أظهرت الحكومة الاسرائيلية تخبطاً سياسياً وديبلوماسياً ملحوظاً خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية طاول بريطانيا وفرنسا بالاضافة الى الولاياتالمتحدة، وعكس بلبلة في سياسة حكومة الائتلاف في تل ابيب حملت المراقبين على الحديث عن بدء "العد التنازلي" لانهيار هذا الائتلاف اذا حصل اجتماع وزير الخارجية شمعون بيريز والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي أجل، أو أجلت زيارته لدمشق في اللحظة الأخيرة. وخرجت اسرائيل عن طورها ضاربة عرض الحائط بالحدود الدنيا لقواعد الديبلوماسية، وسارعت الى الاعلان عن الغاء اجتماعين مقررين لرئيس حكومتها ارييل شارون والرئيس الاسرائيلي موشيه كتساب مع وزير الخارجية البريطاني جاك سترو في زيارته المقررة لتل ابيب بسبب تصريحات له وصفها مكتب شارن بأنها "معادية لاسرائيل". غير ان شارون سرعان ما غير موقفه واعلن انه سيستقبل سترو وذلك بعدما تمنى عليه نظيره البريطاني توني بلير ذلك خلال مكالمة هاتفية. وتحت ضغوط هائلة تعرض لها وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز نفسه، سارع الى الاعلان عن "إلغاء" مأدبة العشاء التي أعدها لنظيره البريطاني، مشيراً الى انه "سيوضح لسترو مدى الخطأ الذي وقع فيه" خلال "لقاء العمل" الذي سيجريه معه. وقال بيريز للاذاعة الاسرائيلية "لم نقطع علاقتنا مع بريطانيا وسألتقي سترو لاناقشه وأوضح له مدى خطأه واقول له ان بإمكان الفلسطينيين ان يحصلوا على حريتهم من دون حرب". غير ان وزير المواصلات الاسرائيلي حزب العمل افرايم سنيه هاجم سترو ووصف زيارته لطهران بأنها "طعنة في خاصرة اسرائيل". وكان الوزير البريطاني اصدر بياناً في طريقه الى طهران قال فيه انه "يفهم ان أحد العوامل التي تساهم في نمو الارهاب غضب عدد كبير من الناس في المنطقة إزاء الاحداث في فلسطين". وهذه ليست المرة الاولى التي تسيئ فيها الديبلوماسية الاسرائيلية التصرف إزاء بريطانيا، فقد الغى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في حينه قبل ثلاث سنوات مأدبة عشاء رئاسية لوزير الخارجية البريطاني روبن كوك بعدما زار موقع مستوطنة "هار حوما" التي بدأت اسرائيل في اقامتها على جبل ابوغنيم في القدسالشرقية. ورد كوك في مؤتمر صحافي بصورة استهزائية انه "غير نادم على عدم تناول العشاء" وانه تناول الطعام قبل قليل. وأثار الاسرائيليون أمس حفيظة الفرنسيين ايضا عندما حاول عدد من أفراد الامن التابع لشارون اقتحام الغرفة التي كان يجتمع فيها وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين مع عدد من الشخصيات الفلسطينية بينهم حنان عشراوي وحاتم عبدالقادر وسري نسيبة، في فندق "أميركان كولوني" في القدسالشرقية. وتحولت مشادة كلامية بين افراد الامن الفرنسيين والاسرائيليين الى عراك بالأيدي انسحب بعدها الاسرائيليون. وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك نفسه خاض مشادة كلامية مع قوات الشرطة الاسرائيلية في البلدة القديمة في القدس بسبب "صلافة" افراد الشرطة ضد المواطنين الفلسطينيين. وأعربت مصادر سياسية اسرائيلية عن "قلقها" إزاء ما سماه احد