سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
استقبال حاشد "ارسلاني"و"قواتي"و"شمعوني" ... والجنبلاطي كان مميزاً . صفير يبدأ زيارته التاريخية الى الشوف وجزين : على اللبنانين ان يتضامنوا حول لحود لنصل الى الاستقلال
} كرّس البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير، الانفتاح الماروني الدرزي في جبل لبنان، امس بزيارة حرص على التأكيد انها "رعوية" لمنطقتي الشوف وجزين لابعاد التفسيرات السياسية عنها. الا ان الزيارة اخذت ابعاداً سياسية، الى المنطقة التي تتميز باستناد الزعامة الجنبلاطية، التي يتبوأها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الى قوتها فيها على مر الزمن، خصوصاً ان جنبلاط بدأ منذ نيف وسنة التقارب السياسي مع القيادات المسيحية وفي مقدمها صفير. ورافق الزيارة مظاهر الحضور المباشر لتنظيمات سياسية كانت الحرب التي شهدها الجبل في العام 1982 بين حزب جنبلاط، وحلفائه، من جهة وحزب الكتائب و"القوات اللبنانية" وعدد من الاحزاب المسيحية، من جهة ثانية، ابعدتها عن المنطقة فظهر رموزها وقادتها، وأبرزهم الرئيس السابق أمين الجميل الذي وقعت الحرب في عهده، اثر سيطرة "القوات" والكتائب على الجبل عقب الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982. وارتفعت في بعض قرى الساحل أعلام للقوات اللبنانية، وصور لقائدها الدكتور سمير جعجع. أتت زيارة البطريرك الماروني نصرالله صفير للشوف في وقت قطعت عودة المهجرين، لا سيما المسيحيين الذين هجروا نتيجة هذه الحرب، شوطاً، كانت اعترضته عراقيل سياسية أحياناً ونقص المال اللازم لمساعدة المهجرين على بناء ما تهدم، احياناً اخرى. وتوقعت الأوساط السياسية القيادية ان تعزز الزيارة هذه العودة. فمحطته الأولى كانت في خلدة في دارة الوزير طلال ارسلان الذي احتشد آلاف من مناصريه رافعين أعلاماً لبنانية واعلام "الحزب الديموقراطي"، وعشرات من مشايخ الطائفة الدرزية. ورفعت في المنطقة لافتات كثيرة مذيلة باسم الحزب الجديد منها "أهلاً وسهلاً بصاحب الغبطة في عرين بطل الاستقلال" الأمير مجيد ارسلان، و"الدار التي لم تفرق ولم تميز في عز الأزمات لن تتغير وستبقى لكل لبنان". والناس لم يذهبوا في ترحيبهم بزيارة صفير بعيداً عن مضمون هذه اللافتات، ولم يخفوا بهجتهم لدى وصوله اذ استقبلوه على انغام موسيقى الكشافة ونثر الرز. وشارك في الاستقبال من السياسيين في خلدة نجل رئيس الجمهورية النائب اميل اميل لحود، والنائب انور الخليل. ولم يكن دخول صفير ومرافقيه من المطارنة وأبرزهم بولس مطر ورولان أبو جودة، من حيث ترجلوا من السيارة واستقبلهم ارسلان ولحود، الى حيث أقيمت المنصة سهلاً. فاحتشاد الناس ترحيباً جعل المسير صعباً وبخاصة ان صفير أصرّ على مصافحة كل المشايخ الذين جلسوا في الصف الأول. وما كاد صفير يصل الى المنصة ويسلم على الحاضرين ونسوة خرجن منهن والدة ارسلان السيدة خولا وعقيلته زينة، حتى ألقى ارسلان كلمة أشار فيها الى قول صفير ان الزيارة رعوية. وقال ان "لبنان عانى وما زال حتى تكتمل عودة المهجرين عودة حقيقية وطنية ونهائية من دون منّة من أحد، تطوى معها الى الأبد مأساتنا جميعاً، مقيمين وعائدين إذ ان راحة انساننا من راحة