"المنافع المتوقعة للاستنساخ البشري تفوق المعضلات الأخلاقية التي يثيرها". هذا هو الاستنتاج النهائي لهيئة الخبراء الخاصة بدرس موضوع الاستنساخ البشري. أعلنت ذلك صحيفة ال"ديلي تلغراف" أمس في تقرير على صفحتها الأولى توقعت فيه موافقة الحكومة البريطانية قريباً على استنساخ الأجنة البشرية لإنتاج "قطع غيار" لاستبدال الأعضاء المريضة والأنسجة التالفة. ويوصي فريق الخبراء الذي يقوده رئيس الأطباء في بريطانيا الدكتور وليام دونالدسون باجراء تعديلات في التشريعات التي تحرّم استنساخ الأجنة البشرية. ولم يصدر أمس تعليق رسمي على الموضوع لكن الدوائر المطلعة، على يقين تقريباً من موافقة الحكومة البريطانية على رفع الحظر المفروض على استنساخ الأجنة لاغراض البحث الطبي، واستخدامها لتنمية كلى وأكباد وقلوب بشرية. وعاود الاعلان عن التقرير الرسمي إثارة الخلافات على أخلاقية الاستنساخ، وجدد الأحلام حول استنساخ الأشخاص المشرفين على الموت أو العباقرة ونجوم السينما والرياضة. لكن فريق الخبراء ركز على الجوانب العملية وحذر من تخلف بريطانيا في ميدان الاستنساخ الذي يُتوقع أن يحدث ثورة طبية في علاج عدد كبير من الأمراض. فبالامكان استنساخ جنين عن خلايا شخص يعاني مرضاً معيناً واستخلاص خلايا من الجنين مطابقة تماماً للمريض. الهدف هو استخدام الخلايا المستنسخة لتنمية أعضاء لاستبدال الأعضاء التالفة للشخص. ولن يحتاج المرضى الى من يتبرع لهم بكلى أو قلوب أو أكباد، كما أن أجسامهم لن ترفض زرع هذه الأعضاء، طبق الأصل عنها. وذكر عضو في فريق الخبراء أن امكانات الاستنساخ هائلة لتبديل نخاع عظام الأطفال المصابين بسرطان الدم لوكيميا أو استبدال عضلات القلب التالفة. ومن الحماقة في رأي الخبراء فرض حظر على هذا الميدان الزاخر بالوعود والمنافع. ويتوقع أن تبدأ الحكومة البريطانية حملة مناقشات عامة لإقناع الناس بأن استنساخ الأجنة لأغراض البحوث أمر مختلف عن انتاج نسخ طبق الأصل من كائن بشري. وواضح من اللهجة الانتقادية لافتتاحية ال"ديلي تلغراف"، وهي صحيفة محافظة، أن الاستنساخ البشري قد يصبح ضمن أجندة الانتخابات البريطانية المقبلة. لكن متابعة التطورات داخل المختبرات ومراكز البحوث تكشف ان الموافقة الرسمية ليست سوى اعتراف بالأمر الواقع. وكان الدكتور إيان ويلموت الذي استنسخ النعجة "دوللي" كشف تجارب تجرى حالياً لاستنساخ خلايا وانتاج قلوب وكلى وأكباد بشرية وحيوانية، واستخدامها لاستبدال الأعضاء المريضة والتالفة. تمول هذه التجارب أكبر شركات صناعة الأدوية العالمية، وكثير منها يركز على توليد خلايا بشرية شمولية صالحة للاستخدام في كل الأغراض. ويتوقع انشاء بنوك لهذه الخلايا التي يطلق عليها "خلايا الأرومة"، وهي خلايا الجنين الأصلية التي لم تتطور بعد الى أعضاء ولم تتخصص بمهمات معينة في الجسم. تعزل هذه الخلايا من الأجنة في مرحلة مبكرة وتستخدم لانتاج أنسجة وأعضاء تحل محل الأنسجة التالفة أو المريضة. ويستفز استنساح أجنة بشرية واستخدامها لانتاج "قطع غيار"، الأوساط الدينية وجماعات الدفاع عن أخلاقيات الطب، لأن الجنين يمكن أن يصبح نفساً بشرية. لكن الخبراء يعتقدون أن الأجنة في هذه المرحلة كتلة خلايا لا تصبح كائناً إلاّ بعد فترة طويلة من التطور. وتتلف يومياً مئات من الأجنة في عمليات الاجهاض أو الاخصاب الصناعي وزرع أطفال الأنابيب. وينفي إيان ويلموت امكان "انتاج" نسخ عن العلماء العباقرة أو نجوم السينما المشهورين أو أبطال الرياضة العالمية. هذه الأحلام التي أثارتها أول عملية استنساخ غير قابلة للتحقق، لأن النسخة ليست الشخص نفسه بل قد يكون شخصاً مختلفاً كلياً. ومع أن استنساخ شخص مشرف على الموت قد يحمل العزاء لأهله، لكنه يثير القلق من سوء معاملة نسخة الشخص الذي لن يُعامل كشخص كامل، وقد يخضع لقيود تفرضها توقعات عائلة الميت ل"توأم" الفقيد. وهذه التوقعات قد تكون مضللة، لأن الشخصية البشرية لا تحددها الجينات إلاّ بصورة جزئية.