هل يعقل أن تعود الحياة الى الوراء وأن يستعيد الإنسان أعضاءه الشابّة التي أتلفها المرض أو السنّ أو الحوادث؟ وهل العمل على الخلايا البشرية والتحكّم بوظائفها هو نوع من العبث في مصير الانسان قد يؤدي الى متغيّرات كثيرة؟ هذه الأسئلة وسواها تستدعي طرحها اليوم الضجّة القائمة في أنحاء العالم حول خلايا المنشأ. هذه الخلايا لا تمايزات لديها ولا خصوصيات، وما يأمل به العلماء هو زرع هذه الخلايا في أماكن معيّنة من الجسم، مع الاحتفاظ بامكان تمييزها وتحويلها الى الوظيفة المطلوبة منها، فتتحول الى جلد أو كبد أو عضلات أو أعصاب بحسب المطلوب. هذا الأمر يولّد مشكلة أخلاقيّة ودينية في كثير من البلدان، إذ إن هذه الخلايا يُستحصل عليها من أجنّة ولدت في الأنابيب ممّا يعتبره البعض جريمة لأن هذه الخلايا التي يُعمل عليها قادرة أن تتحوّل إنساناً، ما يشكّل عبثاً في عملية الخلق، من هنا رفضها الفاتيكان والأزهر. وثمّة محاولات لأخذ هذه الخلايا من نواة بالغة في خلية شابّة بغية تجنّب قتل جنين، ويحذّر نايف سعادة، وهو أستاذ علم الأعصاب في الجامعة الأميركية في بيروت، من "المخاطر الكبيرة، فمن الممكن أن نصل الى تشوّهات مما يوقعنا في المشكلة عينها التي يولدها الاستنساخ". ويعتبر سعادة أن "الحياة هي تيار لا يعود الى الوراء". ويرى أنه لتكون خلايا المنشأ صحيحة "يجب أن تؤخذ من جنين بشري وتبقى مجمّدة في ظروف مخبرية تمنعها من التطوّر ومن الدخول في التغييرات الناجمة عن مرور الزمن". لكن ألا يعتبر الأمر إجهاضاً لحياة جنين؟ يرفض الدّكتور سعادة هذا القول ويؤيّد خلايا المنشأ "شرط أن تكون مجمّدة من الجنين". ويشبّه الأمر بما حصل في بدايات عصر الصناعة عندما راح العمال يحطّمون الآلات في مصانعهم لأنها تأخذ دورهم. "التقدّم العلمي لا يتوقّف، وهذه التقنية قادرة على إيجاد علاجات لأمراض كثيرة للقلب والباركنسون والألزهايمر". ويضيف: "لا يمكننا أن نأخذ خلايا منشأ من جنين في بطن والدته لأنه يكون في طور تشكيل أعضائه، أما أخذها من أجنّة تأتي عبر التلقيح الاصطناعي، فأمر مقبول شرط ضبط معايير هذا الأمر. قد يدّعي بعضهم أننا نتلاعب بالحياة أو نضحّي بأجنّة، لكن من الصعب القبول بهذا الأمر لسبب بسيط هو أننا نشجّع الناس على التبرّع بأعضائهم، مما يعني أننا ننتظر موت إنسان للاستفادة من أعضائه. وبالتالي من الضروري أن نأخذ خلايا منشأ ونحفظها في كميات كافية ووضعها ضمن شروط مؤاتية". ويضيف سعادة: "لا يمكن إيقاف هذا الأمر خصوصاً أن ثمة ارتباطاً بين العلم والصناعة، لأن خلايا المنشأ وتقنيات الزرع والمعالجة تملكها شركات خاصّة وتجهّز لها براءات اختراع خاصّة بها. ثمة منطق تجاري وأموال توظّف للوصول الى مرحلة التحكّم بالخلايا النامية واستعمالها لمعالجة الأعضاء في مناطق عدّة من الجسم. وأكبر دليل على ذلك أن الإدارة الأميركية سمحت باستكمال الأبحاث على خلايا المنشأ لكنّها منعت استعمال مشتقّات الأجنّة الإنسانية، وفي الأمر تناقض واضح لأنّ خلايا المنشأ هي أجزاء من الأجنّة الإنسانية والأمر بمثابة من يغلق الباب ويترك النافذة مفتوحة". رزق: قدسية حياة البشر من جهته، لا ينفي البروفسور حكمت رزق،وهو جراح بارز من "جبيل"، أهمّية النّقلة النّوعية التي حصلت في علم الخلايا، لكنّه يأخذ في الاعتبار الموانع الأخلاقيّة التي تتحكّم بكلّ ما يتعلّق بعلم الحياة. ويرى أن الأمر يرتبط بمنحى فلسفيّ أكثر مما هو طبي أو علمي. ويشير رزق الى أنّ القضيّة التي يثيرها استعمال الأجنّة قابلة للحل، "فالدّول التي تمنع خلايا المنشأ تسمح من جهة أخرى بالتّلقيح عبر الأنبوب، والبويضات المتبقية في هذه التقنية تتلف في ما بعد بموافقة الأهل مما يشكّل خرقاً أخلاقياً بالنسبة الى الدّين أيضاً. ومن الممكن استخراج خلايا المنشأ من حبل الصرّة وحتى من خلايا بالغة. لكنّ هذه الطرق تفقد خلايا المنشأ الكثير من مزاياها، والعلم يدرس اليوم امكان ايجاد حلول للأمر وإذا نجح يجنبنا المشكلات الأخلاقية والدينية المطروحة". ويشير رزق الى "وجود اختلاف كبير بين عملية خلايا المنشأ والاستنساخ المرفوض كلياً". لكنه يتّخذ موقفاً معارضاً لخلايا المنشأ كما تُطرح اليوم ويقول "إنّ الأمر يشكّل بالنسبة إلي كطبيب متديّن ازمة نفسية، وكأني أسأل إن كنت مع الإجهاض أم ضدّه؟ إن استعمال خلايا المنشأ يعني إجهاض جنين حيّ، وعندما يصل العلم الى مرحلة من التطوّر تتيح العمل على الخلايا البالغة يكون الحلّ المثالي". ويلاحظ رزق حسنات عدّة لخلايا المنشأ منها "امكان علاج الجلد المحروق عبر الزّرع، وصنع خلايا عضلية جديدة للقلب المتلف". يبقى أنّ موضوع العمل على خلايا المنشأ يثير الكثير من الآراء المتناقضة علماً أن التساؤلات الدينية والأخلاقية تواجهها أيضاً أخرى منها: هل يعتبر إجهاض خليّة صغيرة في طور النمو جريمة إن كان الأمر قادراً على علاج ملايين الأشخاص المهددة حياتهم بالموت المحتوم بسبب أمراض خطيرة؟