من تأليف سلافة عويشق واخراج عباس النوري لعبت الفنانة أمل عرفة دور البطولة في تمثيلية تلفزيونية عنوانها "ذاكرة صعبة" الى جانب انطوانيت نجيب وقصي خولي ومحمد آل رشي وسلافة عويشق وآخرين... ولعل المفاجأة الأكبر كانت في متاعبة عباس النوري مخرجاً وسيناريستاً، بعد أن تميز على الشاشة الصغيرة ممثلاً له حضوره وجمهوره العريض... وإذا كانت أمل عرفة تواصل مشوارها الفني بجدية فائقة لإيجاد موقع يليق بامكاناتها الفنية المتعددة وأهمها قدرتها وتميزها في إقناع المشاهد بأصالة موهبتها الفنية التي لم تنطلق من فراغ فهي ابنة الفنان سهيل عرفة فإنها دخلت الغمار الفني من الباب الواسع والطريق الصحيح، بعد تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحية أواخر الثمانينات... وهي لم تقتصر على تسجيل حضور مميز لها درامي فقط، وإنما استطاعت أن تُقنع المشاهد تمام الاقناع بأن الكوميديا ليست حكراً على الجنس الآخر. وربما لا يتسع المقام هنا للحديث عن تجربة أمل عرفة ككل، وذلك لإفساح المجال للحديث عن "ذاكرة صعبة". اللافت في هذا العمل التلفزيوني هو مناخ الفيلم الذي قدم فيه إذا صحت التسمية، حيث قُدّم كدراما مركّزة قرابة الساعتين ما أتاح للمشاهد فرصة التفاعل مع الحدث الدرامي وقراءة الذاكرة قراءة معمقة، خصوصاً أن الفكرة الدرامية بحد ذاتها أتت ترجمة للواقع والبيئة العربيين على عمومهما إذا لم نقل السورية في خصائصها وحيثياتها... تبدأ "الذاكرة"، والتي لعب فيها عباس النوري مخرجاً تحدياً، بجدارة. إذ تحدى الممثل الذي في داخله كي يتيح للمخرج اظهار امكاناته العالية وخبراته المتراكمة، وتجلى ذلك في التداخل الزمني للذاكرة بين الحاضر والماضي ما أعطى الفرصة للمشاهد لاستشراف مستقبل الوقائع والأحداث التي تدور بين شاب وفتاة في مقتبل العمر قصي وأمل يعيشان قصة حب، ويبدآن معاً في تشييد الحلم وشقّ طريق المستقبل خطوة خطوة تغمرهما سعادة تفوق الوصف والتمنّي... ويتقدّم الشاب لخطبة أمله الفتاة التي تنتمي الى أسرهة ثرية يتحكم في مصيرها الاجتماعي أخ بكر متسلط محمد ال رشي، وأم سلبية لا تحسن اتخاذ القرار أو حسم المواقف، وأخت مُحبّة عقلانية، لا حول لها ولا قوة، دؤوبة ومجتهدة في مجال دراسة الحقوق سلافة عويشق. وتتداخل الأحداث ويتفاقم الجرح بعد تقدّم عريس منافس، ما يضطر الحبيب الأمول الى الانسحاب والهجرة لمتابعة التحصيل العلمي والمادي معاً مكتفياً بإلحاحه على محبوبته بالاتظار، وتحاول الحبيبة بدورها التنصل من الزواج الذي يحتّمه عليها الأخ البكر وولي الأمر بعد غياب الأب، وتفشل المحاولات معه ما يضطرها الى مفاتحة العريس المُباغِتْ بحقيقة الأمر وتطلعه على سرّها بواقعية تامة وجرأة كبيرة، وعن طبيعة العلاقة التي كانت تربطها برجل آخر. ويدهشها رد فعله، بل وتتعسها ديموقراطيته المكتسبة في تبرير الموقف واقتناعه الكامل انه "ما من فتاة من دون قصة حب" و"هذا شأن طبيعي" و"مطلب فيزيولوجي" و"هذا "نورمال" للغاية" كما يقول، خصوصاً انه طبيب تعلّم ويقيم في إنكلترا وهذا كافٍ ليسلبه شرقيته وتقاليدها المتزمتة. عودة الخائبة يتمّ الزواج بعد نفاذ كل الحيل والوسائل للحيلولة دون ذلك. وتتوالى الأحداث والسنوات لتعود أمل متعبة خائبة لتعلن غربتها المزدوجة بأعلى صوتها. وتتجدد أزمتها في قرار الأهل بعودتها لاى زوجها ثانية. ويعود حبيبها الذي تجمعه بأختها ذاكرتهما المشتركة وتواصل الكاميرا حركتها النوعية بين الماضي والحاضر ترافقها موسيقى معين خلف التصويرية التي تضفي علي المشهدية الدرامية بُعداً جديداً وداعماً حيوياً الى جانب الاضاءة المتفاتتة بين ظُلمة الحاضر وسطوع ذاكرة الماضي، ويرتبطان معاً بقصة حب وزواج تعويضي ربما. وتتكاثف الأحداث بعد برقية تلقاها قصي من شقيق أمل البكر إذ بدأت ملامح الزمن تظهر على الوجوه الحزينة ويتزايد حضور أمل كذاكرة على رغم فراغ الحضور الآني لينتهي المطاف الطويل عبر طريق المطار الى قاعة الانتظار التي يجلس فيها محمد آل رشي وحيداً بائساً ليستقبل قصي بحميمية بالغة تأخرت كثيراً حتى فوات الأوان. ويترافقان مع سلاف الى مخزن الطائرة التي يحمل فاجعتهما معاً. وتجول الكاميرا جولتها حول الصندوق الخشبي المسجاة داخله جثة الحبيبة التي أعلنت في وصيتها عن وجوب استلام الجثة من قبل الحبيب. وكأنها بذلك أرادت أن تؤكد أن هذا الحب الكبير الصادق لم يكن مجرد مراهقة مبكرة وعلاقة عابرة جمعت بين قلبين لم تفرقهما الغربة والمصالح والماديات والمراحل والأحداث... ولا بد أخيراً من لااشارة الى قصي خولي الذي يتألق في التعبير عن مشاعره الصادقة مع أمل عرفة بأداء قادر ومتمكن وعفوية تبشّر وتعد بالشيء الكثير... وبخاصة عندما يغرق في حزنه ودموعه لحظة الاستقبال الأخير...