أخيه في المواطنية...". وتمنى ان "نطوي معاً صفحة التعايش لنبني هيكل الوحدة المعنوية على قاعدة ثقافة وطنية هي ثقافة اللاعنف التي يقول بها البابا يوحنا بولس الثاني والتي هي شعارنا في الأساس". وذكر بمواقف والده الراحل الأمير مجيد ارسلان الاستقلالية وفي فلسطين. وفي حين اعتبر ارسلان ان "خلدة بوابة الجبل"، أكد التمسك بلبنان وبعروبتنا تمسكنا بكرامتنا، مشيراً الى حجم المخاطر من اسرائيل والى ان قدر لبنان ان يدوم بالعلاقة المميزة والمثلى مع الشقيقة التوأم سورية اذ انها تحصن سيادة لبنان واستقلاله. وشكر صفير لارسلان الاستقبال الحافل الذي لقيه، مؤكداً ان زيارته "لن تكون الا رعوية، تشوّقنا منذ زمن بعيد كي نقوم بها لكن الظروف المعاكسة لم تكن تسمح لنا بالقيام بها. ورأينا ان معظم الذين كانوا مهجرين عادوا وبنوا بيوتهم فعمر الجبل بهم فرأينا ان نلتقيهم في الجبل الأشم وهو قلب لبنان النابض". وأضاف: "ما كنا لنفرق بين طائفة وطائفة وجماعة وجماعة. وما دمنا كلنا لبنانيين فاننا جميعاً نذود عن حياض لبنان ليبقى وطن الحرية والاستقلال والشموخ. نحن ما تنكرنا يوماً للعرب والعروبة، ونحن في ما بينهم، ولبنان معروف ما موقعه وإننا نريد ان نحافظ على هويتنا اللبنانية اولاً ثم لبنان العربي على ما حدده الدستور اللبناني". وتابع: "علاقتنا مع سورية هي علاقة مودّة، لأن لنا مصلحة مشتركة في أوثق العلاقات بين لبنان وسورية وهما جاران شقيقان ولكن لنا حق في السيادة والاستقلال والقرار الحر. واننا نأمل في ان يضع اللبنانيون جميعاً أيديهم بأيديهم تحت رعاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود واننا نحيي نجله اليوم في ما بيننا، لكي نصل الى ما نريد وهو استقلال لبنان وسيادته". وامل بان يبقى الجبل مثال عيش مشترك الذي قال فيه الحبر الأعظم: إن لبنان أكبر من بلد، انه امثولة ومثال للتعايش والحرية". ثم انتقل الى بلدة الناعمة حيث احتشد مئات كان بينهم عشرات الشبان رفعوا صوراً لقائد القوات اللبنانية المحظورة الدكتور سمير جعجع ولافتات تدعو الى اطلاقه ومنها "سمير جعجع قضية وطنية". وهتف عدد من الشبان لحظة مرور صفير "براءة براءة سمير جعجع براءة". وبعد كلمة ترحيبية من المطران مطر، قال صفير: "اننا عرفنا منه أي المطران مطر إبن بلدتكم البار ومن سواه، كم قاسيتم وصبرتم على المحنة وكم اصابكم من دمار وخراب، لكننا نحمد الله ان العيش المشترك في ما بينكم لم يتعكر صفاؤه، وقد تعرضتم معاً لما تعرض له الكثير من اللبنانيين فكنتم شركاء في الضراء كما انتم شركاء في السراء". ولفت الى دور ابناء البلدة في اعادة بناء ما تهدم من بلدتكم من معابد ومساجد وبيوت سكن وأرزاق. وأضاف: "ان خسارة المال والأرزاق ليست بخسارة ولكن خسارة الكرامة هي كل الخسارة، ونحمد الله ان الكرامة مصانة". ثم انتقل صفير الى الدامور التي لم يكن أول بطريرك ماروني يزورها، اذ قال بعض ابنائها ل"الحياة" ان "البطاركة عواد ومخلوف ودويهي زاروها قبل نحو مئتي سنة". وعن انطباعهم قالوا وهم متحلقون في ساحة البلدة حول نواب اللقاء الديموقراطي من كل الطوائف ويترأسه جنبلاط، وأبرزهم الوزير مروان حمادة في حين كان سياسيون ينتظرون وصوله في الكنيسة أبرزهم رئيس