ما من مسلم عاقل، سوي الشخصية، كامل الإيمان، يرضى بإلحاق الأذى بالأبرياء من الأطفال والنساء، حتى ولو كانوا لنا أعداء، وما من عاقل على وجه الأرض، سوي التفكير، يرضى بأن تعاقب أمة أو دولة لذنب أو جريمة اقترفها فرد، أو قلة من هذه الأمة أو تلك الدولة. لكننا ماذا نقول في عصر العجائب؟! ذلك العصر الذي شاءت الأقدار أن نعيش فيه، حيث يأكل القوي الضعيف، وتفتري «الدول الكبرى» على ما دونها من دول، فتحل لنفسها ولجنودها، بل ولمجرميها كل شيء، القتل والسلب والنهب، بينما تعاقب الآخرين على ما يرتكبه الجهلاء منهم، بل على «النوايا» في كثير من الأحيان. هذا ما يحدث بالفعل في أيامنا هذه، وما نكتوي به، وما نعانيه من تسلط ما يسمى بالدول الكبرى. نعم، نحن ندين محاولة المواطن النيجيري تفجير طائرة مدنية، كانت تقل على متنها العشرات من البشر الأبرياء، بغض النظر عن سلوكيات دولهم، لكن لايمكن أن نقر بمعاقبة ما يقرب من أربع عشرة دولة، لمجرد وجود بعض المنحرفين أو الإرهابيين من بين رعاياها، والعقاب في هذه المرة ليس غزوا للأراضي، ولا قصفا للمواقع، وإنما هو كشف للعورات، ولأعضاء الجسد الحساسة أمام الشاشات، بحجة الكشف عن المتفجرات التي ربما، وأقول ربما، تكون مخبأة في مكان ما من هذا الجسد الذي يحترمه الإسلام، ويحفظ له حرمته، ويصونه من كل فعل أو عمل يخدش أعضاءه أو ينال منها. إن الحقوق العادلة التي أرساها الإسلام في الآية الكريمة (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قاعدة عقلانية ومنطقية، فليس من العدل أو المنطق أن تجور أمريكا أو أي دولة على حقوق الإنسان التي يزعمونها لرعايا دولة بكاملهم، لأن أحد رعايا هذه الدولة، أو بضعة أفراد منها، قد ارتكبوا جرائم، أو خططوا لعمليات ضدهم. العقل والمنطق والعدل والصواب أيضا في اعتقادي هو معالجة الأسباب لا وقف الأعراض، أعني معالجة أسباب المعاداة لهذه الدول، ومحاولة النيل من رعاياها ومنشآتها، والأسباب واضحة جلية، وتتمثل في الظلم البين تجاه الدول العربية والإسلامية، حيث غزو أراضيها، وقتل، بل إبادة قراها وسكانها، والسيطرة على مواردها، فإذا انعدمت هذه الأسباب وزالت هذه السلوكيات، فلن تجد مواطنا عربيا أو مسلما يعتدي على الغربيين ومنشآتهم، وليجربوا ما أقول، ولينسحبوا من تلك البلدان التي أنهكوها بفسادهم وظلمهم، وعندها سينعمون بالأمن والأمان. إن المنطق الأمريكي والغربي بشكل عام، والمتمثل في «العقاب الجماعي» لرعايا أربع عشرة دولة، بالكشف عن ِأجسادهم التي صانتها الشرائع والقوانين، سيجعل الكثيرين يفكرون في أخذ الأمريكيين جميعا بجريرة ما ارتكبته شركة (بلاك ووتر) مثلا في العراق، أو ما ارتكبه بعض الجنود الأمريكيين في سجن «أبو غريب»، وهذا مرفوض شرعا وعقلا، لكنه مقبول وفق الشرع الأمريكي والمنطق الغربي، وعندها سيتحول العالم إلى غابة، وسيكتوي الغرب بما سنه من سلوكيات، وما نهجه من سياسات، وعندها أيضا سيصدق المثل العربي: «على نفسها جنت براقش». للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة