أضافت الزيارة التي قام بها امس رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النيابي ميشال عون، لمنطقة الشوف وتحديداً الى كل من دير القمر والمختارة وبيت الدين، يوماً وصفه عون بانه «تاريخي» جديد الى اجندة المصالحات الجارية بينه ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط، على رغم ما شابها من احتجاج من جانب حزب «الوطنيين الاحرار» على زيارة مقررة لعون لضريحي الرئيس الراحل كميل شمعون ونجله رئيس الحزب الذي اغتيل في عام 1990 داني شمعون في دير القمر، ما دفع عون الى الاستعاضة عن الامر بوضع اكاليل على نصب للشهداء (1860) في باحة كنيسة سيدة التل في البلدة، رفعت عليه صور كميل وداني شمعون. ورافق عون في زيارته وفد ضمّ نواب التكتل آلان عون، ناجي غاريوس، حكمت ديب، فادي الأعور، بلال فرحات، زياد أسود، عصام صوايا، ميشال الحلو، إبراهيم كنعان، عباس هاشم ونعمة الله أبي نصر، ومرشّحي عون الخاسرين في الشوف وعاليه والوزير السابق مروان أبو فاضل. محطات الزيارة واستهل عون زيارته في دير القمر، وصلها والوفد النيابي المرافق وانتقل الى كنيستها وسط استقبال شعبي، وشارك عون في صلاة ترأسها الأباتي مارسيل أبي خليل، وألقى عون كلمةً خصص جزءاً منها للحديث عن داني شمعون «رفيق الجهاد في الليالي المظلمة والمضنية والمقلقة»، وقال: «هو شهيد دير القمر، لكن شهادته كانت في سبيل كل لبنان، في فكرة ورمز عنوانه سيادة وحريّة واستقلال هذا الوطن. ولأنّه كان الأجرأ، قد يكون لهذا السبب استشهد. داني شمعون لا يُمحى من ذاكرتنا وفي كل مرّة نستذكره تعود الجريمة التي ارتُكبت بحقّه وبحقّ عائلته الى آنيّتها وكأنّها ارتُكِبت في هذه اللحظة». واشار الى الى أن «شعوراً متناقضاً ينتابه»: «أتألّم لهذا الفقدان لكننّي أشعر بالسعادة للقائكم. أتينا الى الشوف اليوم لا لإقامة مهرجانات سياسية. انما لإحياء ذاكرة تاريخية ومواجهة واقع لا يجب أن يتكرّر، كي نعيد التناغم لمكوّنات هذا الجبل لأنّ وحدته لن تكون بوحدة المسيحيين في ما بينهم ولا بالدروز في ما بينهم ولكن وحدة الدروز والمسيحيين معاً. ومن الآن فصاعداً يجب على كل منّا أن يشعر بكل أجزاء الوطن وإلا سنبقى شرائح مفكّكة». وقال الاباتي مارسيل أبي خليل ان «أهالي الجبل يعقدون آمالاً كبيرة على هذه الزيارة لاقفال ملف المهجرين والسعي الى ايجاد أنماء متوازن وفرص عمل تبقي العائد في أرضه». احتجاج «الاحرار» وكان انصار «حزب الوطنيين الاحرار» استبقوا وصول عون الى البلدة بالتجمع ورفع رايات الحزب عند مدخل مدافن عائلة شمعون ولافتات ابرز ما كتب عليها «تاجرت بمار مارون لا تتاجر بداني»، و «لا يحق لمن ترك عائلته وشعبه ان يزور ضريح الشهيد داني، كفى استغلالاً لدماء الشهداء يا جنرال». وعلمت «الحياة» ان رئيس الحزب دوري شمعون كان اعطى موافقته غير المباشرة على زيارة عون لمدافن العائلة وطلب عشية الزيارة من رئيس بلدية دير القمر فادي حنين اجراء الترتيبات اللازمة في محيط المدافن، الا انه عاد عن رأيه، عبر تصريح تلفزيوني (ال بي سي) صباح امس، قال فيه انه «يكفي النائب عون متاجرة»، معتبراً أنه «كان عليه لحظة وصوله من فرنسا أن يزور مدافن آل شمعون». ورأى أن «العماد عون ينتهج سياسة الاتجار للوصول إلى مشروع لديه وهو رئاسة الجمهورية كما أنه تاجر في مسألة ذكرى مار مارون»، وقال انّ على عون «الاعتذار من كل الأسرة الشمعونية ومن حزب الوطنيين الأحرار وبعدها نرى ماذا سيحصل». وأشار الى ان «العلاقة مع جنبلاط ليست مبنيّة على السياسة ولكن على السياسة المحليّة الجبليّة، وإذا قرّر أن يعود إلى مبادئنا السياسية فأهلاً وسهلاً وإذا أراد أن يرحل عنها فالله معه». وتعليقاً على ان عون يمثّل نصف المسيحيين، قال: «حتى لو كان يمثل كل المسيحيين فسأبقى على موقفي». ...