المراسلين الاسرائيليين في بريطانيا تزايد التصريحات العدائية لاسرائيل في بريطانيا في الآونة الأخيرة "خصوصا منذ تولي سترو منصبه". وتناولت وسائل الاعلام الاسرائيلية بتوجس واسهاب استخدام سترو "فلسطين" في اشارته الى الضفة الغربية وقطاع غزة. وقالت ان ذلك يعني ان بريطانيا ترى في الوجود الاسرائيلي هناك "احتلالاً للاراضي الفلسطينية". من جانبها، اعتبرت النائبة في المجلس التشريعي الفلسطيني والمفوض العام لشؤون الاعلام في الجامعة العربية حنان عشراوي التصرف الاسرائيلي ينبع من "الاستعلائية الفوقية التي تتعامل بها اسرائيل مع العالم وتحاول فيها فرض خطابها ومواقفها وسياستها على كل العالم من يختلف معها في ذلك تنعته باللاسامية وبالخطاب غير المقبول". وعكست مواقف اعضاء حكومة شارون التناقض الذي يعيشه الائتلاف الحكومي في اسرائيل إزاء الضغوط الاميركية الهائلة على شارون ليعطي الضوء الاخضر لوزير خارجيته للقاء عرفات. وفيما هدد بني الون بسحب حزبه الوطني الديني المتشدد من الحكومة اذا تم اللقاء، اعلن وزير الامن الداخلي عوزي لاندو انه "كارثة على اسرائيل". وقال في تصريحات ان "عرفات انتهج الارهاب اسلوباً استراتيجياً لتحقيق أهدافه وعلينا محاربته وليس الاجتماع به". الى ذلك تناقضت الروايتان الفلسطينية والسورية حول تأجيل زيارة عرفاتدمشق، بعدما كان يستعد والوفد المرافق له استقلال الطائرة من عمان. وأعلن وزير التخطيط والتعاون الدولي نبيل شعث امس ان ارجاء الزيارة الى أجل غير مسمى جاء بطلب من السوريين. من جهته قال عرفات رداً على سؤال عن اسباب ارجاء الزيارة "اسألوهم" في اشارة الى السوريين. واضاف شعث: "حاولنا ان نتصل بالاخوة السوريين لكي نستعلم عن سبب التأجيل لعل هناك اسباباً لا نعرفها، الا اننا لم نتمكن من الاتصال بهم". وتابع: "تبين لنا بعد اتصالات مختلفة ان الاشقاء السوريين لأسباب خاصة قاموا بتأجيل الاجتماع، لذلك وبعد انتظار ساعتين في مطار عمان عدنا الى غزة". ورداً على سؤال حول علاقة هذا الارجاء بالاجتماع المزمع عقده بين عرفات ووزير الخارجية الاسرائيلية شمعون بيريز الاربعاء قال: "لا علاقة للامرين لأننا أجلنا لقاء بيريز الذي طلب منا ان يكون اليوم الثلثاء أو أمس الاثنين أو الغد الثلثاء الى بعد عودتنا من رحلة سورية، وبالتالي لم يكن هناك اي تعارض مع زيارة دمشق التي كانت مقررة". أما الرواية السورية فجاءت على لسان مصدر "موثوق" وفيها ان عرفات ألغى في اللحظة الأخيرة زيارته من أجل ان يلتقي بيريز. وقال المصدر: "ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ألغى زيارته المقررة الى دمشق صباح الثلثاء 25 ايلول سبتمبر قبل ساعتين من موعدها". وأوضح المصدر ان الفلسطينيين "لم يتصلوا بشكل مباشر، بل تم ذلك عبر مسؤول عربي رفيع اتصل في الساعة التاسعة صباحاً أي قبل ساعتين من الموعد المقرر لوصول عرفات الى دمشق وطلب تحديد موعد آخر نظراً الى موعده مع شمعون بيريز في اليوم نفسه". واشار الى ان المسؤول العربي نقل رغبة الجانب الفلسطيني في "ان تعلن سورية رغبتها في تأجيل الزيارة في سعي لعدم تحميل عرفات المسؤولية وهذا ما لم يقبله السوريون".