لا يُلام أي مسؤول عربي اذا خشي الحرب التي يهدده بها ارييل شارون، وبالتالي عمل على تجنبها واستبعادها. فالحرب قدرة، واذا لم تكن متوفرة فلا داعي للتبجح بها أو للعنتريات اللفظية. ولا بد ان يشعر الحكام بارتياح لأن شعوبهم في معظمها تعفيهم من "واجب" الحرب، فالأوضاع الاقتصادية اينما كان بالكاد تمكن الناس من العيش بالكفاف والستر، ولا شك ان أي حرب تعني مفاقمة المصاعب. لكن، بماذا يمكن ان يدافع أي مسؤول عربي عن سبعة شهور شارونية مرت من دون ان يشعر مجرم الحرب هذا بأي ازعاج في مسيرته الدموية؟ سبعة شهور لم يستطع العرب فيها، لا المطبّعين مع اسرائيل ولا غير المطبعين، لا بالحوار والاعتدال ولا بغيرهما، أن يدخلوا تعديلاً ولو طفيفاً على الوضع. اقفلت واشنطن أبوابها بعدما أعطت شارون ترخيصاً بالارهاب، ولم تعد مستعدة لأن تسمع شيئاً. كثيرون استذكروا عبارة "متى نعلن موت العرب؟"، وآخرون اقترحوا اعلاناً واضحاً بالعجز والاستقالة من القضية الفلسطينية. ولكن الاميركي والاسرائيلي يطاردان الجميع لمطالبتهما بالسعي الى وقف الانتفاضة وضبط القيادة الفلسطينية، وحتى الى مقاطعتها - على غرار ما تفعل الولاياتالمتحدة تلبية لرغبة اسرائيلية - والتضييق عليها حتى ترضخ وتوقف ما يسمى "العنف". بين الحرب المستحيلة والعجز المرفوض، ما العمل. مساحة السياسة مفتوحة كلها، امكانات الدعم للانتفاضة متاحة كلها ليس بالمال والسلاح فقط، ولكن خصوصاً بالحملات الدولية الهادفة على غرار ما ناقشه وزراء الاعلام العرب متأخرين جداً. الأخطر ان عناد شارون وتهديداته وارهابه بدأت تفعل فعلها في ذهنية العديد من أولي الأمر، وفي ظنهم ان من يملك القوة العسكرية يملك زمام السياسة. لا حساب عندهم للشعوب. اكتفوا بتخويف هذه الشعوب من تبعات الحرب، بل فرضوا كل ما أمكنهم من قيود ليفهم الناس ان التضامن مع الانتفاضة بات محدوداً بخطوط حمر وان هذا التضامن بات تحت المراقبة الأمنية. مثلما ان "الحرب" تحولت طوال عقود أداة لتشريع أنظمة انتهازية هشة، تتعرض الانتفاضة الآن للاستخدام نفسه. ولكن الجمهور الذي لم تنطل عليه الاكاذيب السابقة لن يصدق الادعاءات الراهنة، لأنه بات اكثر وعياً وان لم يكن اكثر فاعلية في تغيير الأوضاع وقطع دابر النفاق. لا يمكن ادعاء دعم الانتفاضة بالتفرج على ابنائها يقتلون، مثلما حصل طوال نصف قرن ونيف عندما قتلوا وشردوا وسحقت ارادتهم وديست كرامتهم. ولا يمكن حل المعضلة الفلسطينية بنسيان وجودها ورفض مفاعيلها والقبول بأي شيء تعرضه اسرائيل على انه تعبير عن عدالة ما تفرضها موازين القوى العسكرية. بلغت وقاحة الرئيس الاميركي حداً غير معقول، فهو لا يرى في الوضع الخطير الذي فرضه حليفه مجرم الحرب الاسرائيلي ما يستحق ان يلبي رغبة زعيم طلب مقابلته لإبلاغه رسالة عربية. وكان ذلك قبل عطلته الصيفية في تكساس، وهو رحب بمخاطبه بعد شهرين أو ثلاثة. اما مستشارته لشؤون الأمن القومي التي تسكب في أذنه كل ما هو مخوّل ان يعرفه عن شؤون العالم، فتبدو الآن صانعة سياسة تدمير "عملية السلام" لاستبدالها بعملية اخرى، ولكن بعد سحق الانتفاضة وليس قبلها. أما نائبه ديك تشيني "صديق العرب" ! فكشف وجهه الصهيوني الحقيقي. لكن هذه الوقاحة تترجم في بعض العواصم العربية على أنها أوامر ينبغي التعامل معها، خصوصاً انها تعبر جيداً عن زواج مصلحة بين بوش وشارون. وشكل بعض التصريحات لمسؤولين عرب رفيعي المستوى مؤشراً الى انهم باتوا يرون في الانتفاضة خطراً على علاقات بلدانهم مع اميركا، وبالتالي على مصالحهم، وقد يضطرهم ذلك الى البحث عن سبل للبدء بالتضييق على الفلسطينيين، لكنهم لا يعرفون ان هؤلاء يديرون انتفاضتهم لمواجهة خطة شارون - موفاز لا بمسايرة رغبات هذه العاصمة العربية أو مخاوف تلك.