ثمة انطباع أو صورة مضحكة محزنة لشدة تناقضها، كانت تسيطر على الداخل مساء أول من أمس مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت. الملايين في العالم يتابعون نتائج الانتخابات الاسرائيلية، والمحللون يتخوفون من تدهور الوضع في المنطقة مع فوز آرييل شارون، والصحافة العالمية تكتب منذ أسابيع عن نهجه المتطرف، وتستشهد بمسؤوليته عن المجزرة في المخيمين، فيما المخيمان غارقان في صمت موحش تثقله وطأة المكان، والحركة البطيئة، والأنوار الخافتة الخارجة من شبابيك المنازل المتراصة في الأزقة الضيقة. الثامنة مساء، كان ثمة أولاد لم ينهوا يومهم باكراً يلعبون أمام المنازل، وشبان في صالات التسلية، وعجائز يتحدثون عن أي شيء، وكل شيء. في بعض محال البقالة، ثمة من يتابعون نشرات الأخبار، يهتمون ب"أخبار الانتفاضة وما يجري في العالم". وسألنا: "ماذا عن نتائج الانتخابات الاسرائيلية؟ ألا تخافون نهج شارون؟ أتفضلون فوز باراك؟". أجابوا: "وما الفارق بينهما؟ على الأقل شارون واضح، وإذا أراد الحرب فنحن لها". تغير مخيما صبرا وشاتيلا كثيراً بعد المجزرة. معظم سكانهما هجروهما، وفيه الآن لبنانيون وفلسطينيون وسوريون وغيرهم. قليلون منهم عاشوا المجزرة، وأصروا على ان شارون وباراك وجهان لعملة واحدة، وان انتخاب شارون يعكس خيار الاسرائيليين وحقدهم على الفلسطينيين. في شاتيلا، حيث كان معظم المنازل مساء أول من أمس محروماً التيار الكهربائي، كانت المفاجأة وحدها تكسر رتابة الجولة. المفاجأة ان اسم شارون يشبه اسماء كل السياسيين الاسرائيليين، لأنه لا يزيد مرارة الذين عاشوا المجزرة، وهم لم يتحدثوا عنها أمس إلا بعد اسئلتنا المتكررة عنها، وبعدما أكدوا ان "كلهم صهاينة". جمال وزوجته كانا من سكان الحي الأوسط في مخيم شاتيلا. هربا مع الأهل والجيران عند مشاهدة النساء الجريحات يأتين من الحي الغربي أو ما صار يعرف بشارع المجزرة، "كنا كثراً، كما في يوم القيامة، توجهنا الى شارع حمد ثم منطقة الطريق الجديدة". ثم قطع جمال روايته "على أية حال الكهرباء مقطوعة اليوم، سننام باكراً، النتيجة معروفة، وهي لا تهمني". على رغم كل الأحاديث التي سمعناها في المخيم، كان ثمة اقتناع او أمل بأن للذين فقدوا أقارب وشهدوا موتهم خلال المجزرة، رأياً مختلفاً. "شارون أو باراك، كله بيذبح" قالت شهيرة أبو ردينة. "هؤلاء الصهاينة لا يريدوننا. ألا ترون ماذا فعل باراك بشبان الانتفاضة؟ في مجزرة مخيم شاتيلا قتلت أختي، وقتل أبي وأخواي وإبن عمي وزوجته الحامل. أطلقوا عليهم الرصاص ثم ضربوهم بالهراوات، وبقروا بطن المرأة الحامل. قيل لنا إن شارون كان في مبنى قريب من المخيم يراقب ما يحدث". شهيرة التي كانت تتحدث بصعوبة تدمع عيناها، وصوتها يتقطع، روت الكثير عن المجزرة قالت الحكايات التي حفظها الجميع وتحدثت عن لحظات الهرب و"وحشية شارون"... لكنها كانت دائماً تستدرك: "شارون مثل باراك". شهيرة وجمال وأم عزيز ونهاد سرور... كلهم قالوا الكلام نفسه، لم يلتقوا منذ زمن، وبعضهم لا يعرف الآخرين، لكنهم يعيشون اليأس نفسه و"الإحباط السياسي نفسه. يتحدثون عن السلام، أي سلام؟ السلطة تفاوض ودم الشهداء ذهب إهداراً". بعد جولة طويلة مساء في أزقة المخيم، وبين البيوت الأكواخ المسقوفة بالحديد أو القصدير بدا السؤال "شارون أو باراك، من الأفضل؟" نافلاً. هم فقط يتحدثون عن العودة الى فلسطين وتحسين معيشتهم المزرية. العاشرة مساء، أعلن فوز شارون رسمياً. كان معظم السكان في المخيم نياماً. في أي حال يبدو ان لا شيء تغير فيه، حتى مقبرة الشهداء كانت صباح اليوم التالي مهجورة، وبابها مقفل، وعليه إكليل من الزهور، يابس، ربما وضع قبل شهور في ذكرى وقوع المجزرة.