفال الصمود" و"مؤسسة الشهيد" اللذين يجمع أهالي المخيمات على تراجع خدماتهما، ولم تعد المساعدات المادية التي تمنح لذوي الشهداء، وبينهم لبنانيون، تتجاوز 60 ألف ليرة شهرياً. وتتجلى عبر تأمين مياه الشرب للأهالي مجاناً بينما تؤمن الدولة اللبنانية مياه الاستخدام في مقابل بدل مالي.
وفي المخيم مركز لجمعية المرأة الخيرية وتكاد وظيفته تنحصر بمعالجة الأزمات الاجتماعية الناجمة عن الأوضاع المعيشية. وتقول احدى المسؤولات في الجمعية السيدة آمال مصطفى ان أبرز هذه الأزمات الطلاق وتخلي الأب أو الأم عن رعاية الأولاد بسبب الضائقة المادية. وقدرت نسبة حالات الطلاق ب75 في المئة، مشيرة الى أن أكثرها بين المتزوجين أو المتزوجات من أجانب أو فلسطينيين يعيشون في الخارج، وهدف الزواج هو الهجرة فيعود هؤلاء الى المخيمات مطلقين أو مطلقات مع عدد من الأولاد.
وينعكس تردي الأوضاع المعيشية تفشياً لمرض فقر الدم بين الأطفال والأمهات، ويشير مدير مستشفى حيفا التابع للهلال الأحمر الفلسطيني الدكتور ديب عثمان الى أن المستشفى استقبل قبل مدة طفلاً يبلغ شهرين من عمره ولم يزد وزنه عن 2500 غرام. ويتحدث عن حالات موت نتيجة هذا المرض وعن تخلي الأهل عن متابعة العلاج لعدم قدرتهم على تغطية كلفته حتى لو أمنت وكالة "أونروا" نصف الكلفة. ويعمد المستشفى الى اجبار الأهل الذين يريدون اخراج مرضاهم من المستشفى الى توقيع أوراق ترفع المسؤولية عن ادارته.
كثيرة هي صور الشهداء في بيوت الفلسطينيين في المخيمات، لكن صور المسجد الأقصى او خريطة فلسطين نادرة. كثيرون قالوا انهم أزالوها عن جدرانهم في حرب المخيمات خوفاً، ولا تزال مخبأة في الخزائن. وآخرون قالوا انهم ملّوا الشعارات التي لم تُرجع حقاً وقد لا ترجعه. والبعض أكد حبه لفلسطين حتى لو ملك جنسيات العالم، وآخر همس أنه إذا لم يعلن حبه لها فسيتهمونه بالخيانة، وثمة من قال ان "فلسطين" صارت تهمة تلاحقه أينما حل فكيف للإنسان أن يغير جلده؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.