أطلق البطريرك الماروني نصر الله صفير أمس، السنة اليوبيلية لمار مارون بعد 1600 سنة على وفاته، في قداس ترأسه في كنيسة مار جرجس في وسط بيروت، حضره الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيسا المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري. وازدانت الكنيسة بحلة العيد وبالأزهار باللونين الأصفر والأبيض وسط إجراءات بروتوكولية، وتقدمت الحضور أيضاً أرامل رؤساء جمهورية سابقين: صولانج بشير الجميل، ومنى إلياس الهراوي، ونايلة رينيه معوض، الى جانب زوجة الرئيس أمين الجميل جويس الجميل، والرئيس حسين الحسيني، والرئيس فؤاد السنيورة، ووزراء ووزير خارجية اسبانيا ميغيل انخيل موراتينوس، ونواب من كتل مختلفة، واعضاء من السلك الديبلوماسي. كذلك حضر رئيس الهيئة التنفيذية ل «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وقائد الجيش العماد جان قهوجي، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، والمدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، وشخصيات. وبدأ الاحتفال الذي أحيط بإجراءات أمنية مشددة، بدخول البطريرك صفير الى الكنيسة يحيط به المطارنة الموارنة باللباس الأبيض على وقع ترنيمة «مجد لبنان أعطي له» أنشدتها جوقة الكسليك. وعاون صفير في القداس المطارنة: بولس اميل سعادة، بولس مطر ورولان أبو جودة وشكرالله حرب والمونسنيور اغناطيوس الأسمر، وبمشاركة ممثلين عن كنائس تابعة لطوائف مسيحية اخرى. واستهل القداس بكلمة لراعي ابرشية البترون المارونية المطران بولس إميل سعاده الذي قال باسم اللجنة البطريركية لاحتفالات يوبيل مار مارون: «انها مناسبة تطرح علينا جميعاً، مسؤولين ومواطنين وفي ظروفنا الصعبة، أسئلة مصيرية. ذلك أن المطروح على لبنان واللبنانيين، بالأمس واليوم وغداً، كان ولا يزال، ليس مع من أو ضد من يجب أن نكون بل أن نعرف الغاية التي من أجلها يجب أن نكون، لذا علينا اكتشافها دائماً في كل إنسان واحترامها والدفاع عنها في كل لحظة ولدى كل جماعة أو طائفة وفي كل مكان وفي كل مؤسسة وفي كل موقع وموقف». ورأى أن «هذا الالتزام العميق والكامل والنهائي للإيمان والحرية يفرض علينا حكماً أن نستخدم الجغرافيا لتوجيه التاريخ. ومن هنا معنى تعلقنا بلبنان النهائي الوطن - الرسالة للحفاظ على كرامة الإنسان اللبناني الحر والمشرقي الحر بكل مكوناته وأبعاده الدينية والمذهبية والفكرية في وجه كل قوى الظلم والتسلط والأصولية والشمولية والتعصب». وحملت عظة البطريرك صفير عنوان «لا تخف، أيها القطيع الصغير»، اعتبر فيها أن «عيد القدِّيس مارون هو مصدر رجاء»، وقال: «ذاع صيت القدِّيس مارون في حال حياته. فالتفَّ حوله نفر من التلاميذ الَّذين أرادوا أن يأخذوا أخذه في الحياة، وكانوا النواة الأولى للكنيسة الَّتي حملت اسمه في ما بعد واستمرَّت تطلب شفاعته لدى الله على الدَّوام، وهي الكنيسة الَّتي أعطاها ربُّها أن تشهد على مدى تاريخها وفي أمكنة تجذرها، لقيم المحبَّة والحرِّيَّة والكرامة الإنسانيَّة والعيش المشترك الودود بين المسيحيِّين والمسلمين ولا سيَّما على أرض لبنان الحبيب». وأمل صفير «أن يكون هذا اليوبيل الَّذي نحتفل به على مدى سنة في لبنان وفي بلدان الانتشار، موسم خير وبركة على كنيستنا المارونيَّة وعلى أبنائها في كلِّ أمكنة توطُّنهم، فيحافظوا على إيمان آبائهم وأجدادهم وعلى قيمهم الدينية والوطنية والأخلاقية حيث هم، وأن يؤتينا أيَّاماً