الجمهورية السابق امين الجميل، ان "زيارة صفير تعيد اللحمة الى المنطقة وتثبت العيش، وتبعث الطمأنينة في النفوس". وما كاد صفير يصل حتى تحلق الناس أيضاً كما في غير مكان، ما حدا بأحد الآباء يندفع في الناس قائلاً "افسحوا الطريق، سيدنا رح يفطس". كررها مراراً كثيرة، لكن أحداً لم يفسح في الطريق بل تابعوا صعوداً بخطى بطيئة حول صفير وأمامه ووراءه اذ كان حشدهم أكبر من الحشدين السابقين. ورفعت أعلام لبنانية ول"التقدمي الاشتراكي" و"الاحرار" و"القوات اللبنانية"، وعلقت لافتات بعضها يدعو الى "خروج الجيش السوري". وما ان وصل صفير الى مذبح الكنيسة بشق الأنفس، حتى ترأس قداساً وألقى كلمة قال فيها: "انتم تعلمون اننا حاولنا غير مرة ان نقوم بمثل هذه الزيارة الراعوية اليكم وإلى منطقتكم، ولكن الرياح كانت تجري بما لا تشتهي السفن". وأضاف: "على رغم ان كثراً من بينكم لم يتمكنوا بعد من العودة نهائياً للسكن في بلدتكم التي تزدهر بكم، مثلما كانت قبل ان حدث ما حدث في العام 1976، وهو مؤسف كل الأسف، ولا نريد ان نعود اليه ونتوقف عنده على رغم ان ذكرياته الأليمة مغروسة في خواطركم وخاطرنا، ولا يمكننا ان ننسى اياماً مشؤومة من كانون الثاني يناير انتقل فيها من انتقل بحراً الى مرفأ جونيه في ظروف مأسوية. وكان تهجير اول في مطلع تلك السنة، وتهجير ثان بعد ست سنوات، وكلاهما مرّ أليم". وشكر الله على "ان الدامور لا تزال قائمة، وتنتظرها ايام زاهرة بعودة كل ابنائها اليها". وحذرهم من "الخصومات والشقاق، والانجراف وراء التعاليم المضلّة"، وقال: "وصيتنا اليكم ان تنبذوا عنكم الخلافات المؤذية، وتجمعوا رأيكم على الثوابت"، مشيراً الى "ان النظام الديموقراطي الذي نعيش في ظله، يسمح بتعدد الافكار والزوايا التي ننظر منها الى الامور، حتى لا يكون هناك رأي واحد يأتي ثمرة الحزب الواحد، وكأن العقول قد تعمقت". وأضاف: "ولكن النظام الديموقراطي لا يفسح في المجال الى الخلاف على الثوابت الاساسية التي يقوم عليها الوطن، ولا على القيم الاخلاقية والوطنية التي تحفظ له كيانه ومنعته وكرامته". وقال: "نحن واثقون من انكم لن تتركوا الخلافات المؤذية تتسرب اليكم، وأنكم ستعالجون كل الأمور بما عرف عنكم من تجرد وبعد نظر، وسعة أفق، وأنكم بتوافقكم وتضامنكم ستستحثّون من لم ينضموا بعد اليكم من ابناء الدامور للإقامة معكم في بلدتكم التي تعتبر بحق بوابة الشوف الأبي". وعقب القداس أقيم مهرجان خطابي أكد فيه النائب ايلي عون ان "ثمة صعوبات تواجه العودة"، داعياً الى "التعاون في هذا الشأن". وقال ان "أول مدماك من مداميك العودة ارتفع في الدامور"، مثمناً "الدور الكبيرالذي أداه جنبلاط حين كان وزيراً للمهجرين ويكمله اليوم حمادة". ورد صفير قائلاً "اردتم ان تجعلوا من ساحة الدامور ساحة البطريرك، لكن منذ ربع قرن عندما اندلعت نار الحرب في لبنان جعلوا من الدامور أولى ساحاتها ولكن أهاليها سيجعلون منها ساحة السلام والأمن والحرية". وواصل صفير مسيرته صعوداً في اتجاه كفرحيم حيث اقيم له استقبال من مناصري جنبلاط مميز وحاشد، وكذلك تنادى أناس كثر، ووقفوا على جانبي الطريق مضيئين شموعاً، وصولاً الى دير القمر فبيت الدين حيث سيقيم خلال الزيارة في الكرسي الاسقفي.