في المختارة وانتقل عون الى المختارة حيث كان جنبلاط ونجله تيمور في مقدم المستقبلين عند المدخل الخارجي للقصر بوجود حشد كبير ضم نواب ووزراء «اللقاء الديموقراطي» باستثناء النواب: فؤاد السعد، انطوان سعد، وهنري حلو، الذين كانوا اعتذروا عن عدم المشاركة. كما كان في الاستقبال مسؤولون في الحزب التقدمي الاشتراكي وشخصيات ورؤساء بلديات الشوف والمخاتير. وكان لافتاً وجود النائب محمد الحجار ضمن المستقبلين وهو من «تيار المستقبل» لكن ضمن «اللقاء الديموقراطي» كما حضر الى الاستقبال رئيس بلدية دير القمر حنين وهو من مناصري دوري شمعون. ضريح كمال جنبلاط وتوجّه عون وجنبلاط الى ضريح الزعيم كمال جنبلاط حيث وضع اكليلاً من الزهر. وعند دخول عون الى القصر قدم الى جنبلاط كتابين الاول بعنوان «في ديار مار مارون» للباحث غسان الشامي، وهو اتى به من براد (حلب) حين شارك في احياء الذكرى 1600 لوفاة مار مارون، والثاني بعنوان «رؤيتي للبنان» باللغة الفرنسية. وتبع اللقاء خلوة بين جنبلاط وعون، في وقت عقد اجتماع موسع بين وزراء ونواب اللقاء والتكتل ومسؤولي الحزب التقدمي والتيار الوطني الحر. وانتقل بعد ذلك الجميع الى مأدبة غداء أقامها جنبلاط على شرف ضيفه. لقاء «استثنائي» ولدى مغادرته قصر المختارة قال عون: «نحن في لقاء استثنائي لأننا لا نستطيع القول انه لقاء مصالحة لأن المصالحة بدأت منذ زمن، ولا لقاء مصارحة لأن المصارحة تمت، لقاء اليوم لاقامة السلام في الجبل، ونحن في بداية مرحلة جديدة من حياتنا الوطنية التي ستؤسس الى قرون من السلام، لأننا أدركنا جميعاً عبثية الحروب وأن المدفع لا يبني الاوطان، انما العلاقة السليمة بين مكونات المجتمع والتناغم بينها». وعن المرة الأخيرة التي زار فيها المختارة قال عون: كانت في العام 1975، كنت أمر من المختارة، وكنت في موقع لا أتعاطى فيه السياسة أو أقوم بزيارات سياسية». وطالب ب «تعميم الفكر الذي نحضره ونتفاهم عليه على مختلف المواطنين لأنه اذا لم تترجم علاقتنا على مستوى القاعدة، كأننا لم نفعل شيئاً». وعن المصالحة مع أطراف مسيحية أخرى، قال عون: «هذا الامر يأخذ طابع التنافس السياسي وليس الصراع، والتنافس السياسي هو جزء من حياتنا الدائمة، نختلف أحياناً ونتفق أحياناً، ومن دون حق الاختلاف في السياسة، لا تكون هناك ديموقراطية». وسئل عن قول رئيس الهيئة التنفيذية ل «القوات اللبنانية» سمير جعجع له ما اذا كان سيسأل جنبلاط عن أجراس الكنائس (كان عون في تصريحات سابقة اثار المسألة)، اكتفى بالقول: «لو كانت موجودة كان عرضها علينا». وعن علاقة الزيارة بالانتخابات البلدية، قال: «من الآن فصاعداً قد نبحث في المواضيع السياسية، ونتوافق عليها، والزيارة اليوم تتويج لكل العلاقات التي ستكون في المستقبل، وكل شيء ممكن في ما بعد. الان هناك مجلس الوزراء، ومن بعده المجلس النيابي». أما جنبلاط فاكتفى بالقول: «باختصار كما قال النائب عون المصالحة تمت وكذلك المصارحة، اللقاء من أجل تثبيت خط المصالحة والمصارحة والسلام، مر على هذا الجبل مآس، علينا نحن والتيار الوطني الحر والجميع ان نورّث الاجيال اللاحقة سلاماً ومحبة وعيشاً مشتركاً، ضمن التنوع المعروف بالوطن». في بيت الدين واصطحب جنبلاط ضيفه عون في سيارته من نوع «رانج روفر» الى بيت الدين، وقاد جنبلاط السيارة بنفسه فيما جلس في المقعد الخلفي نجله تيمور. وأمام ابرشية صيدا المارونية كان المطران الياس نصّار في استقبالهم وراعي ابرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك ايلي حداد وحشد