خيراً من هذه الأيام التي نعيشها، وأن يعيد عليكم جميعاً أعياداً عديدة ملؤها الخير والسلام وأن يسكب عليكم فيضاً من نعمه وبركاته». وأعتبر رئيس أساقفة بيروت المارونية المطران مطر في كلمة أن «للقائنا اليوم في بيروت بالذات أكثر من دلالة، لأنَّه يحمل إلى المنطقة والعالم بأسره رسالة لبنان. فالكنيسة المارونيَّة التي انطلقت مع شفيعها وراعيها من جبال قورش في شماليِّ سوريَّة، ترعرعت في لبنان إلاَّ أنَّ بيروت وهي اليوم وريثة إنطاكية ومدينة كلِّ الكنائس، صارت بامتياز مساحة التَّلاقي الأرحب بين المسيحيَّة والإسلام، ومكان الحوار البنَّاء الَّذي راح يأخذ أبعاده العالميَّة بين الأديان والحضارات. وتجلَّت في هذا الوطن عاصمة فريدة متألِّقة بين العواصم، كما صار لبنان أكثر من وطن وانبرى رسالة في العيش الواحد بالحرِّيَّة والكرامة والمساواة بين الجميع، ورمزاً من رموز التَّقدُّم في طريق الانسجام والتفاهم بين دول الأرض في كل أقطارها». وأقام المطران مطر مأدبة غداء تكريماً لسليمان وبري والحريري وصفير والبطاركة والمطارنة الذين شاركوا في القداس، وألقى مطر كلمة توجه فيها الى رئيس الجمهورية قائلا: «كلنا معك في العمل الذي تقوم به لإنقاذ لبنان». وتوجه الى الحريري قائلاً: «نتكل على دولتكم وعلى جميع الوزراء الأحباء في الحكومة لإعادة لبنان الى دورة الحياة ومحبتنا لك هي في القلب. فيوم تسلمت رئاسة الحكومة كل الشعب اللبناني رأى فيك الأمل الطالع. إن شاء الله يكون هذا الأمل شمساً جديدة على لبنان لننعم كلنا بدفء هذا الوطن». ثم توجه مطر بالكلام الى السفير البابوي غبريالي كاتشا قائلاً: «وجودك في لبنان أعطانا نفساً جديداً، نفس محبة وحضور. وللبابا بندكتوس السادس عشر محبتنا وخضوعنا، ونأمل منه من كل قلبنا أن يزور لبنان قريباً بعد زيارته قبرص في حزيران (يونيو) المقبل من أجل مجمع الكنائس الشرقية». واعتبر سليمان في كلمة أن عيد القديس مارون «مناسبة للقاء اللبنانيين»، شاكراً لبري والحريري مشاركتهما، وقال: «في ذكرى مرور 1600 سنة على وفاة القديس مارون يتجدد العهد في دور الموارنة في لبنان وفي العالم العربي. دور الانفتاح والحوار واللقاء بين كل الطوائف. هذه هي المدرسة المارونية. وفي الوقت نفسه، أقول إن القديس مارون عاش قبل 1600 سنة، ولكن لبنان موجود قبل 6000 سنة». اتصالات تهنئة ومواقف وتلقى كل من سليمان وصفير والعماد قهوجي اتصالات تهنئة بالعيد من مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان الذي رأى في تصريح أن «المبادرة التي قام بها الرئيس اميل لحود والعماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية وغيرهم بالمشاركة في ذكرى مار مارون في سورية تدل على مدى الانفتاح الماروني على الآخرين والعيش سوياً متضامنين متحابين متصادقين، وهي عمل جيد ودعم للوحدة الوطنية». وأعرب وزير العدل إبراهيم نجار عن اعتقاده «أن هناك إرادة سورية واضحة لإبراز قوة دمشق ومدى تأثيرها في لبنان»، وقال لإذاعة «صوت لبنان» إن الاحتفال بعيد مار مارون في سورية «هدفه تغطية سياسية، ولكن الشعب اللبناني يعي هذه الأمور ويعلم أن مركز ثقل الموارنة هو في لبنان». وأكد رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون في تصريح أن «هناك احتفالاً واحداً بعيد مار مارون وهو الذي يقدس فيه البطريرك صفير ونشارك فيه، وليس هناك احتفال آخر بل هو نوع من لعبة سياسية ومتاجرة بمار مارون».