تعيش بلدة إهدن الشمالية اللبنانية منذ الثالث من آب (أغسطس) الجاري حتى 24 منه تظاهرة فنّية ثقافية وتراثية بامتياز. فقد شهدت حفلتين ناجحتين، الأولى بعنوان «تراث وحنين» لفرقة فهد العبدالله اللبنانية للرقص الفولكلوري»، والثانية للسوبرانو الفرنسية إيما شابلن. واليوم سيكون الجمهور اللبناني مع حفلة استثنائية للمغني اليوناني ديميس روسوس نفدت بطاقاتها منذ الإعلان عن مجيئه الى لبنان. ويكمل مهرجان إهدنيات الدولي الذي تمّيز برنامجه هذه السنة، مع فرقة موسكو للباليه الروسية، والمغنية اللبنانية حنين، إضافة إلى حفلتين للفنان العراقي كاظم الساهر الذي يختتم «ليالي الأنس في إهدن». من الواضح أن اللجنة المنظمة للمهرجان، حرصت في هذه الدورة على جذب مروحة واسعة من ذواقة الفنون الاستعراضية والغنائيّة عبر اختيار تشكيلة منوّعة من أبرز النجوم والاستعراضات الفنية. وقد شكلت كلمة «الأسطورة» الصفة المشتركة لكل من المشاركين في المهرجان وفق موقع «إهدنيات» الإلكتروني. لذلك ليس مستغرباً أن يحضر البعض كل الحفلات نظراً الى تنوعها وغناها، ضمن قالب من مناخ لطيف ومسرح ضخم شيّد على بقعة أرض مواتية في الهواء الطلق على سفوح جبل المكمل، وهو أحد أعلى القمم في لبنان. ولكن، تبقى الحفلة الأكثر تميّزاً هنا لابن الإسكندرية الكوزموبوليتية اليوناني ديميس روسوس الذي حل ضيفاً على زحلة في آب (أغسطس) 1999 وعلى «مهرجانات بيبلوس الدولية» في 2001. ابن المتوسط ولد أرتميوس (ديميس) فنتوريس روسوس ونشأ في الإسكندرية في مصر لأبوين يونانيين. وقد اضطرت العائلة للعودة إلى الوطن الأم اليونان بسبب خسارتها معظم ممتلكاتها في «أم الدنيا»، في العام 1961. كان ديميس قد بلغ الخامسة عشرة من العمر حينها، وكانت للأحداث التي عاشها في مرحلتي الطفولة والمراهقة الأثر الواضح في أعماله الغنائية لاحقاً. ثمة صلات عدة تربط روسوس (67 سنة) بلبنان، فهو المتوسطي المولد (الإسكندرية)، العربي النشأة (مصر) واليوناني الثقافة. غناؤه مليء بالإحساس مضموناً وأداء. ولطالما اختار مواضيع إنسانية تحاكي الوجدان، والفرح والحزن، والحلم والحقيقة، والحنين والذكريات، والصداقة والوداع... أما صوته الغني عن التوصيف، يتمتّع بفخامة عريضة، طيّعة وقادرة على التأقلم مع أنواع التيمات الموسيقية. ويعرف روسوس بأدائه الحيوي الفريد الذي يعتبر الإطار الذي يغلف إحساسه وصوته على السواء. ولا شك في أن التناقض بين رقة الكلمات وضخامة الصوت مغلفاً بلحن كأنه يأتي من مكان وزمان بعيدين في أقاصي الأرض، ينسج تلك الخصوصية في نجومية الرجل. كذلك للجمهور من مختلف الأعمار والفئات، وتفاعله مع النجم، والزمان والمكان، أثر بالغ في رسم مشهدية معبّرة. يصعب على المرء أن يلتقي ديميس روسوس من دون أن يشعر بعبق التاريخ ورهبة الوجدان وزهوة الحاضر، لذلك ينتظر ان تشهد حفلته الليلة تفاعلاً من نوع آخر بينه وبين جمهور يحضر ليشحن مرة أخرى قلبه بجرعة عذبة من الحب، ونفسه بفيض من العواطف الإنسانية الجياشة في قالب راقٍ.