شعبي رفع رايات «التيار الوطني الحر» البرتقالية، فيما ثبتت اعلام الفاتيكان على اشجار الصنوبر المحيطة، وترأس المطران نصار صلاة وانتقلا الى باحة الكنيسة وسط زغاريد النسوة والهتاف للجنرال. وبعد النشيد الوطني اللبناني قال المطران نصار: «لا بد لنا من ان نستذكر الزيارة التاريخية التي قام بها البطريرك الماروني نصرالله صفير الى الشوف وجزين عام 2001 ولقاءه الزعيم وليد جنبلاط ومباركته لمجموعة من المصالحات التي جرت في معظم قرى وبلدات الجبل. واننا نضم اليوم بركتنا الى بركة غبطته ونبارك هذا اللقاء ونتطلع الى ان يثمر مع ما سيتبعه من جهود الى انهاء المصالحة في بلدات بريح وكفرمتى وعبيه وعين درافيل وكفرسلوان في هذه السنة إن شاء الله». جنبلاط وخاطب جنبلاط الحضور بالقول: «عقدنا الصلح نهائياً وفتحنا صفحة جديدة ناصعة عام 2001، وآنذاك كان العماد في الغربة، وكان جمهور العماد عون يتعرض للاعتقال والضرب، حاولوا أن يعطلوا الصلح لكن جمهور العماد عون كان أقوى وفرض الصلح بقوته، وختمنا الجرح الكبير مع الراعي الأكبر للمصالحة في بيت الدين مع البطريرك صفير، واليوم لقاء مصالحة ومصارحة، ونستمر علنا نعلم الأجيال، ولا نقع في فخ لعبة الأمم التي كادت أن تدمر وحدة الجبل ولكن اليوم وحدة الجبل تتكلل بحضور العماد عون». وحيا جنبلاط «كباراً مروا على هذا الصرح منهم المطران بستاني والمطران حلو، واذكر ان المطران حلو حاول جاهداً أيام الغزو الاسرائيلي أن يمنع الفتنة، لكن اسرائيل عمقت الفتنة، ورحمه الله كان قائداً كبيراً ومطراناً كبيراً، واشكر أيضاً المطران خوري، اليوم مع المطران نصار نقول له هذه بيتنا وديارنا وشكراً لكم». عون واعتبر عون في كلمته ان «لقاءنا اليوم تاريخي لمعالجة موضوع تاريخي من خلال احياء الذاكرة، ومواجهة الواقع بكل مكوناته ومنطلقاته ونتائجه، فالحروب الأهلية لا تمحى إلا بعمل جريء يتخطى المعالجات التقليدية التي تمارس في مثل هذه المناسبات»، لافتاً الى أن «المصالحات هي بداية، أما إقامة السلام فهي شيء آخر وهي الغاية وهي تتجسد هنا والآن». وأشار عون الى ان «الشعوب التي تفتقد الذاكرة تكرر أخطاءها في شكل متقطع لذا واجب علينا أن نحيي ذاكرتنا دائماً ونتشبه بمن سبقنا بذلك مثل الشعوب الأوروبية التي دمرتها الحروب وبدأت تتلاقى في كل عام لإحياء ذكرى شهدائها وتكرمهم عندما قررت إقامة السلام»، وقال: «يجدر بنا نحن أن نفهم أن الحرب الأهلية قدر نصنعه بأيدينا وليس حتمياً يُفرض علينا، وتالياً نحن قادرون أن نبعد عنا ويلات الحرب الأهلية شرط أن نتحاشى الأخطاء الجسيمة بحق بعضنا بعضاً ويجب علينا ترك الوقت لمؤسسات المجتمع لأنها المرجع الوحيد الذي يرد حق المعتدى عليه». وقال: «نمر اليوم بمرحلة من الهدوء، وعلينا أن نفكر بنهج جديد ونعيد هيكلة منطقنا السياسي وعلاقاتنا مع بعضنا بعضاً، وإن معاناة الشعب اللبناني لغاية اليوم هي نتيجة ثقافة التقوقع والانعزال لذلك لم يفهم العوامل التي أدت به الى الانزلاق، وعلينا أن نكون المبشرين والمعلمين لثقافة جديدة، من هنا دعوتي للجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه مجتمعاتهم أولاً والمجتمع ثانياً، فالعيش الواحد يقوم على تربية تحترم حرية الرأي والمعتقد وحق الاختلاف وتقاليد الآخر وعاداته، فإحياء للذاكرة الجماعية وتنقية للضمير أدعو جميع مواطنينا في الجبل وكل المناطق أن يقيموا في كل قرية نصباً تذكارياً يحمل أسماء شهدائها أينما سقطوا وكيفما سقطوا يعتمده اللبنانيون للزيارة والصلاة والمعاهدة على عدم العودة الى العنف». وقدم المطران نصار هديتين رمزيتين لعون وجنبلاط، ثم انتقل الجميع الى غرس شجرة أرز تذكارية.