المشهد هو نفسه، زحمة واصطفاف أمام بسطات الشارع المؤدي الى مخيم صبرا وشاتيلا في ضاحية بيروت وعلى بعد أمتار من مطارها الدولي. وروائح تفوح من القمامة المتراكمة على جانبي الطريق، وفي الوسط مياه متجمعة من أمطار نعمت بها المنطقة لتزيل بعضا من أوساخ تراكمت نتيجة الإهمال وقلة الماء التي تصل الى المخيم . أما الضجيج الذي تحدثه صفارة سيارة تحاول اختراق الزحمة فلا يغطي الموسيقى المنبعثة من راديوهات معروضة للبيع في هذا "السوق " الذي كان عام 1982 مسرحا لمذبحة ما زالت محفورة في ذاكرة أبناء تلك الغرف المتلاصقة التي لا تدخلها الشمس . كل شئ في هذه الأيام يجعل الداخل الى مخيمي صبرا وشاتيلا يشعر باستثنائية الحالة، الكل يتحدث عن الانتخابات الإسرائيلية وعن الانتفاضة والتوق لمرحلة آتية لا شيء فيها يشير الى ما يريح هؤلاء وكأن تلك الانتخابات أعادت لذاكرة سكان المخيم مشاهد لا تنسى كما يقول من عايشوها، مشاهد جثث منتفخة مبتورة وأجساد مقطعة في مجزرة هي الأفظع، أودت بحياة ثلاثة آلاف من سكان المخيم . شارون كان في المكان يروي الناجون من تلك المجزرة انهم شاهدوا ارييل شارون قرب المخيم من جهة المدينة الرياضية بينما كانوا يساقون الى هذا المكان الفسيح قرب المدينة . ويقول آخرون ان جنودا إسرائيليين شاركوا في المجزرة عرفوهم من العلم الإسرائيلي والكتابات العبرية على ثيابهم العسكرية . وقال شهود عيان ان جنود القوات اللبنانية شاركوا في المجرزة الى جانب إسرائيليين. ويقول هؤلاء أيضا أن الجنود الإسرائيليين تولوا قصف المخيم وإغلاق مداخله بحيث يهرع الناس الى الملاجئ وتسهل عملية قتلهم . كانت شوارع المخيم الضيقة تغص بالجثث وكان قد قطعها للهرب الى مكان آمن يحتم الركض على الجثث المنتفخة . روايات لا تنتهي في تلك الأزقة الضيقة حيث النوافذ تفتح على بيوت أخرى تشاركك الحديث والذكرى . البعض ما زال يشير اليك باصبعه إلى دماء ملتصقة بالحائط والبعض الاخر ما زالت روائح القتلى والدماء ملتصقة في انفه، وكلهم يروون حكايات ايام سواء التصقت باسم ارييل شارون، الذي حملته لجنة كاهانا التى شكلت من قضاة اسرائيليين بعد المجزرة مسؤولية ما حصل واجبرته على الاستقالة . أحداث المذبحة حصلت مجزرة صبرا وشاتيلا في سبتمبر من عام 1982 في اثناء الاجتياح الاسرائيلي الثاني للبنان وبعد تسعين يوما من الحصار الاسرائيلي لبيروت ، فقد قطعت إسرائيل الماء والكهرباء وامدادات الغذاء عن بيروت. لكن العاصمة اللبنانية لم تسقط رغم القصف الجوي والبري والبحري الذي تعرضت له، الى ان حصل اتفاق رعته واشنطن عبر موفدها فيليب حبيب الذي قضى بخروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت . وأعطى حبيب الفلسطينيين العزل الذين بقوا، ضمانات لحياتهم، لكن الخروج تم والضمانات سقطت وحصلت المجزرة بعد ان تحركت القوات الاسرائيلية باتجاه العاصمة بعد مقتل حليف اسرائيل بشير الجميل الذي انتخب في اثناء الاجتياح رئيسا للجمهورية.