وقفنا جميعاً مذهولين وغير مصدّقين إثر الانفجارات الرهيبة التي قتلت مئات المسافرين الأبرياء في طائرات مدنية، حوّلها المختطفون الى صواريخ انتحارية قاتلة، واختاروا لها اهدافاً منتقاة هزّت الولاياتالمتحدة وحوّلت البرجين العملاقين لمركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون الى افران مشتعلة، وقتلت آلاف الأبرياء. وعبر اللقطات المنقولة مباشرة في الفضائيات تسمّرنا مشدوهين ... نحدّق في ما يعرض علينا من دون رتوش، ونرى الارهاب بحجمه الموغل في اللاإنسانية. ما ذنب الضحايا ذاتهم؟ الذين كان بينهم عرب ضمن الآخرين من شتى الجنسيات والأديان، أناس كثر بسطاء مثلنا لا علاقة لهم بالسياسة ولا بالمنشقين ولا بالقرارات التي تتأزم في أروقة وزارتي الخارجية والدفاع في اي بلد كان؟ أحزنتني التفاصيل ... طلاب وطالبات في طريقهم لزيارة آبائهم وأمهاتهم، او عائدون الى كلياتهم وجامعاتهم؟ موظفون لا ذنب لهم إلا انهم في رحلة فرضتها عليهم مستلزمات أداء واجباتهم المهنية او الوظيفية؟ الطالب اللبناني الذي كان في طريقه لزيارة والديه بعد ان تخرّج في هارفارد ... والأميركي الذي اتصل بأمه ليقول لها لآخر مرة احبك يا أمي. أحزنني منظر الناس وهم يقذفون بأنفسهم من الطوابق الشاهقة محاصرين بالموت سقوطاً او الموت احتراقاً. عادت الى البال لقطات حوادث بيرل هاربور ونتائجها في هيروشيما وناغازاكي ... فكّرت في الأفغان وتذكّرت مذابح صبرا وشاتيلا وتفجير بيوت الفلسطينيين على رؤوسهم ... هل هناك أي مبرر لفظاعات البشر ضد البشر؟ لن اقول إن السياسات والقرارات الأميركية كانت معقولة او مقبولة او حتى حيادية ... ومؤتمر ديربان يشهد بذلك ... ولكن الإرهاب كردّ عليها ليس الطريق الى الحل ... لا شيء يبرر الإرهاب او يجعله مقبولاً. حتى مبرر الانتقام لا يحمل مثل هذه القدرة على غسيل الوجه الكالح للإرهاب. الإرهاب المخطط له بكل دقة وقسوة فظيع ... بغض النظر عمن يقترفه وبأي مبرر. السياسة لعبة قذرة والحروب كوارث على كل الاطراف، الحرب النظامية لها قواعدها الأدبية ومن يخرج عنها معرّض للمحاكمة. ولكن الإرهاب لا يلعب بأصول معروفة، وتحت مسمى الدوافع الوطنية قد تتخفى دوافع مرضية فردية بحتة. ويا ويل العالم امام الانفلات المرضي مبرراً بمشروعية الدفاع عن قضية تمنحه الحق في الجنون والجنوح. وكم هو مخجل ونحن الذين نصرخ ضد الظلم والارهاب للفلسطينيين في الأراضي المحتلة ان نجد انفسنا في موقع المتهم بارتكاب الجريمة. الآن كل اصابع الاتهام موجهة نحو العرب وقد خسرت الانتفاضة التعاطف الذي قدمت في سبيله تضحيات كبيرة. وكل ما حققته لقطات اغتيال محمد الدرة من تعاطف محته تلك اللقطات العاطفية لأطفال فلسطينيين يرقصون مبتهجين بما حدث. يتكرر بثها بكل اصرار. تلك هي نتيجة عدم الوعي بما يخدم القضية وما يضرها. سارع المسؤولون - ولكن بعد ان أصيبت القضية في مقتل - الى محاولة تصحيح الموقف وعبّروا عن تعاطفهم وألمهم واستعدادهم للتعاون في التحقيقات لتحديد الجهات المسؤولة ومعاقبتها. ومعهم حق ... لا عاقل منا شعوباً او قيادات يرغب في ارهاب منفلت لا يميز المقبول من غير المقبول. ونحن المتضررون بالدرجة الأولى ... حتى كتابة هذه السطور لا أحد يعلم بالتأكيد من الذي نفّذ التفجيرات ولا من خطط لها او موّلها او أوعز بها. كائناً من كان لا يمكن تبرير ما حدث. ولكن العرب والمسلمين في كل العالم يدفعون ثمن الجريمة. بل كان من يشتبه في انه شرق اوسطي بغض النظر عن جنسيته او دينه. وذلك السيخي الذي تعرض للضرب يمثل هذه الحقيقة. عشرات العرب الأميركيين والأوروبيين تعرضوا وما زالوا معرّضين في منازلهم ومقار اعمالهم للاعتداء. ولا شك في ان تقبل العربي في الغرب دخل مجال التساؤل والتشدد والتعنّت سواء كان يقصد الغرب للدراسة او للتخصص او للتدريب او للهجرة بحثاً عن الرزق. في النهاية لا مستفيد مما حدث من مآسٍ إلا اسرائيل... كل الباقين خاسرون وأولهم العربي الذي يبحث عن عدل يحرره من الظلم الذي هو فيه فأضحى متهماً بظلم أفظع. *** قال لي زميل اميركي: سأقول لك ما لم أقله لأحد ... مثل هذا العمل اقرب من يستطيع تنفيذه هو الموساد. وقلت لنفسي: لو قلت هذا لاتهمت بأنه منطق المؤامرة! ليت هذه تكون الحقيقة ... وتتضح للعالم ليبقى للعرب والمسلم وجهه الانساني.