يعود المطرب اليوناني الشّهير ديميس روسوس الى جذوره الشرقية العربية في مهرجانات بيبلوس الدولية "ميديتيرانيو 2001"، التي سيحييها في 30 - 31 آب اغسطس و1 أيلول سبتمبر في جبيل. هذا العام سيعيد الجمهور اكتشاف أغنيات روسوس التي يرددها عن ظهر قلب في توزيع موسيقي شرقي جديد أعدّه المنتج والملحّن ميشال إلفتريادس. "الحياة" التقت روسوس على هامش التّحضيرات. وكان هذا الحوار. لم يتبدّل ديميس روسوس في شكله فهو حافظ منذ بداياته على جسمه البدين، وشعره الطويل وذقنه غير الحليقة، لم يتغير فيه سوى المشيب الذي خط شعره وزاده جاذبية. وعلى رغم وزنه الثقيل فإن روسوس خفيف الظلّ لا تفارق البسمة وجهه. ولم تؤثّر الشهرة العالمية التي نالها على تعامله مع الناس والمعجبين كما يبدو، يصافحهم باسماً ويتقبّل التقاط الكثير من الصور مع الصبايا والشباب الذين ورثوا الإعجاب بصوته عن آبائهم وأمّهاتهم. لكنّ وراء البسمات التي يوزّعها يخفي روسوس رجلاً شديد الدقّة، وهو بدا مهتماً جداً بصحيفة "الحياة" وسأل الكثير من الأسئلة عن أماكن طباعتها والبلدان التي تصدر فيها. وفي حديثه عاد أرتيميوس فنتوريس روسوس في ذاكرته الى مدينة الإسكندرية التي شهدت ولادته في 15 حزيران يونيو عام 1947، حيث كان والده جورج يعمل هناك مهندساً للديكور ليعيل عائلته المؤلفة من زوجته أولغا وابنيه كوستاس وديميس، يقول: "أحتفظ بذكريات جميلة جداً من الإسكندرية، وتمثّل مصر بالنسبة إلي جذوري العربيّة وأنا حتى اليوم أتكلّم العربية باللهجة المصريّة". ويضيف: "أنا فنّان صاحب عقليّة عالمية، أملك الجانب العربي من طفولتي، والجانب اليوناني عبر ثقافتي، والجانب الحياتي اليومي من الثقافة الأنكلو ساكسونية والفرنسية. هذا المزيج الذي قوي عبر أسفاري يمنحني سهولة في التأقلم مع الحضارات المختلفة وأعتبر الأمر نعمة حقيقية". إنطلاقاً من هذه الشخصيّة الكوزموبوليتية، يبدو روسوس متحمّساً للتجربة الفريدة التي سيخوضها في جبيل، والتي يصفها ب"المختلفة جداً"، خصوصاً أنه سترافقه آلات شرقية مثل القانون والناي والبزق والمزمار وسواها، يقول: "بعدما أصبحت أغنياتي من الكلاسيكيات سيكون لها وقع مختلف لدى الجمهور مع التوزيع الجديد الذي اهتمّ به ميشال إلفتريادس الشاب الموهوب والديناميكي. إنّ الموسيقى الإتنيّة تجتاح العالم اليوم، والموسيقى الشرق أوسطيّة تنبع من جذوري كوني عشت في مصر حتى سنّ ال15 عاماً. إنّها موسيقى غنيّة قديمة وعريقة، وأنا أثق جيّداً بالأشخاص الذين يهتمّون بالمشروع". ألم يخف روسوس الذي ضربت أسطواناته الأرقام القياسية مبيعاً من خوض هذه المغامرة الموسيقيّة الجديدة؟ يجيب واثقاً: "يجب عدم الخوف من شيء في الموسيقى، لأنّه إذا خاف المرء في الموسيقى يتوقّف عن الإبداع. الموسيقى في حدّ ذاتها مغامرة لا حدود لها. لو وجدت أن التجربة غير ناجحة لما خضتها. والواقع أنها تجربة لن تدفعني الى الأمام لكنّها أيضاً لن تؤخّرني. والحقيقة أنني وصلت الى نقطة لم أعد أحتاج فيها لأن أبرهن من أكون. لذا أقوم بالأمور التي أحبّ أن أقوم بها وأتمنى لكثيرين من زملائي ومن المغنين الذين يصلون الى هذه المرحلة أن يتمكّنوا من القيام بالأمور التي يرغبون فيها. وهذا الأمر مهم ولا يوجد أشخاص كثيرون قادرون على القيام بذلك". يحلو لديميس روسوس ان يتكلم عن حبّه للمغامرات التي لا تتعدّى لديه إطار المطبخ! يقول مازحاً: "كنت أودّ لو أتسلّق الجبال لكنّني أخشى من أن أصاب بألم في ظهري، المطبخ هو مغامرة أعشقها جداً، لأنّ الطهو يشبه الموسيقى، لا يوجد موسيقى رديئة بل موسيقيون رديئون، ولا توجد أطباق رديئة بل طبّاخون سيّئون. الطهو هو فنّ في حدّ ذاته وأكبر دليل اختلاف الطعم في الطبق ذاته بين طبّاخ وآخر". يعتبر روسوس أنّه صاحب رسالة سماوية يؤدّّيها في غنائه، ويبدو أنّه يؤمن بالتقمّص: "أغني لأن لديّ رسالة، أنا أؤمن بالحياة السابقة وأعتقد أنني كنت في حيوات سابقة مبشّراً دينياً، حيواتي الثلاث أو الأربع السابقة كانت أهم من حياتي الحالية. ولكن الإنسان في كلّ حياة يعيشها يكون مرتبطاً بالحيوات السابقة. في بداية حياتي الفنية كنت أرفع يديّ في طريقة لم أكن أفهم مغزاها لكنني أشعر بها، بعدها عندما صرت أهتمّ بالعالم الروحي إكتشفت أنني أقوم بذلك في شكل عفوي بسبب عملي التبشيري في ما مضى، وأنني أتابع رسوليتي عبر الموسيقى". يعتبر ديميس روسوس نفسه رجلاً محظوظاً، ويردد أنه لم يمرّ في صعوبات تذكر في حياته الفنية: "صحيح أنني أكلت السندويشات في وقت من الأوقات، ولكن حينها لم أكن أتجاوز ال20 من عمري. المرحلة الصعبة التي عشتها كانت حين هجّرنا من مصر أثناء أزمة قناة السويس. لكن والدتي ساعدتنا على تخطّي الأمر. في سنّ الشباب لا يشعر المرء بالصعوبات التي يمرّ بها لكنني اليوم ما كنت لأتحمّلها". يعبّر روسوس أخيراً عن سعادته العميقة لملاقاة الجمهور العربي أينما وجد في تجربته الغنائية الجديدة "التي أقدّمها الى عرب العالم أجمع، وإنني ألتقي بكثير من العرب أثناء حفلاتي في الخارج" ثمّ يعود ليسأل هل تصل "الحياة" الى الجاليات العربيّة في نيويورك! فأجيبه: أجل.