اذا كانت هناك خلاصة عملية لمفاوضات طابا فهي ان السلطة الفلسطينية حسمت أمرها وقررت "تأييد" ايهود باراك في الانتخابات الاسرائيلية المقبلة. اي أنها اختارت رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي يعتدي على الشعب الفلسطيني يومياً لكنه يفاوض السلطة، ولم تجد مصلحة في اختيار الآخر الذي يعتزم ممارسة العدوان من دون تفاوض، واذا فاوض فمن أجل فرض الأمر الواقع. في طابا كان التفاوض من أجل التفاوض، وكان الطرفان يعلمان انهما لن يتوصلا الى اتفاق. ولعلهما أرادا بذلك مخاطبة الادارة الاميركية الجديدة وحضها على الاسراع في وضع عملية السلام في الشرق الأوسط في أولوية اهتماماتها. وليس مؤكداً ان هذه الادارة مقبلة على المبادرة قريباً. الى ذلك، استهدفت هذه المفاوضات مخاطبة الشريحة المؤيدة للسلام في المجتمع الاسرائيلي واشعارها بأن "المشروع" لم يمت على رغم ما حصل ويحصل من تقاتل. كذلك، بل خصوصاً، مخاطبة عرب اسرائيل لتشجيعهم على عدم مقاطعة الانتخابات، وبالتالي التوجه الى ترجيح كفة باراك. وليس من المؤكد، هنا ايضاً، ان "رسالة طابا" ستستجاب وتعطي النتيجة المرجوة. وينسى الطرف الفلسطيني ان باراك لم يعد يتمتع بأي ثقة مثلما ان خصمه ارييل شارون لا يتمتع بأي احترام إلا من جانب المتطرفين الاسرائيليين الذين جعلهم تردد باراك وغباؤه يتكاثرون ويلتفون حول مجرم حرب سيصنعون منه زعيماً. ومثلما ان مفاوضات طابا انتهت الى رسالة غامضة الى الاميركيين والاسرائيليين، فإن انعكاساتها فلسطينياً وعربياً ليست أقل غموضاً. ونادراً ما تكون "البراغماتية" مفهومة ومستجابة. ومن واجب السلطة الفلسطينية ان تشرح لشعبها، وللعرب، ما الذي حصل في طابا، وما اذا كانت مستعدة لمواصلة القول ان الانتفاضة مستمرة، وما المصير المتوقع للتفاهمات "المبدئية" التي قال الطرفان بتكتم وخجل انهما توصلا اليها، وهل ان هذه المفاوضات سترفع الحصار عن المناطق الفلسطينية وستوقف القتل اليومي، والاذلال والمهانة للفلسطينيين. لم يكن باراك يستحق عملية الانقاذ هذه مع العلم بأنها لن تنقذه. فهو الذي أغرق نفسه ولا يزال مصراً على الغرق. ولم يكن يستحق الانقاذ ايضاً لأنه، حتى لو فاز في الانتخابات، سيتنكر ل"تفاهمات طابا" مثلما ان شارون لن يأخذها في الاعتبار ولن يفاوض على اساسها. قد يقول الفلسطينيون انهم قدموا بهذه المفاوضات مساهمتهم المتواضعة في قطع الطريق على شارون الذي قد يذهب الى حد توتير المنطقة ووضعها على حافة الحرب هرباً من استحقاقات السلام، لكن مثل هذه المغامرة المجنونة داعب ايضاً خيال باراك وشكل في فترة ما أحد مشاريعه لإنقاذ نفسه. كل ما شهدناه ونشهده هو نتيجة قصر نظر اميركي، ففي اللحظة المناسبة، لحظة الحقيقة، أحجم بيل كلينتون عن مطالبة الاسرائيليين بتحمل مسؤولياتهم حيال متطلبات السلام وفضل الضغط على الفلسطينيين. وبذلك اعطى باراك آمالاً زائفة أدت الى إفشاله، واتخذ موقفاً مجحفاً وخاطئاً حيال الفلسطينيين ما أدى الى تيئيسهم من مشروع السلام المتهالك. وها هي الادارة الاميركية الجديدة تغذي انطباعات بأنها لا تنوي التورط في المفاوضات. ولا معنى لذلك سوى انها تشجع أمثال شارون على اعتبار ان مشاريعهم الدموية يمكن ان تتحقق بلا متاعب، والعرب يعرفون ان اسوأ المراحل في صراعهم مع اسرائيل مرت بضوء أخضر من ادارة جمهورية في واشنطن. إذا كانت تفاهمات طابا مؤهلة فعلاً لإنتاج تسوية مشرفة، وفقاً للقرارات الدولية، بعيداً عن مقترحات كلينتون - باراك، فلا شيء يمنع اعلانها لتكتسب تفهماً فلسطينياً وعربياً. وإلا فإنها ستكون فصلاً اسود آخر من فصول أوسلو، وستكون خصوصاً اسوأ التفاف على الانتفاضة وتنكر لها.