في أول زيارة لرأس الكنيسة المارونية لمنطقة الشوف - جزين منذ نحو مئتي عام، بدأ امس البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير جولة راعوية على المنطقة تستمر حتى بعد ظهر غد الأحد، يزور خلالها اليوم رئيس الجمهورية اميل لحود في المقر الرئاسي الصيفي في قصر بيت الدين، اضافة الى اجتماعه اليوم ايضاً مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في المختارة وهو في طريقه الى جزين. وتأتي جولة البطريرك صفير على الشوف وجزين، بعدما تأخرت اكثر من عامين، وتتزامن مع الانفتاح الحاصل بين بكركي وجنبلاط الذي كان خاض الانتخابات النيابية في العام الماضي على اساس فتح صفحة جديدة في علاقته بالمسيحيين واستعجال اقفال ملف عودة المهجّرين، اضافة الى انها تشكل محطة سياسية، على رغم حرص سيد بكركي على ان تبقى راعوية وذلك لما يواكبها من جهود حثيثة لإزالة الآثار السلبية المترتبة على الحروب المتتالية التي شهدتها منطقة الجبل والتي تداخل فيها العامل الاقليمي مع العامل المحلي، خصوصاً انها خلفت وراءها التهجير والمآسي والأحقاد... وقد أدى التقارب الى تسريع تضميد الجراح من خلال المصالحات الجارية. وشكل الاستقبال الشعبي الكبير الذي اقامه جنبلاط للبطريرك صفير بين بلدتي دميت وكفرحيم، تأكيداً على مضي رئيس التقدمي في انفتاحه على الحوار مع المسيحيين الذي شهد امس على هامش الاستقبال عودة احزاب سياسية للمرة الأولى الى المنطقة، لا سيما حزب "القوات اللبنانية" الذي كان حاضراً بكثافة في الناعمة والدامور. وحرص جنبلاط بتعاطيه الايجابي مع الزيارة على ان تحمل طابعاً مميزاً، وهذا ما برز من خلال اللافتات التي رفعت في الشوف وتميز بعضها بالاشارة الى ان "العلاقات اللبنانية - السورية اساس الانتصار ضد اسرائيل" وإلى ان "تطوير وتعميق هذه العلاقات ضمانة لمواجهة التحديات"، كما اشارت اللافتات التي رفعها الحزب الاشتراكي الى ان "اتفاق الطائف للتطبيق والتطوير"، اضافة الى لافتة أكدت ان "لا ثنائية درزية - مسيحية" في اشارة الى رغبة جنبلاط في اعداد استقبال وطني لا طائفي او مذهبي. وبدوره لم يكن البطريرك صفير بعيداً من اجواء المحبة التي انطوى عليها الزحف الشوفي الشعبي لاستقباله، اذ اكد وهو يغادر الديمان الى الشوف "اننا نعمل يداً واحدة وقلباً واحداً في سبيل خيرنا المشترك"، لافتاً الى انه "يجب الا ننتظر من احد من الخارج كي يأتي وينقذ وطننا". وكرر موقفه الداعي الى المحبة والحوار في كل محطات توقفه، وهو في طريقه الى بيت الدين، مشدداً على اهمية التعددية الحزبية وحماية الحريات العامة وصون الدستور، مشيراً الى ان "من دون الحرية والسيادة والاستقلال لا يمكن ان ننعم بالهدوء والاستقرار"، ومشدداً على موقفه من العلاقة مع سورية بلهجة ودية هذه المرة، وذلك في اشارة الى دعوة الوزير طلال ارسلان لدى استقباله له في دارته في خلده، لإقامة علاقات مميزة بين لبنان وسورية. اما في بلدة كفرحيم الدرزية، وكانت اكثر المحطات حشداً نظراً الى وجود الألوف في استقباله، فألقى صفير كلمة في حضور نواب اللقاء الديموقراطي والمئات من مشايخ الدروز، قال: "ان العيش المشترك كان وسيبقى الدعامة الاساسية لبقاء بلدنا لبنان وديمومته، وإذا كنا مررنا بين الحين والآخر بفترات مظلمة من التاريخ، فإن بعض هذه الازمات يمكننا ان ندعوها ازمات مراهقة، لكننا تخطينا سن المراهقة فأصبحنا رجالاً أشداء وعقلاء وطوينا صفحة الماضي وفتحنا صفحة جديدة هي صفحة التكاتف والتضامن في سبيل لبنان وحده، وهذا ما ينادي به الزعيم الكبير وليد بك جنبلاط، وهذا ما ننادي به معاً، وهذا ما ينادي به كل عاقل ومخلص للبنان واللبنانيين الذين يمدون ايديهم لجميع اصدقائهم وجيرانهم بالدرجة الاولى". ورأى "ان اللبنانيين تواقون ليكونوا احراراً في بلدهم كغيرهم في بلدانهم"، وقال: "نحن نعامل الجميع بكل مودة واحترام، فليعاملوننا بمثل ما نعاملهم". ووجّه البطريرك صفير "تحية الى بني معروف وإلى العيش المشترك".